يجب أن نعترف ونقرّ بأننا نعيش حربا فرضتها عوامل وأسباب عديدة، حربا ليست تقليدية فيها رابح وخاسر، بل هي حرب لن يكون فيها رابح أبدا، لأنها “حرب المناخ” التي ستقود – في ما لو لم نتدارك أخطارها – إلى فناء العالم، لكنها حرب في مداها الراهن والمنظور يتحمل تبعاتها من يمثلون الحلقة الأضعف، دولا وأفرادا وجماعات، ويمكن توصيفها على أنها حرب الأغنياء على الفقراء، يشنها من يتحكمون باقتصادات العالم.
تؤكد آخر المؤشرات الصادرة عن مراكز أبحاث متخصصة أن مستويات ثاني أوكسيد قاربت 400 جزءاً في المليون، فيما المطلوب تخفيضها بسرعة إلى مستوى 300 جزء في المليون، خصوصا وأننا قد نصل إلى مرحلة “اللاعودة المناخية”، وما شهدناه في مؤتمرات المناخ المتعاقبة، يؤكد كيف أن الدول الكبرى والغنية خطفت المحادثات، ولا تني تصادر أحلام الفقراء بما يؤمن ديمومة مصالحها، وهؤلاء هم من يواجه في حاضرهم ومستقبلهم عنف المناخ، موجات جفاف، أعاصير، زحف الصحراء على أراضيهم الخصبة، شح موارد المياه وتملحها، مع استمرار خيار الاقتصادات الكبيرة في حرق الوقود الأحفوري، الذي هو في النهاية خيار الشركات والحكومات.
البحث عن كوكب آخر!
وإذا ما نظرنا إلى ما حققته الدول الكبرى من رفاه وتطور اقتصادي، منذ الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر إلى الآن، نرى أن استنزاف موارد الأرض ما زال مستمرا، والتلويث ما زال قائما، وأن أزمة المناخ باتت تمثل في مسار طويل ينوف عن القرنين قمة الإستغلال الرأسمالي – الغربي تحديدا – ليس للدولة الفقيرة والنامية فحسب، وإنما للكوكب الأزرق الذي يعتبر ملاذا أخيرا للبشرية، ومن هنا جاء تحذير عالم الفيزياء المعروف البروفسور ستيفن هوكينغ، في رؤيته الاستشرافية من أن “البشرية قد لا تعيش أكثر من ألف سنة مقبلة على كوكب الأرض، إذا لم يقم الجنس البشري بالبحث عن كوكب آخر ليعيش عليه”.
لا بد أن نعترف هنا، من أن أية مقاربة لأزمة المناخ لن تكون ذات قيمة بعيدا من معايير إنسانية وأخلاقية، ومن قيم واضحة، تبدأ من العدالة، إلى المساواة وصولا إلى محاكمة التاريخ الاستعماري الذي نهب ثروات أفريقيا وآسيا، وما نحتاجه اليوم ليس الأمن الغذائي والصحي فحسب، وإنما الأمن المناخي، وهذا لا يمكن تحقيقه بالاستناد إلى ما يسوقه البنك الدولي من طروحات تعتمد حلولا نيوليبرالية، توفر القوة أكثر لمن يتحكمون بثروات العالم، وتمنحهم السلطة ليس لمعالجة الأسباب الحقيقية لمشكلة المناخ، وإنما توفر لهم تلويثاً أكبر عبر الشركات متعددة الجنسيات بدلا من الترويج لخفض الانبعاثات إلى مستوى يبدد الهواجس الماثلة بقوة عاما بعد عام.
المعركة مستمرة
تقول الخبيرة والناشطة الهندية سونيتا نارين Sunita Narain أننا لسنا جميعا على نفس الجانب في المعركة ضد تغير المناخ، في حين أن الأغنياء يريدون الحفاظ على أسلوب حياتهم، علينا أن ننظر إلى تغير المناخ في وجوه الملايين الذين فقدوا منازلهم في الأعاصير وارتفاع مستويات مياه البحار.
وترى نارين “اننا بحاجة إلى أن يكون واضحا أن فشل الأغنياء في احتواء انبعاثاتهم في سعيهم لتحقيق النمو الاقتصادي هو الذي تسبب بموت الآلاف، لذا فإن الحلول لا تكمن في مؤتمرات النخب، ولكن بإجابات صغيرة لمشاكل كبيرة، وحركات حماية البيئة التي يقوم بها المحرومون”.
إن ذلك يفضي إلى حقيقة واضحة تتلخص في حاجتنا إلى خفض الاستهلاك، وتحقيق نموذج عادل على مستوى التنمية بكافة أشكالها، لكن بدلا من ذلك، نجد الدول الفقيرة المفترض أن تستفيد من ثرواتها الطبيعية، تعاني ازديادا في حالات الفقر ومستويات البطالة، وتتحمل فوق ذلك تبعات التلوث، وتراجع قطاعاتها الزراعية والإنتاجية.
ليس ثمة ما يشي بأن حرب المناخ ستتوقف، لا بل هي آخذة في الاستعار، بدليل أن هناك من يدحض مقولات العلم، وليس من غريب الصدف أن يجد دونالد ترامب الطريق إلى البيت الأبيض معبدا “ديموقراطيا”، لنشهد فصولا أشد ضراوة في حرب المناخ!