من لا يحترم قوانين الطبيعة ولا يراعي حرمة كائناتها، أنى له أن يدرك قيمة ومعنى الحياة، بتنوعها ونظمها، وأن الإنسان هو نفسه يعتبر جزءا منها، وأن ثمة علاقة تكافلية بينه وبين الكائنات التي تعيش بين ظهرانيه، فأجدادنا على سبيل المثال كانون يقتنون أفاعٍ سوداء في بساتينهم ويوفرون لها الطعام، وهي غير سامة خلافا لما يعتقد كثيرون، وكانت تربطهم بها علاقة مودة، فلا تجزع منهم ولا يتوجسون خيفة منها، وقد أدرك أجدادنا قبل مئات السنين أن الأفعى السوداء هي العدو الأول للقوارض، ولا سيما منها الجرذان والفئران التي كانت تخرب رزعهم، فكانت الأفعى حامية تعبهم ورزقهم.

ولا يقتصر الأمر عند نوع بعينه، فالأفاعي التي تطاردها السيارات وتدهسها ليست الوحيدة في دائرة الخطر، فالعبث يطاول أنواعا كثيرة من الكائنات الحية، وهي أكثر من أن تحصى، وجميعها معرض لخطر الانقراض، كالنيص (القنفذ)، والغرير، وابن آوى، والطبسون، فضلا عن الطيور المقيمة والمهاجرة.

 

غاب الضبع كثرت الخنازير

 

ما يثير المخاوف في هذا المجال، ما نلحظه من عمليات قتل ومطاردة ودهس الضباع، خصوصا في هذه الفترة من العام، إذ أنها تقترب من المنازل ليلا بحثا عن الطعام، وهي تقتات على النفايات والمخلفات، وتخلصنا منها بدلا من تحللها لتصبح موطنا للأوبئة والجراثيم والأمراض.

لعل البعض ينظر بعين السخرية إلى قتل الضباع، إذ غالبا ما نواجه بأن “الإنسان يموت في مجازر وحروب فيما تسلطون الضوء على قتل ضبع”، ولكن هذا البعض لا يدرك أن خسارة هذا الحيوان وانقراضه، يعني فقدان حلقة مهمة من التوازن البيئي، وأن ذلك سيرتد سلبا على الإنسان، فتكثر الأمراض، فضلا عن أن انقراض الضبع تكون نتيجته كثرة الخنازير البرية التي تفتك بالزرع، كما هو الحال في كثير من المناطق الزراعية التي أهملها أصحابها بسبب الخنازير البرية (بعض مناطق المتن الأعلى وعاليه والجنوب)، علما أن الضبع يتقصد وجر الخنازير ويلتهم جراءها الصغيرة، فيحد من تكاثرها السريع.

كما أننا لا نزال أسرى موروثات قديمة لا تمت إلى العلم والحقيقة بصلة، بأن الضبع يهاجم الإنسان و”يسبعه” ويقوده إلى وجره ليفترسه! وهذا الأمر لا يعدو كونه خرافة دحضتها الدراسات الحديثة، فالضبع اللبناني المخطط يتسم بالجبن والخوف، وخصوصا من الإنسان.

 

ثقافة الوعي

 

بعد قتل ضبع ودهس آخر في شمال لبنان، نفاجأ أمس أن أحدهم دهس ضبعا صغيرا على الطريق الرئيسية بين حمانا ومحطة بحمدون، وتحديدا على طريق عام بلدة القريِّة (قضاء بعبدا)، وهذا الضبع أقرب ما يكون إلى جرو، إذ لم يكتمل نموه بعد، وليس ثمة من يحاسب، ومعرفة ما إذا كان دهسه متعمدا، ولكن من المؤكد أن ثمة تقليدا، خصوصا بين الشباب، إذ غالبا ما يتقصدون دهس أي حيوان قد يبدو لهم غريبا.

وانتقد رئيس “مركز التعرف على الحياة البرية” Animal Encounter والاستاذ المحاضر في الجامعة اللبنانية – كلية العلوم البروفسور منير أبي سعيد “هذه الممارسات اللامسؤولة”، وقال لـ greenarea.info: “لقد تطورت نظرة المواطن إلى الضبع بعد سلسلة من الأبحاث والحملات التي نظمها المركز في السنوات الماضية، ولكن لا نزال بحاجة إلى تعميم ثقافة الوعي”، لافتاً إلى “اننا تمكنا من التصدي لمفاهيم لا تمت إلى العلم بصلة حول الضبع المخطط”.

وأكد أبي سعيد أن “الضبع يقوم بوظيفة محددة ومهمة للانسان والبيئة التي يعيش فيها، لأنه قادر على التهام الحيوانات النافقة، وهو بذلك يرفع عن الانسان ضررها كمصدر للأوبئة والأمراض والروائح، ومن هنا فهو يعتبر حلقة مهمة في نظام أوجده الخالق”، وشدد على أن “الضبع يخاف الإنسان ويهرب ما إن يشعر بوجوده، وفي أقصى الحالات إذا حاصره الإنسان ينتظر ليترك له فرصة للهرب”.

 

 

 

 

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This