كل التوجهات التي أفضت إليها مواقف الحكومة ووزارة البيئة و”مجلس الإنماء والإعمار” حول مشكلة مكب “الكوستابرافا” ومخاطره على حركة الملاحة الجوية في “مطار رفيق الحريري الدولي” تبنت معالجة النتيجة لا السبب، أي التركيز على منع أسراب الطيور من الاقتراب من حرم المطار بوسائط مختلفة، ولم يتبنَّ أحد من المسؤولين معالجة السبب، أي المكب في حد ذاته، ونقله بعيدا كحل وحيد يجنب لبنان كارثة إنسانية، لا سيما وأن إشارات أولى مع ثلاثة حوادث متفرقة اعترضت الطائرات القادمة إلى المطار، ما يعني أننا ما نزال في دائرة الخطر.

ويبدو من جملة المواقف والتبريرات أن “الكوستابرافا” خط أحمر، لأسباب غير منفصلة عن توجهات الحكومة السابقة والحالية لجهة تبني خيار الطمر كحل وحيد مؤقت لمعالجة النفايات، تمهيدا لتبني خيار المحارق لاحقا، فضلا عن أن “الكوستابرافا” يعتبر استثمارا بعيد المدى، إذا افترضنا أن ردم البحر سينتج عنه مسطحات قابلة للاستثمار، عقارات ومشاريع.

من أبسط العلوم التي يتلقاها تلامذة المرحلة المتوسطة الربط بين السبب والنتيجة، إلا أن هناك قفزا فوق المعطيات العلمية، والمشكلة بهذا المعنى لا تستوجب استقدام خبراء أجانب، ولكنها تفترض نظرة متأنية، حول سبب تكاثر الطيور، والمقارنة بين مرحلتين زمنيتين غير

بعيدتين، قبل المكب وبعده، عندها يصبح الاستنتاج سهلا في فهم ومعرفة النتيجة، وإلى الآن من المتوقع أن نظل في دائرة مفرغة لن تفضي إلا لمرحلة جديدة سيكثر فيها السياسيون الطامحون للاستثمار في آلات تقليد الطيور لإخافة النوارس، وفي شراء الصقور واستقدام من يدربها، أو شراء “روبوتات” تحاكي الصقور والكواسر، وبالانتظار يمكن توظيف “كشاشي” نوارس، وزيادة أعداد الآلات المقلدة للطيور الجارحة لنضيف إلى تلوث الهواء والبحر والتربة تلوثا ناجما عن الضجيج.

شركة “الجهاد للتجارة والمقاولات”

وفي هذا السياق، أصدرت شركة “الجهاد للتجارة والمقاولات” المشغلة لمكب الكوستابرافا بيانا حول طيور النورس في محيط المطار تحدثت فيه عن “ما يسمى (مشكلة كوستابرافا)”، واضعة مزدوجين تأكيد على أن ليس ثمة مشكلة أساسا.

من حق الشركة أن تدافع عن مصالحها، ولكن من حق الدولة أيضا أن تكون الجهة الفاصلة والقادرة على تصويب ما هو قائم، فالشركة أشارت إلى أنها تطبق “أعلى المعايير الدولية وأدق تدابير السلامة العامة في كل أعمالها لا سيما ما يختص بمطمر الكوستابرافا”، ورأت أن “تواجد الطيور في محيط مطار بيروت الدولي مشكلة مزمنة لوجود عدة عوامل جاذبة للطيور منها: تحول نهر الغدير الى شبه مجرور مكشوف والمصبان البحريان الموصولان بمحطة التكرير الأولى للمياه المبتذلة في منطقة الغدير، إضافة إلى وجود مكبات عشوائية في محيط المطار، تعمل الشركة على معالجتها بالاتفاق مع مجلس الانماء والاعمار”.

وجانبت الشركة الحقيقة حين اعتبرت أن “لا طيور ضمن نطاق المطمر بل في المواقع السابق ذكرها”، وجددت الشركة تعهدها “بتقديم كل ما يساعد من معدات إضافية تصدر

اصواتا لطرد الطيور وفقا لما هو معمول به في أهم مطارات العالم التي تواجه حالات مماثلة، مع التذكير بأن هناك 6 آلات في محيط المطمر و7 في محيط المطار وضعتها الشركة على نفقتها الخاصة”.

وأضافت: “لا يفوت المهتم بهذا الموضوع أن مستنقعات المياه الآسنة في حرم المطار توفر لهذه الطيور مصدر شرب، تتجمع حوله وتحلق منه وإليه، وإن الشركة، من موقعها المهني وحرصها الوطني، لن تتردد في بذل كل الجهود والإمكانات، للوفاء بالتزاماتها المهنية والوطنية، لحفظ قواعد السلامة العامة بما يؤمن تنفيذ أعمالها، ويصون سلامة حركة الطيران المدني من وإلى مطار رفيق الحريري الدولي، وإن شركة الجهاد لن تتراجع عن موقفها المبدئي وهو التزام القواعد والنظم الدولية في إطار أعمالها”.

1

تساؤلات

ومما تقدم هناك أسئلة عدة لا بد من عرضها باقتضاب: لماذا وضعت الشركة ست آلات في محيط المطمر؟ وهل المطمر بحاجة للحماية من الطيور؟ وهل يعقل وضع ست آلات في محيط المطمر وسبع فقط في محيط المطار حيث لا تقارب من حيت مساحة المطار ومساحة المطمر؟ وهل كان الخبير الفرنسي الذي استقدمه “مجلس الانماء والاعمار” على دراية بوجود هذه الآلات عندما اكد أن لا طيور في المكب، بل ان سبب تكاثرها مصب نهر الغدير وكذلك الامر بالنسبة لوزير البيئة الذي نفى وجود طيور في المكب هل كان يعلم بانه محمي بهذه الالات؟

بالإضافة الى أن الطيور التي تجذبها رائحة المواد المتحللة والمتعفنة الى اين تذهب عندما تفاجئها أصوات الآلات؟ ومن الطبيعي أن تتجه بشكل عشوائي، ولا نستغرب أن يطعن خبراء بتقرير الخبير الفرنسي، كذلك الامر بصحة الاستنتاجات التي توصل إليها المدافعون عن المكب.

اعترفت “شركة جهاد العرب” ضمنا ان هناك مكبات عشوائية في محيط المطار، وهي أحد أسباب تكاثر الطيور في محيط المطار، فكيف للمكبات ان تكون سببا، ولا يكون مطمر بكامله يدخل اليه 1500 طنا من النفايات سببا لجذب الطيور؟

وهنا نسأل عن اي التزام للقواعد والنظم الدولية تفضلت شركة جهاد العرب وأتحفتنا بها، فيما الروائح تغطي المنطقة، فضلا عن النفايات وبرش البلاستيك المنتشر على الشاطىء، إضافة العصارة حول المطمر.

د. قديح

وللوقوف على رأي علمي حيال هذه المشكلة، أشار الخبير البيئي في مجال علوم الكيمياء والسموم، ومستشار موقع greenarea.info الدكتور ناجي قديح إلى أن “مبدأ عمل هذه التجهيزات يستند على رد الفعل البيولوجي للأصوات الصادرة عن التجهيزات وليس رد الفعل الفيزيائي”، وأوضح الفرق بين الإثنين، بأن “رد الفعل البيولوجي هو إحتمالي، بينما رد الفعل الفيزيائي هو مؤكد. وفي كلا الحالتين يفترض العمل الطبيعي لأجهزة مصدر بث الصوت ولأجهزة إستقبال الصوت. أولا، قوة الأصوات محدودة في المسافة. فالأصوات تخف تدريجيا مع الإبتعاد عن مصدرها”.

ورأى قديح أن “فعالية أجهزة الأصوات لا تتجاوز بضع عشرات من الأمتار، تصل على أبعد تقدير إلى بضعة مئات من الأمتار. ويمكن لهذه الأجهزة أن تكون ثابتة أو متحركة على سيارات”، وتساءل: “ماذا لو أن حاسَّة السمع عند بعض الطيور المهاجمة ضعيفة وغير كافية لاستقبال أصوات الطيور الكاسرة، التي من المفترض أن تهربها وتشتتها؟”، وأضاف: “لن تقوم بردة الفعل هذه، ويكون بالنتيجة أن رد الفعل المتوقع لم يحصل، وبالتالي لم يتم تخفيف خطر

وقوع كارثة طيران”، ولفت إلى أنه “من المحتمل أن العديد من الطيور سوف تسلك سلوكا مرتبكا، وليس بالضرورة الهروب والتشتت، بل ربما يكون استمرارها بالهجوم نحو الطائرة وبانفعال أكبر”.

وخلص قديح إلى أن “الطيور حين تهرب مرة ومرتين وثلاث وأكثر، وتكتشف بعدها أن ليس هناك خطر حقيقي يهدِّد حياتها، فإنها تعتاد على هذه الأصوات، ولا تعيرها أي انتباه أو اهتمام، وتصير كأنها غير موجودة”.

2

إدريس

وقالت رئيسة “جملة الأزرق الكبير” عفت إدريس لـ greenarea.info: “إن طمر النفايات من دون فرز نجم عنها عصارة شكّلت بقعة كبيرة حول المطمر مساحتها أكثر من كيلومتر مربع، ما يجذب الأسماك التي بدورها تجذب الطيور، حيث تتجمع الأخيرة بكثافة لاصطياد الأسماك، ثم تحتاج بعد التهامها للأسماك إلى استراحة على أقرب برّ وهو مطار بيروت وتحديداً المدرج رقم 21”.

وأضافت: “النوارس موجودة اصلا على الشاطىء، ولكن ليس بالكثرة التي شهدناها بعد اقامة هذا المكب، وهو ليس بمطمر، بل مكب يعلو امتارا وترمى فيه جميع انواع النفايات دون اي معالجة، ومن بينها (برش بلاستيك)، وهو من أخطر انواع النفايات، ونأسف ان المسؤولين الذين زاروا المكب لم يروا (برش بلاستيك)، ولكن فقط صرحوا عن موضوع الطيور”.

وتابعت إدريس: “الصرف الصحي المنزلي والصناعي ونشر الصخر وتسرب الادوية الزراعية واستعمال النهر لرمي الحيوانات النافقة من المزارع وغيرها من المخلفات، كلها تصب في نهر الغدير الذي يصب في البحر، وذلك منذ حرب لبنان 1975 ولم نسمع بأي خطر على

حركة الطيران إلا بعد انشاء المكب، ويجب الاعتراف بكارثة اسمها مكب الكوستابرافا وكارثة اسمها تلوث مياه نهر الغدير”.

ورأت أن “المعادن الثقيلة والمواد السامة تنتشر في مياه البحر الى ابعاد تفوق الكيلومتر مربع، وهي موجودة في احشاء اسماك في مياه بلاد اخرى، أما التلوث من المواد العضوية فهو يتحلل او يتآكل في نطاق مختلف. وماذا عن نسبة الاوكسجين في المياه؟ هل تم قياسها؟”.

وختمت: “لم نجد في اي تقرير منذ العام 1979 حتى اليوم ما يشير إلى أن تلوث نهر الغدير هو سبب مشكلة النورس، وللأسف نحن امام كارثة في ادارة شؤون البلد”.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This