ما شهدناه صباح اليوم مع نزول مسلحين إلى محيط “الكوستابرافا” وشروعهم باصطياد النوارس لا نجد له أي تفسير، سوى أنه فضيحة جديدة تضاف إلى ما سبقها من فضائح، ولا نعرف كيف سيكون عليه الأمر عندما تعرض وسائل إعلام دولية رصدت ووثقت واقعة الصيد على مقربة من مطار بيروت، وكيف ستنظر المؤسسات الإنسانية والحقوقية والبيئية إلى لبنان، وهو الموقع على مواثيق وقرارات وعضو في اتفاقيات دولية!
هذا “الصيد” برعاية أمنية يتجاوز الفضيحة، إنه إفلاس حقيقي، وجنوح مستمر نحو الجنون في معالجة أزمة النفايات وتأمين شروط سلامة الطيران المدني، بدلا من تبني خطة عقلانية لمعالجة ملف النفايات، وسنكون أمام فصول جديدة أكثر سخرية وملهاة حكومية يبدو إلى الآن أنها لن تنتهي قريبا، وقد تأخذنا التفاصيل لتلهينا عن السبب الرئيسي للمشكلة.
وفي ما وثقه greenarea.info خلال يوم الصيد الطويل، حضور حافلة أقلت بعض من كانوا يطلقون النار على النوارس، ولكن هل كان مجلس الوزراء على علم بما يجري؟ وما هو موقف وزارة البيئة وسائر الجهات المعنية؟ ولماذا لم تتحرك القوى الأمنية التي كانت موجودة غير بعيد منهم؟
ما كان هذا الأمر ليمر، لولا غياب الدولة، وعدم ملاقاة المشكلة بما يؤمن معالجة أسبابها، خصوصا وأن ثلاثة حوادث تعرضت لها طائرات ثلاث نتيجة تكاثر النوارس، في غضون ثلاثة أيام!

من أعطى الأمر

فيما الكل يبحث عن حلول لمعالجة قضية النوارس التي عرضت “مطار رفيق الحريري الدولي” للخطر، والتي تكاثرت نتيجة مكب “الكوستابرافا” المتاخم لحرم المطار، نتفاجأ اليوم، لا بل نذهل بإجراء أقل ما يقال فيه أنه تعسفي ينم عن عقلية مجرمة تتغذى على القتل، مع انتشار مسلحين ببنادق صيد يقومون بتعقب النوارس واصطيادها على امتداد الشاطئ عند الكوستابرافا والغدير ومحيط المطار، وعلى مرأى من القوى الأمنية، ما أثار جدلا كبيرا حول كيفية السماح لهم بإبادة هذه الطيور المحمية وفقا لمعاهدات وإتفاقيات دولية، والتي من المفترض ان لبنان وقع عليها، ومن أعطى الأمر بتنفيذ هذه الجريمة؟
حالة من الذهول سيطرت على كل من رأى المشهد وسمع بالخبر، بعض الجمعيات البيئية والناشطين وحتى الاعلام استنكر، كما توجه كثيرون إلى المكان، الا انهم منعوا من الاقتراب والتصوير.
طلقات طاولت هيبة الدولة قبل النوارس لتضع لبنان تحت مجهر المنظمات البيئية الدولية والمساءلة في ظل إجراء همجي لا يليق بمستوى دولة تحتكم للأنظمة والقوانين، بالاضافة الى انها عرت المسؤولين وأظهرت ضعفهم في التفكير وايجاد الحلول ومعالجة اسباب المشاكل لا نتيجتها، كما أنهم أثبتوا أن لا سقف لتجاوزاتهم في سبيل حماية مشاريع الفساد واستمرارها وان كانت على حساب الحجر والبشر والطيور التي لم تسلم منهم.

مركز الشرق الاوسط للصيد المستدام

رئيس “مركز الشرق الاوسط للصيد المستدام” أدونيس الخطيب، استنكر “هذا العمل الذي شهدناه اليوم لجهة صيد النوارس”، وشبهه “بمن ذهب إلى الطبيب ليعالج مرضا أصاب عينه، فبدلا من مداواتها قام الطبيب باستئصالها، بمعنى أنه بدلا ما نعالج المشكلة تسببنا بمشكلة أكبر”.
وقال لـ greenarea.info: “الدولة ما اهتمت بموضوع المكب، لا بل زادت الطين بلة وتركت الامور تتفاقم حتى أثرت على مدخل بيروت وشوهت معالمه وأضرت بالسياحة، وعندما حضرت لتحل موضوع الطيور، وجدناها تضع ماكينات تقلد أصوات الصقور لتهريب النوارس، إلى أن رأينا من تحمس لإطلاق النار اليوم، وهذا برأينا ملهاة لا طعم لها”.
ورأى الخطيب أن “الحل الحقيقي يتمثل في تغيير موقع المكب، ولسنا مضطرين أن يتصدر مشهد النفايات واجهة لبنان السياحية، وأن يصدم مشهد النفايات السياح، ولسنا مضطرين أيضا لتلويث البحر وأن تحاصرنا رائحة النفايات”، وأشار إلى أن “طيور النورس محمية باتفاقات دولية، والنورس هو (زبال البحر) يقوم بتنظيفه من المخلفات”.
وأضاف الخطيب: “قتل النوارس لا يعتد به وليس عملا وطنيا كما بدأ يروج البعض وأنه حماية للوطن والمسافرين، باختصار هذا عمل يتسم بالغباء، فالتعدي على طيور لها منافع في الطبيعة من شأنه أن يفاقم المشكلة، ونحن كمركز اتصل بنا اصدقاء صيادون ومواطنون يستفسرون إذا كان قنص النورس عملا بيئيا، وأوضحنا لهم واقتنعوا لأن هناك مواطنين لا يعرفون ويسألون من حرصهم على البيئة، خلافا لمن نزلوا وبدأوا بإطلاق النار وفي ظنهم أنهم يقومون بعمل صحيح”.
وختم: “نستغرب ما شهدناه من نزول مسلحين إلى منطقة امنية بسلاحهم، ونتوجه كمركز لرئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء وجميع المسؤولين ونقول لهم أننا نعيش في دولة، ونتمنى أن يدرك العهد الجديد خطورة مثل هذه الأفعال”.

حملة الأزرق الكبير

رئيس “حملة الأزرق الكبير” عفت ادريس، قالت لـ greenarea.info: “هذا اليوم لن ننساه، صيادون اكثرهم أعمارهم صغيرة بينهم اولاد يصطادون النورس، هذا الطير المحمي عالميا، بدون اي حماية للسيارات المارة، وقد دخلوا مع الاولاد مدرج المطار، وسمعنا اطلاق النار على المدرج اثناء هبوط الطائرات، حتى انهم استعملوا المراكب للقنص باتجاه البر”.
وأضافت: “عتبنا على الجيش الذي منعنا من الدخول والاقتراب من الشاطئ، لكنه لم يمنعهم هؤلاء من تسلق أسوار المطار والدخول الى حرمه بسلاحهم، وممارسة القنص اثنا هبوط احدى الطائرات”، واستغربت أن “من كانوا يقتلون الطيور كانوا يعلمون ان صيدها ممنوع وان النوارس محمية عالميا، وأن أعدادها ازدادت بسبب المكب، كانوا يعلمون أن المكب هو سبب وجودهم ورغم ذلك بداروا إلى قتلها”.
وأكدت إدريس “نحن لن نسكت وسنوصل هذه الواقعة إلى المنظمات العالمية وسنعمل جهدنا في هذا المجال”، لافتة إلى أن “صور الطيور وثقناها وحادثة اليوم ستعرض في مؤتمر الاتفاقية الأفريقية الأوروبية الآسيوية للطيور المائية المهاجرة AEWA الثاني عشر الذي سينعقد أواخر الشهر الجاري في باريس”.

المحامي بزي

وأشار المحامي والناشط المدني والبيئي حسن عادل بزي لـ greenarea.info إلى أن “جريمة قتل النوارس التي ضبطناها ووثقناها صباحا معاقب عليها بموجب اتفاقية حماية الطيور البحرية التي وقعت عليها الحكومة اللبنانية، ومعاقب عليها ايضا في قانون الصيد اللبناني، ولا يمكن مخالفة القانون استنادا لأي قرار إداري”.
وقال: “سنقوم صباح الاثنين انا المحامي حسن عادل بزي والمحامي هاني الاحمدية والمحامي عباس سرور بإحالة إخبار أمام الضابطة العدلية للتحقيق مع المستدعى ضدهم، وكل من تظهره التحقيقات وكشف هويتهم وتوقيفهم، وإحالتهم امام القضاء المختص لإنزال اقسى العقوبات بحقهم”.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This