تتجه العاصفة الفرنسية باريس لاعتماد تدابير حازمة واستثنائية لمواجهة مشكلة تلوث الهواء، ولتؤكد أنها أول مدينة في العالم تستجيب لما يفرضه عليها تغير المناخ، وأن العمل من أجل بيئة نظيفة مسار لا بديل عنه، يقتضي أولا وأخيرا اتخاذ خطوات بحجم قضية تؤرق ليس باريس فحسب، وإنما مدنا أوروبية عدة، وهي تعاني نسبا من الجزيئات الملوثة تخطت المستويات الآمنة.
ولم تتوانَ رئيسة بلدية باريس آن هيدالغو Anne Hidalgo في بيان أمس الأحد 8 كانون الثاني (يناير) الجاري، عن الإعلان بأن “المناخ هو الأولوية الأولى بالنسبة إلينا”، لافتة إلى أن “سيارات أقل يعني تلوثا أقل”، وأشارت هيدالغو إلى أن العام “2017 سيكون عام الدراجات الهوائية”.
مستوى الإنذار
جاء هذا الإعلان بعد سلسلة من التحذيرات أطلقتها “هيئة مراقبة جودة الهواء” Association de surveillance de la qualité de l’air أو “إيرباريف” Airparif في فرنسا، خلال الأيام الأخيرة من السنة الماضية ومطلع العام الجاري 2017، وأكدت فيه أن التلوث الجوي سيعود ليضرب من جديد العاصمة الفرنسية وجوارها، متوقعة تفاقم هذه الظاهرة، ومحذرة من أن الجسيمات الدقيقة الملوثة آخذة في الزيادة بقوة في الغلاف الجوي.
وكانت الهيئة قد أكدت أيضا أن تركز الجزيئات الملوثة سيتجاوز حدود الـ 80 ميكروغراماً في المتر المكعب، وهو “مستوى الإنذار”، وتوقعت Airparif أن تكون الموجة الجديدة من التلوث أقل شدة وانتشاراً في الرقعة من التلوث الذي ضرب باريس مطلع كانون الأول (ديسمبر) الماضي، والذي لم يسبق له مثيل منذ 10 سنوات.
وأوضحت الهيئة أيضا أن ظاهرة التلوث يفاقمها الركود في حركة الرياح من جهة، وبرودة طبقات الهواء القريبة من الأرض أسرع من الطبقات العليا، بحيث ينحبس التلوث على ارتفاعات متدنية، وعزت Airparif السبب في ارتفاع نسب التلوث إلى إحراق الحطب للتدفئة، وإلى انبعاثات محركات السيارات.
السير بالتناوب
وتعد الجزيئات الصغيرة مضرة بالصحة، إذ يمكنها التسبب بأمراض سرطانية، فضلا عن الربو وأمراض قلبية وعائية ومشاكل في التنفس، ويتسبب ثاني أوكسيد النيتروجين الصادر عن محركات الديزل خصوصاً، بالربو وأمراض الرئتين لدى الأطفال، ولجأت السلطات في باريس وضواحيها أثناء موجات التلوث السابقة إلى إجراءات عدة، منها اعتماد حركة السير بالتناوب.
ودفع ارتفاع حدة التلوث، خصوصا منذ نحو ثلاثة أيام، السلطات المحلية في باريس إلى تقليص حركة السيارات على الطرقات، وأكدت Airparif أن العاصمة الفرنسية باريس وضواحيها، تعاني منذ أسبوع أعلى مستوى للتلوث الشتوي وأطوله منذ ما لا يقل عن 10 سنوات.
وقالت السلطات المحلية إنه تم اعتماد “السير بالتناوب” فى مدينة باريس وضواحيها بسبب استمرار التلوث بالجزيئات الدقيقة وثاني أوكسيد النتروجين، كما تم تغريم كل مخالف لنظام “السير بالتناوب” بمبلغ وصل إلى 35 يورو، ووصل عدد منتهكي هذا النظام إلى أكثر من 1700 سائق.
مضاعفة مساحة مسارات الدراجات
وبعد تفاقم مشكلة التلوث خلال الأيام الماضية، قالت رئيسة بلدية باريس آن هيدالغو يوم أمس الأحد “إن باريس تخطط لتعزيز بنيتها التحتية لمسارات الدراجات”، مؤكدة أن البلدية “ستحظر مرور السيارات من أمام متحف اللوفر، في إطار جهودها لمكافحة التلوث الناتج عن الكثافات المرورية”.
وأعلنت هيدالغو رئيسة بلدية العاصمة والمنتمية للاشتراكيين مسارا جديدا مزدوجا للدراجات بطول أربعة كيلومترات على امتداد “شارع ريفولي”، وهو شارع رئيسي ضخم من الشرق إلى الغرب، ويعتبر من أكثر شوارع المدينة شهرة، ويربط بين ميداني “الباستيل” و”الكونكورد”.
وأكدت هيدالغو أيضا أن “باريس ستسرع من وتيرة خطة لمضاعفة مساحة مسارات الدراجات بها بحلول عام 2020”.