يبدو أن التغيرات المناخية ستكون حاضرة أكثر في كافة مرافق الحياة، ولن تبقى نتائجها وتداعياتها الخطيرة مقتصرة على قطاعات بعنيها فحسب، وهذا ما بدأ يتأكد تباعا مع سيل الدراسات الراصدة لما يواجه العالم من تحديات بدأت تقوض مسارات التنمية، وتهدد الإنسان في مجالات الاقتصاد والصحة والاستدامة.
فقد حذرت دراسة علمية حديثة أن تغير المناج الناجم عن الاحتباس الحراري وارتفاع درجات الحرارة بدأ يؤثر على مستوى تدفق الأنهار في العالم، لافتة إلى أن آلاف السدود “الكهرومائية” Hydroelectricity بدأت تتعرض لمخاطر حقيقية مع استمرار الجفاف، المتوقع أن يبلغ مستويات كبيرة بحلول العام 2050، فيما لو لم يتمكن الإنسان من لجم ظاهرة الاحتباس الحراري.
نتائج صادمة
تعد “الطاقة الكهرومائية” erHydropow في حدود معينة حلا لمشكلة تغير المناخ، خصوصا وأن السدود الكهرومائية المولدة للطاقة الكهربائية تعتبر من أكبر مصادر الطاقة في عشرات البلدان حول العالم، ولا تنجم عنها انبعاثات من الكربون، كونها ليست بحاجة للوقود الأحفوري، وتعد الأنهر الكبيرة والمتوسطة شريانا للحياة في الكثير من الدول، وتستخدم لتوليد الطاقة الكهرومائية التي تعتبر محركا للتنمية الاقتصادية، ما يؤمن فرصا كبيرة للتنمية الاقتصادية دون انبعاثات، خصوصا في البرازيل (الأمازون)، مصر (النيل) والصين (الميكونغ)؟
لكن ثمة مشكلة في هذا المجال، ذلك أن مخاطر الجفاف المتوقعة مستقبلا سوف تفرغ الخزانات، وقد قامت ميشيل فان فليت Michelle van Vliet من “المعهد الدولي لتحليل النظم التطبيقية” International Institute for Applied Systems Analysis في النمسا ببعض الحسابات، لترى كيف تتنبأ مجموعة من النماذج المناخية القياسية بتغير تدفق الأنهار، وماذا يعني هذا بالنسبة لأكثر من 24 ألف محطة طاقة كهرومائية حول العالم، وقد تم نشر النتائج التي حصلت عليها على موقع Nature Climate Change في العام الماضي 2016.
وكانت النتائج صادمة، فقد خلصت فليت إلى أن “التغير المناخي سوف يقلل من قدرة محطات الطاقة الكهرومائية في معظم المناطق حول العالم”، لافتة إلى أن “حوالي 74 بالمئة من السدود الكهرومائية سوف تشهد نقصا في قدرتها على إنتاج الكهرباء بحلول منتصف القرن الحالي”.
وبحسب موقع “رصد”، ربما يكون هذا الأمر “تهديدا كبيرا للاقتصادات سريعة النمو، مثل تلك الموجودة في أميركا الجنوبية والتي تعتمد على الطاقة الكهرومائية بنحو 60 بالمئة من استخدامها للكهرباء”. وحذرت فليت من أن “معظم السدود في أفريقيا وأستراليا وجنوب
شرق آسيا والولايات المتحدة ووسط جنوب أوروبا قد تشهد أيضا انحدارا في قدرة الطاقة الكهرومائية”.
علامات تحذيرية
تجدر الإشارة إلى أن السدود الكهرومائية صممت كي تعمل لنحو ثمانين سنة أو أكثر، والرهان على بقاء تدفق الانهار كما هو خلال هذه الفترة الزمنية يعتبر مخاطرة كبيرة، وحيثما بنيت السدود، فإن مخاطر الكوارث الاقتصادية والمعاناة الإنسانية وحتى حروب المياه تمثل أهمية كبيرة.
فبالنسبة لمصر على سبيل المثال، فهي تعتمد على مياه النيل لتوليد الكهرباء من السد العالي، بالإضافة إلى ري المزارع الصحراوية، وتقوم إثيوبيا حاليا – وهي دولة المنبع – ببناء سد كهرومائي عملاق – سد النهضة العظيم – ويخشى المصريون من أن هذا السد سوف يؤثر في تدفق النيل ويهدد إمدادات الكهرباء لديهم.
وقد أوردت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ نماذج عدة مختلفة متوقعة لسريان النيل حتى نهاية هذا القرن، وهي تتراوح بين زيادة محتملة بنسبة 30 بالمئة إلى نقص محتمل بنسبة 78 بالمئة.
وفي نفس الوقت هناك أيضا نهر النيجر الذي يتدفق عبر 9 بلدان في غرب أفريقيا بمحاذاة منطقة الساحل القاحلة، والذي يواجه مخاطر ندرة الأمطار، حيث تخطط غينيا ودول أخرى لإقامة سدود ضخمة تهدد إمدادات المياه في دول المصب مثل مالي، وكذلك الصين ولاوس ودول أخرى تبني السدود على نهر ميكونغ الذي يمثل شريان الحياة لدول جنوب شرق
آسيا، وأشارت دراسة فان فيلت إلى إن “هذا النهر سوف يعاني من تدفقات مياه أقل في المستقبل”.
ترضخ بعض الدول للعلامات التحذيرية بشأن تغير المناخ، ففي أميركا الجنوبية تسبب الجفاف في فنزويلا والبرازيل في تجفيف الخزانات وانقطاع الكهرباء، ونتيجة لذلك تخطط البرازيل لتقليل اعتمادها على الطاقة الكهرومائية في المستقبل.
محطات الطاقة النووية
لكن بالنسبة لكثير من الدول يمثل استغلال الطاقة الكهرومائية كبديل للوقود الأحفوري إغراء كبيرا لها، فقد رفعت الصين من قدرتها على انتاج الطاقة الكهرومائية بشكل كبير في السنوات الأخيرة، ومع تخطيطها لتقلق الاعتماد على الفحم يبدو أنها سوف تستثمر بشكل أكبر في الطاقة الكهرومائية.
ليست السدود الكهرومائية هي المصدر الوحيد للكهرباء الذي يتطلب الكثير من المياه، فمعظم محطات التوليد التي تعمل بالفحم المحترق والغاز الطبيعي أو النفط، بالإضافة إلى محطات الطاقة النووية تستخدم المياه للتبريد، وقد وجدت أن حوالي 68 بالمئة من تلك المحطات سوف تشهد انخفاضا في طاقة التوليد كنتيجة لذلك.
لقد كانت هناك إشارات على هذا بالفعل، لا سيما في العام 2003 أثناء موجة الحر التي اجتاحت القارة الأوروبية، والتي أكد علماء المناخ إن حدتها كانت بسبب الاحتباس الحراري. وبحسب خالد عمر، في ذروة هذه الموجة تراجع تدفق نهر لوار بفرنسا الذي هو أطول أنهارها، ويحتوي على الكثير من محطات الطاقة النووية إلى حد كبير، واضطرت فرنسا لإغلاق المولدات الكهربائية وتقليل عمل 17 مفاعلا لعدم وجود مياه التبريد.