فضائح عدة توالت يوم أمس حول مكب “الكوستابرافا” بعد أن بات وجوده مرتبطا بسلامة الطيران المدني في لبنان، بعد أن تحولت أسراب النوارس “ضيفا” ثقيلا في حرم “مطار رفيق الحريري الدولي”، لعل أبرزها الاستناد إلى تقرير خبير فرنسي أكد مطلع العام الجاري أن “العوامل الجاذبة للطيور في محيط المطار هي مجرى نهر الغدير”، علما أن هذا المجرى قائم منذ سنوات طويلة، فيما انتشار أسراب الطيور بأعداد كبيرة بدأ بعد استحداث مكب الكوستابرافا، وما يرقى إلى مستوى “فضيحة” أن الجهات المعنية أمعنت في استبعاد الخبراء اللبنانيين، وكأنهم قاصرون عن تحديد مكامن الخطر، علما أن بينهم من كان قد حذر من مشكلة الطيور قبل استحداث المكب، وكان greenarea.info قد حذر منذ الحديث عن تحويل المنطقة إلى مكب مؤقت للنفايات إلى مخاطره لجهة تنامي أعداد الطيور وتأثيره على حركة الطيران ومخاطره على البيئة البحرية في هذه المنطقة.
وتزامن تنفيذ الحكم القضائي صباحا بوقف العمل في مكب الكوستابرافا مع جولة لوزير البيئة طارق الخطيب مشيرا إلى أنه لم ير نوارس خلال الجولة، ليأتي بعد ذلك بيان صادر عن “مجلس الانماء والاعمار” ليؤكد أن مشكلة تواجد الطيور في محيط المطار هي مشكلة مزمنة وانه كلف مكتب SOCOTEC للمراقبة الفنية بإعداد تقرير عن الاقتراحات الملائمة لمكافحة خطر الطيور، وقام المكتب المذكور باستقدام الخبير الفرنسيHenri MILLET الذي وصل إلى بيروت وأجرى معاينة ميدانية لموقع المطمر ومنشآت المطار والمناطق المحيطة ووضع تقريرا أوليا، على أن يرفع مكتب SOCOTEC التقرير النهائي خلال الأسبوع المقبل خلاصة التقرير، الذي اعتبر أن العوامل الأساسية الجاذبة للطيور في محيط المطار هي ثلاثة: مجرى نهر الغدير، مصب نهر الغدير، المصبان البحريان الموصولان بمحطة التكرير الأولي للمياه المبتذلة في منطقة الغدير، بالإضافة إلى عوامل عدة مثل أنشطة تربية الطيور في محيط المطار وتجمع مياه الأمطار داخل حرم المطار ووجود مساحات مغطاة بالعشب قرب المدارج.
كما اكد التقرير إن المركز الموقت للطمر الصحي للنفايات لا يشكل، حاليا مصدر جذب للطيور، نظرا للإجراءات المتخذة حاليا ونظرا لوجود حركة دائمة داخل موقع المشروع.
وكان من المفترض ان تبحث الحكومة الجديدة في حل لهذا الملف كي لا تقع في ما وقعت فيه الحكومة السابقة، حين اعتمدت مكانا ملاصقا للمطار ليكون مكبا للنفايات، أثبت انه لا يصلح ليكون مؤقتا، دون البحث الجدي في حل قبل ان يقفل المطمر وتعود النفايات الى الشوارع.
د. قديح: كلام لا يرقى لمستوى العلم
الخبير البيئي في مجال علوم الكيمياء والسموم والمستشار في موقعنا greenarea.info الدكتور ناجي قديح، قال: “يبدو أن وزير البيئة ومستشاريه ليسوا على دراية بما يحصل على أرض الواقع، لأن مصب نهر الغدير، وهو نهر ملوث منذ أكثر من ثلاثين عاما، يحتوي على كافة انواع الملوثات، وهي لا تنحصر بتلك الناجمة عن الصرف الصحي والمياه المبتذلة فحسب، وإنما الملوثات الكيميائية أيضا، حتى الدباغات من منطقة وادي شحرور وكل المعامل، ومنها معامل الحجارة والصخور، كلها مجتمعة ترمي نفاياتها في هذا النهر، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، فإن محطة المياه المبتذلة في نهر الغدير موجودة منذ العام 2001، فلماذا بدأنا فقط منذ افتتاح مكب الكوستابرافا نلاحظ وجود الطيور وليس من قبل؟ ولو كان مصب النهر ومحطة المعالجة هما السبب، لكنا واجهنا هذه المشكلة منذ زمن طويل؟”.
وأشار قديح إلى أن “ظاهرة تكاثر الطيور بدأت وتزداد يوما بعد يوم مع ازدياد كمية النفايات المنقولة الى هذا الموقع”، وأوضح أن “أي كلام في هذا المجال لم يستند للواقع والعلم”، ولفت إلى أن “على وزير البيئة مراجعة مستشاريه العلميين في الوزارة، وليصدر عنهم تقرير علمي، فالكلام اليوم لا يرقى لمستوى العلم، هو كلام سياسي يحاول تغطية على القرار الخاطئ والاجرامي الذي اتخذ باعتماد موقع الكوستابرافا مكبا للنفايات على مقربة من مطار بيروت الدولي”.
وأضاف قديح: “ما صرح به مسؤولون في مجلس الإنماء والإعمار يوم الخميس لا يمت إلى الحقيقة العلمية بصلة، فإذا كان مهندسو المجلس وخبراءهم الأجانب الذين يستقدمونهم لتغطية وتبرير قراراتهم المغرقة في الخطأ بشأن موقع هذا المكب، لا يفقهون بأنه، بما يستقبل من نفايات غنية بالمكونات القابلة للتعفن والتحلل، هو السبب الرئيس لاجتذاب الطيور، التي تتزايد أعدادها اضطرادا مع زيادة كمية النفايات في مكب الكوستابرافا، فهذه مصيبة. وإذا كانوا يعرفون هذه الحقيقة، ونحن نرجح هذا، ويتمنعون عن قولها مسايرة لرؤسائهم وممالأة لسياساتهم الخاطئة في التعامل مع ملف النفايات، ومع اختيار مواقع لاستقبالها دون إخضاعها لأي دراسة لناحية تقييم أثرها البيئي، أو تقييم مخاطرها على السلامة العامة، وفي حالة الكوستابرافا على سلامة الطيران في مطار بيروت، عندها المصيبة أعظم”.
نجيم: أين البلديات والأحزاب؟
من جهته، تساءل الناشط البيئي والمدني رجا نجيم: “أين بلديات المنطقة وفاعلياتها وأحزابها؟”، وقال لـ greenarea.info: “لا نعرف لماذا هذه القوى ما تزال ساكتة حتى اليوم، وأين هي من سرقة الرمول؟ وماذا تفعل بلدية الشويفات والبلديات المجاورة؟”.
وقال: “نتمنى على وزير البيئة الجديد التابع لرئيس الجمهورية سياسيا ووزاريا أن يطبق مبادىء رئيس الجمهورية، مبادىء الرئيس ميشال عون، مبادىء الإصلاح والتغيير، لأن ليس ثمة مياه مبتذلة تجذب الطيور، كفى كذبا على الناس وتسويق ما يريدون في الإعلام، ومهما فعلوا لا يمكنهم أن يكذبوا على العلم”، ونوه بالقرار الذي اتخذه القضاء، وتمنى أن “لا تتكرر تجربة برج حمود لجهة الضغط على القضاء”.
وأضاف نجيم: “على البلديات أن تعلم أنه إذا بقيت النفايات في الشوارع نتيجة التوقيف المؤقت لهذا المكب الذي اتخذه القضاء، فستكون هي المسؤولة وليست أهلا لتكون على قدر المسؤولية، وهنا أقصد جميع البلديات المعنية، وأشدد على ضرورة أن يلتقي المحامون الثلاثة رسميا القوى السياسية، وكذلك الفاعليات إلى اجتماع عام، لأنه إذا بقيت الأمور على ما هي عليه سيتعرض القضاء غدا لضغطوات، ولا نقول أن القضاء يرضخ، ولكن يجري تحميله ما لا طاقة عليه، وماذا ينتظرون بعد ثلاثة حوادث مرت بسلام؟”، وتابع: “لا يجوز الاستمرار بعد الآن في الطمر في هذه المنطقة، وليس ثمة حل مؤقت في هذا الأمر لأننا لا نعرف متى تحل كارثة، لا قدر الله، وليتحمل المعنيون النتائج من مالهم الخاص”.
زعاطيطي: حلول دليفري!
وأشار الخبير الهيدروجيولوجي الدكتور سمير زعاطيطي إلى “انهم يريدون إقناعنا بأن خبيرا فرنسيا واحدا جاء الى لبنان ودرس وفهم قصة طيور النورس ووضع الحلول الناجعة للمشكلة وقدمها (ديليفري) خلال 48 او 72 ساعة”، وقال: “هذا ليس بعلم بل هو شيء آخر مما عودونا على فبركته عند وقوعهم بمشاكل نتيجة مشاريعهم الكارثية على بيروت ومحيطها”.
وأضاف زعاطيطي: “ما قاله تقرير خبيرهم غير المعروف علميا موجود على اﻹنترنت بصفحة واحدة وضمن معلومات عامة”، وتساءل: “لماذا لم يستشر أهم خبير لبناني في الطيور في الشرق اﻷوسط الدكتور الزميل غسان جرادي المعروف عالميا بخبرته الواسعة وبأبحاثه العديدة في لبنان والمحيط؟”.
وقال: “المطلوب من مجلس اﻹنماء واﻹعمار ان (يشتغل علم)، وان يصلح اخطاء اشغاله بشكل علمي، وأن ﻻ يكتفي بالدليفري العلمي الذي لن يحمي المسافرين من وإلى (مطار رفيق الحريري الدولي)”.
إدريس: لماذا خبراء أجانب؟
ومن جهتها، أكدت رئيسة “حملة الأزرق الكبير” عفت إدريس لـ greenarea.info أن “الطيور القريبة من حرم المطار غير الطيور التي تحوم في المكب، ويكفي تعمية”، وأشارت إلى أن “الطيور بدأت تظهر بأسراب كبيرة منذ اقامة المكب، ولم نلحظ هذه الأعداد الكبيرة سابقا”، ولفتت إلى أن “هذا يؤكد أن الأمر غير مرتبط بمحطة الغدير”.
وتساءلت: “لماذا خبراء أجانب ونحن لدينا خبراء مشهود لهم بالعلم والكفاءة أبعد من حدود لبنان؟ ولماذا لم يتم الاتصال بالدكتور غسان جرادي؟”.
وقالت إدريس: “يبدو أن مجلس الوزراء ينوي القضاء على ما لم يقضِ عليه المجلس السابق”.