ينشغل الناشط البيئي بيرج طامبوريان في التقاط شرائط الفيديو للحياة البرية في “حمى عنجر”، وهو موقع فريد من حيث التنوع البيولوجي والتنظيم المدني، ويعد واحدا من أهم المواقع المهمة للطيور في منطقة الشرق الاوسط.
ليست المرة الاولى التي ينجح فيها طامبوريان في ان تلتقط عدسته صوراً للثديات في المنطقة، لكنه كان في غاية السعادة، كونه استطاع في وضح النهار العثور على مجموعة من جراء الثعلب الاحمر مختبأة في جحرها، وتمكن من الاقتراب منها وتصويرها.
التقط بيرج صوراً متعددة للثديات من خلال تثبيت كاميرا تعمل بمنظار ليلي، فاستطاع توثيق عودة ثعلب الماء (القضاعة) الى نهر شمسين الذي يمر في بلدته. كما التقطت الكاميرا شرائط فيديو للقنفذ أو النيص (الشيهم المتوج) والثعالب والغرير والضبع المخطط وإبن عرس، اضافة الى مجموعة من الطيور بينها النعار السوري المهددة بالانقراض، والحجل الذي يقترب من دائرة الخطر كونه عرضة للصيد والقنص والاحتجاز من قبل الصيادين.
يطلق على بيرج طامبوريان ومجموعة أخرى من النشطاء لقب “حماة الحمى”، وهي تسمية قديمة العهد لمن تعهدوا بالحفاظ على البيئة والموئل الطبيعي، واستطاعوا خلق توازن دقيق بين حاجات الانسان والحفاظ على الطبيعة.
ويسجل لجمعية حماية الطبيعة في لبنان تعاونها مع البلديات والسكان المقيمين وقطاعات الإنتاج، في استعادة نظام الحمى في مواقع عدة، ابرزها إبل السقي وكفرزبد وعنجر والقليلة والمنصوري وعندقت، وسعيها الى إعادة تكريس النظام الموروث في استخدام الموارد وتصنيف الأراضي وحمايتها في جرود الهرمل، وتطوير “مفهوم الحمى” التقليدي الموروث ليتلاءم مع حاجات التنمية، ومن ابرز مجالات تطوير هذا المفهوم، تدريب وتمكين نشطاء البيئة الشباب للانضمام الى مبادرة حماة الحمى. واطلاق “سوق الحمى” لمساعدة السكان المحليين، لا سيما النساء، في تسويق منتجاتهن.
وبحسب كتاب “الديل الحقلي لثدييات الشرق الأوسط”، للمؤلفين أسعد سرحال وسعيد الخزاعي، ينتشر الثعلب الأحمر بكثرة في منطقة البحر الأبيض المتوسط والجزيرة العربية. وتوجد سلالات عدة منه في المنطقة العربية تكيفت على العيش في الصحراء، ولكن يمكنها العيش كذلك في المنتزهات والحدائق.
يمتاز الثعلب الاحمر انه أصغر من الحجم المتوسط للكلب. يتراوح طول جسمه بين 60 و90 سم، أما الذيل فطوله بين 35 و50 سم، ويصل وزنه الى حوالي 9 كلغ. تتباين ألوان الثعلب الأحمر، فلون الجسم من الأعلى يكون بين الأحمر والأصفر الشاحب أو الأحمر الداكن والبني، ويغطي الناحية البطنية الأبيض والرمادي، وعادة يغطي اللون الأسود الجزء الأسفل من القوائم ونهاية الذيل. يتميز الثعلب بأذنين كبيرتين وفك مستطيل ورفيع، وذيل طويل، ولأنثى الثعلب ست حلمات للإرضاع. ويمكن مشاهدة عدسة عين الثعلب بشكلها البيضاوي عند تعرضها في الظلام لضوء شديد.
لم تولد الثعالب حذرة بطبيعتها، لكنها تعتبر من المخلوقات الذكية. ورغم ما تسببه من ازعاج لأصحاب مزارع الدجاج، إلا أنها في الوقت نفسه تساهم في حماية المزروعات من الفئران والجرذان التي تصطادها. ومن المناظر الجميلة والممتعة مشاهدة عائلة من الثعالب في البرية حين تلعب مع بعضها وتصارع الصغار على التراب لتدربها.
يبدأ موسم التكاثر مع نهاية فصل الشتاء، وتتراوح فترة حمل الأنثى بين 49 و56 يوماً، وتلد في وكر هو عبارة عن حفرة عميقة نسبيا ما بين أربعة وعشرة صغار، يسمى واحدها “هجرساً”.
يولد الثعلب الصغير مطبق العينين، وتبقى عيناه مغمضتين لمدة تصل الى أسبوعين، ولا يبارح حفرته إلا بعد مضي خمسة أسابيع. وعادة يعتمد على نفسه عند بلوغه الشهر الخامس حين يبدأ بالبحث عن الطعام ويستطيع التزاوج مع قدوم الشتاء. يرتبط الثعلب بأنثى واحدة فقط يبقى برفقتها طيلة فترة تنشئة الصغار. وقد يعمر حوالي اثنتي عشرة سنة.
وينشط الثعلب ليلا ويشاهد أحيانا خلال النهار في الأماكن البعيدة عن الإنسان. يتغذى على اللحوم والنباتات على اختلاف أنواعها كالحيوانات الصغيرة والطيور، والزواحف، الى جانب الأعشاب والفاكهة والبيض والحشرات.
ويعد وجود الثعالب والاصناف الاخرى من السموريات أو العرسيات في منطقة حمى عنجر، مؤشرا اضافيا حول اهمية نظام الحمى في الحفاظ على الطبيعة، من خلال حماية ومتابعة السكان المحليين وليس من خلال القوانين التي تصدر عن السلطات والتي تبقى في اغلب الاحيان حبراً على ورق، كما هو الحال في العديد من المناطق المصنفة محمية في لبنان بموجب قوانين صادرة عن السلطة التشريعية، لكنها تتعرض للعبث والتخريب، خصوصاً من قبل اصحاب المقالع والكسارات وتجار الفحم والحطب.
ويعتبر نظام الحمى، القائم على التصنيف التقليدي للأراضي، وفق استخداماتها، من اهم الانظمة التي تسهم في الحفاظ على التنوع البيولوجي في العالم والمحافظة على الطبيعة ومواردها، من خلال تكريس نظام تراثي اعتمدته الشعوب العربية ومارسته القرى والبلدات اللبنانية كتقليد موروث لاستخدام الأراضي، بما يضمن الاستفادة القابلة للاستمرار من الموارد الطبيعية، وبما يعني الاستثمار الرشيد للموارد والمحافظة على قدرة البيئة على تجديد مواردها.
وتعرف الحمى باسماء عدة بحسب البلدان، فهناك على سبيل المثال: المهجر، أكدال، كوروك، وآدات، وهي أنظمة تشبه بعضها لجهة ادارتها من المجتمع المحلي ومتواجدة في غرب آسيا وشمال أفريقيا.
وتبنى الاتحاد العالمي لصون الطبيعة مفهوم الحمى في العام 2012 من خلال قرار حمل الرقم 122، ويهدف الى تعزيز ودعم إدارة الموارد المحلية والمحافظة عليها من خلال مشاركة المجتمع كأساس للتنمية المستدامة.