ما تزال أزمة النفايات في لبنان حاضرة في الإعلام الغربي، رغم انحسارها نسبيا مع تكريس حلول غير مستدامة، بعد إصرار الحكومة السابقة على تبني خيار الطمر، وبعد أن أسقطت من خططها وتوجهاتها ما يؤسس للمعالجة المتكاملة للنفايات المنزلية الصلبة.

لم يتطرق الإعلام الغربي لهذه الأزمة من منظور سلبي هذه المرة، ولم يتناول أساسا السياسات الحكومية حيال ما يتهدد حياة وصحة اللبنانيين، وإن كنا نعلم أن الإعلام في الغرب سيكون حاضرا في عرض المشاريع المنتهجة حاليا، عندما تظهر نتائجها أكثر، خصوصا مع ردم البحر، ومع تكاثر الطيور المحلقة في فضاء “مطار رفيق الحريري الدولي” غير البعيد عن موقع “الكوستابرافا”، الأمر الذي يشكل خطرا على سلامة الطيران المدني في لبنان.

 

دويتشه فيله

 

في هذا المجال، نشر موقع “دويتشه فيله” DW الألماني بنسخته العربية، تحقيقا بعنوان “أزمة النفايات تقنع اللبنانيين بجدوى إعادة التدوير”، أشار فيه إلى أن “تفاقم أزمة النفايات في لبنان دفعت المواطنين إلى التحرك وإطلاق مبادرات لحل الأزمة، منها تأسيس شركة لإعادة تدوير النفايات”، واعتبرت أن “من إيجابيات الأزمة أنها زادت الوعي البيئي لدى المواطنين وأقنعت البلديات بجدوى عملية التدوير”.

وتوقف الموقع عند “إنشاء شركة لإعادة تدوير النفايات”، من قبل “سام كازاك مع صديقه اللبناني”، ولفتت إلى أنه “لم يكن يتوقع أن تلمس مبادرته الوتر الحساس، في المبادرة التي أطلقها كازاك، لإعادة تدوير النفايات في نهاية عام 2014، وتهدف إلى توفير بدائل جديدة صديقة للبيئة للتخلص من النفايات التقليدية، بالإضافة إلى خلق فرص عمل للاجئين السوريين في لبنان. لكن الغريب في الأمر أن أحدا لم يكن على علم أو يملك خبرة كافية في إدارة النفايات، حتى كازاك نفسه صاحب المشروع الذي يعمل مهندس حاسبات ومعلومات”.

وقال كازاك لـ DW “كونا علاقات صداقة مع الأشخاص الذين يقومون بجمع النفايات في المساء. استطاعوا أن يوضحوا لنا كيف يمكن إدارة النفايات في لبنان”.

هذه العلاقات والصداقات ساعدت كازان والقائمين على المشروع على فهم عملية إعادة تدوير النفايات التي لم تكن معروفة تماما في لبنان، حيث ليست هناك مصانع لإعادة تدوير النفايات في هذا البلد الصغير المطل على البحر الأبيض المتوسط.

وأضاف كازاك أن “عملية تصنيف النفايات من مصدرها لا تتم بشكل كبير، وذلك لعدم بذل جهود كافية لجمع النفايات التي سيعاد تدويرها. وهنا تكمن المشكلة”.

ومن هذه المشكلة بدأت مبادرة إعادة التدوير في بيروت أولى خطواتها، فمنذ مطلع 2015، بدأت الشركة في دفع شاحنات إلى شوارع بيروت، لجمع النفايات من البيوت، وتم تخزين كل تلك النفايات في مستودع، ثم نقلها إلى مصانع إعادة تدوير فردية.

وفي ما بعد أدرك كازاك، بحسب DW، أنه بالإضافة إلى العقبات اللوجستية، التحدي الأكبر هو نشر ثقافة تدوير النفايات وإقناع المجتمع اللبناني بجدوى ذلك. لكن أكوام النفايات التي بدأت تعلو في شوارع لبنان في صيف 2015 وتزكم أنوف المواطنين،  لعبت دورا كبيرا في إقناعهم بجدوى إعادة تدوير النفايات”.

 

حملة شعبية

 

حتى مطلع 2015، كانت النفايات من اختصاص شركات خاصة مثل شركة “سوكلين”، وكانت تلك الشركات تعالج النفايات، التي تضعها في مكبات بالقرب من مدينة الناعمة جنوبي لبنان. استمرت شركة “سوكلين” في استخدام المنطقة المجاورة لمدينة الناعمة، حتى بعد أن فاقت السعة التخزينية للمكب، إلا انه عندما نجحت احتجاجات المواطنين في غلق المكب في تموز (يوليو) 2015، توقفت “سوكلين” عن جمع النفايات، التي بدأت تتراكم في الشوارع.

وبعد ذلك بشهر بدأت حملة “طلعت ريحتكم” والتي طالب فيها نحو 200 ألف مواطن الحكومة اللبنانية بإيجاد خطة اقتصادية وصديقة للبيئة للتخلص من النفايات، لكن رغم الحملة والاحتجاجات لم تجد الحكومة حلا لأزمة النفايات المستمرة منذ نحو عامين، إلا أن هذه الأزمة حفزت المواطنين على التحرك وقناعتهم بمعالجة النفايات وإعادة تدويرها، وهكذا بدأ مشروع بيروت لإعادة التدوير.

وتشغل الشركة التي أسسها سام كازاك 17 لاجئا سوريا، وتقوم بإرسال ثلاث شاحنات يوميا لجمع ما يقرب من طنين إلى ثلاثة أطنان من النفايات. والتركيز الجديد على إعادة  التدوير ونجاح المشروع، زاد عدد البيوت المساهمة في مبادرة بيروت لإعادة التدوير، من عشرات المنازل إلى أكثر من 1.100 منزل.

 

تحول في الوعي

 

لاحظ الصحافي كريم شهيب، الذي يشارك بنشاط في احتجاجات النفايات، زيادة الوعي البيئي لدى اللبنانيين، فـ “للمرة الأولى، نرى سياسيين من كلا الجانبين (الحكومة والمعارضة) يصبحون نشطين ويناقشون حلولهم في وسائل الإعلام” يقول شهيب في حوار مع DW، ويضيف بأن هذا الوعي وصل إلى القطاع الاقتصادي أيضا إذ أن “كل شركة تتفاخر إلى أي مدى هي خضراء” أي أنها صديقة للبيئة وتحافظ عليها وتحميها.

هذا الوعي الجديد انعكس أيضا في الكثير من الحركات البيئية ومنظمات غير حكومية  ظهرت في سياق الاحتجاجات، خصوصا في الجامعات. غير أن شهيب ينتقد هذا التطور، لأن “هذا الالتزام جذاب، لكن الكثير من المنظمات غير الحكومية تفعل ما يجب أن تفعله الدولة. خوفي هو أنه إذا أصبحت المزيد من المنظمات غير الحكومية نشطة، فإنها سوف تقوم بالوظيفة التي يجب أن تقوم بها الحكومة” ويتابع حديثه مع DW “ندفع ضرائب مقابل ذلك، والضرائب لا يجب أن توجه بعيدا عن ذلك. الحكومة لديها مسؤولية”.

 

حوافز مالية تحدث التغيير

 

مهندس البيئة زياد أبي شاكر بدأ عام 2009 مع منظمته، “سيدر إنفيرومنتال” وبدعم من نشطاء المجتمع المدني بإعادة تدوير النباتات. ويقول في سياق إعادة تدوير النفايات ونجاح المشاريع المتعلقة بذلك، إن “السبيل الوحيد الذي يمكنك إقناعها (الحكومة) هو النتائج، وإظهار أنها تحقق فائدة مالية جيدة للبلديات”.

 

في أيلول (سبتمبر) الماضي، دشنت “سيدر إنفيرومنتال” منشأة جديدة خالية من النفايات في بيت مري على بعد 15 كيلومترا شرقي بيروت. تعالج المنشأة نحو طن من مخلفات البلدية مقابل 62 دولارا (نحو 58 يورو)؛ في حين تعالج شركة “سوكلين” نفس الكمية مقابل 130 دولارا. ويقول أبي شاكر “قدمنا حلا ليس لنجمع النفايات من الشوارع فقط، وإنما توفير 50 بالمائة من التكاليف”.

في النهاية، ختمت DW، أجبرت أزمة النفايات في لبنان البلديات على القبول بإعادة التدوير وجدواها، ولم يعد “أحد يقبل بالممارسات القديمة” بحسب أبي شاكر.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This