فيما نشهد عمليات قتل وإبادة للطيور المهاجرة، تطل علينا نماذج تناقض بالكامل ما هو قائم من فلتان وتشريع “الصيد الممنوع”، وهي برمزيتها تحمل بذور وعي نحتاجها في التصدي لمظاهر العبث وانعدام القيم والمناقب، فيوم أمس الأول نشر ناشط بيئي على صفحته في مواقع التواصل الاجتماعي صورة لطائر جارح مصاب بطلق ناري، طالبا التعاون لمعالجته وإعادة إطلاقه، وكان التجاوب من قبل ناشطين بيئيين من مختلف المناطق اللبنانية.
وتواصلت “جمعية Green Area الدولية” مع الناشط المهندس وسيم بزيع، الذي بدوره تواصل مع أبناء بلدته زبقين – قضاء صور الذين عثروا على العقاب مصابا، وتم إحضار الطائر إلى مدينة صور، وقامت جمعية Green Area بنقله يوم أمس إلى “مركز التعرف على الحياة البرية والمحافظة عليها” Animal Encounter في مدينة عاليه، وسلمته إلى رئيس المركز الأستاذ المحاضر في الجامعة اللبنانية – كلية العلوم البروفسور منير أبي سعيد.
وكان العُقاب في حالة يرثى لها بسبب الإصابة والوهن والجوع، فبادر أبي سعيد إلى معاينته بخبرة ودراية، ومن ثم جلب كمية من اللحم، وقام بإطعامه فالتهم ما قدم له، واعتبر أبي سعيد أن “هذا أمر إيجابي بحيث لن نضطر إلى إلقامه الطعام”، ومن ثم وضعه في مكان مخصص للطيور المصابة، وسيخضع للعلاج والمتابعة على أمل أن يتمكن من الطيران والعودة إلى بيئته الطبيعية.
بزيع: لتكريس ثقافة بيئية
وفي هذا المجال، المهندس وسيم بزيع (مخرج وناشط بيئي واجتماعي في العديد من الجمعيات الأهلية) عرض لـ greenarea.info لتجربته على مدى سبع عشرة سنة ولعلاقته الوثيقة مع أهل بلدته زبقين في قضاء صور “ما أعطاني الدافع لأستمر في العمل لصالح قضايا البيئة والمجتمع بعد أن كسبت ثقة الناس في أي قضية تطرح، فضلا عن علاقاتي الجيدة مع العديد من الجمعيات الأهلية والبيئية”، ولفت إلى أنه “في هذا المجال أبلغني أحد المواطنين عن وجود طائر مصاب في زبقين وأرسل لي صورا”.
وقال بزيع: “دائما أقوم بعرض القضايا على صفحتي في (فيسبوك) لخلق مساحة للتواصل ولتكريس ثقافة بيئية تؤسس لمفاهيم جديدة، ونشرت صورة الطائر وكان هناك تفاعل من قبل العديد من المواطنين الذين تواصلوا معي، ومن بينهم فاطمة قبلان من وزارة البيئة، والصحافي مصطفى رعد وهو من المهتمين بالبيئة، فضلا عن ناشطين في عدد من الجمعيات البيئية، وكان الحظ الأوفر أن تواصلت معكم كـ Green Area، لأنكم أمنتم نقل الطائر إلى (مركز التعرف على الحياة البرية والمحافظة عليها) وهو الآن في عهدة رئيس المركز الدكتور منير أبي سعيد ويتلقى الرعاية والعلاج وهو خبير في هذا المجال”.
وأضاف: “بعد اتصالكم بنا تواصلنا مع أبناء البلدة الذي كانوا قد احتفظوا بالطائر المصاب، وكان التنسيق بيننا فأوصلناه لكم وبدوركم أوصلتموه إلى حيث يجب أن يكون، لمعالجته وإعادة إطلاقه”.
وأشار بزيع إلى ان “مثل هذا التعاطي مع الحياة البرية يشجعنا أكثر فأكثر لنكون فاعلين في هذا المجال”، وأكد أن “مجتمعنا قابل للتغيير وأن يكون متعاونا، وهذا ما يحملنا مسؤولية أكثر”، ورأى أن “الجدية والمصداقية هما الأساس ليتفاعل مع الناس على نطاق واسع”.
وشكر بزيع “كل من ساعد في هذه القضية، وأخص بالذكر جميل بركات الذي عثر على الطائر وشقيقه حسيب الذي أوصله لـ Green Area في مدينة صور، وأشكر أهالي بلدتي”.
أبي سعيد: أهمية العقاب في التوازن البيئي
بدور أشار أبي سعيد إلى أن “العقاب ينتمي إلى الفصيلة البازية وهو من الجوارح، ومن المرجح أن يكون من نوع العقاب أو الصقر الحوام”، وقال: “هذا النوع يمر فوق لبنان خلال هجرته من أوروبا إلى أفريقيا أو العكس، وقد أصيب بجناحه الأيمن خلال فصل الخريف أي خلال موسم هجرته، ولكن تمكن من البقاء حيا يؤمن ما تيسر له من غذاء إلى أن عثر عليه أحد المواطنين، خصوصا وأنه فقد الكثير من وزنه بسبب الجوع، ما يؤكد أنه أصيب منذ أكثر من شهر، إذ غالبا ما تكون الجوارح سمينة أكثر، وتأكدت من ذلك من خلال صدره الذي بدا ضامرا جدا”.
وعن فترة العلاج، قال: إذا كان هناك كسر في الجانح فلن يكون بمقدوره الطيران أبدا، ولكن سنراقبه، والأرجح أن الجناح سليم، ولكن العلاج يتطلب بعض الوقت، وقد تناول الطعام بشكل طبيعي وهذا أمر إيجابي، ويمكن إعادة إطلاق خلال الربيع المقبل، ولكن علينا الانتظار لنتأكد ما إذا كان جانحه سيشفى ويتعافى”.
وأضاف أبي سعيد: “يمكن إطلاقة من أي مكان، من عاليه أو زبقين، لأنه ما إن يحلق عاليا حتى يستهدي إلى مساره بغريزته، في البداية يكون تحليقه عشوائيا إلى أن يستهدي إلى مسار معين وفق نظام حسب الحقل المغناطيسي أو الشمس أو النجوم”.
ونوه إلى أنه “أصبح هناك ثقافة معززة بالوعي حيال البيئة، وهناك كثيرون يبدون الاهتمام، خصوصا وأننا نستقبل كل عام مئات الطيور المصابة، يجلبها مواطنون يطلبون منا الاهتمام بها وعلاجها، والمركز أساسا أنشىء للتوعية من جهة، ولمعالجة الحيوانات البرية والطيور على أنواعها”، وأكد أبي سعيد على “أهمية العقاب في التوازن البيئي، لأنه أثناء عبوره فوق لبنان يصطاد القوارض والحشرات”، لافتا إلى ان “هذه الأنواع ممنوع صيدها، فهي طيور لاحمة لا تؤكل، ولكن للأسف يصطادونه للتسلية وهذا أمر غير مقبول”.