ذاع صيت منطقة مصب نهر الغدير في الشويفات منذ أن اتخذت الحكومة اللبنانية السابقة في شهر آذار (مارس) ٢٠١٦، قراراً بإنشاء مطمر صحي مؤقت عن طريق ردم البحر وإقامة كاسر أمواج وحاجز بحري، ولقد اشتهر هذا الموقع باسم “كوستابرافا” تيمناً بأحد المسابح الشعبية على هذا الشاطئ، الذي كان في غابر الأيام من أجمل الشواطئ الرملية على المتوسط.
جاءت حيثيات المسار القضائي للقضية المرفوعة من قبل محامين ونشطاء امام قضاء العجلة في بعبدا، لتعيد طرح اشكالية هذا الموقع وامكانية وقف اعمال الطمر التي تجري فيه الى الواجهة، خصوصاً بعد ان فاقم من مشكلة الطيور التي تتواجد في مطار بيروت الدولي، وما تشكله من خطر على الملاحة الجوية.
وفيما يتوقع الرأي العام ان يتخذ القضاء اللبناني الاسبوع المقبل قراراً نهائياً بإقفال المطمر، تبين الوقائع الميدانية، ان الحكومة، وبذريعة التقليل من ظاهر تواجد وتكاثر طيور النورس في محيط المطار، قد اتخذت قراراً بإقامة مطمرين للنفايات في هذه المنطقة وليس مطمراً واحداً.
يمكن للعابر من الطريق الساحلي ان يشاهد بأم العين اعمال تغطية تجري على الجهة المقابلة للمطمر، حيث تعمل الشاحنات على جرف وتغطية مئات آلاف الامتار المكعبة من الأتربة المختلطة، بنسبة كبيرة من النفايات، وتغطيتها بأتربة جديدة غير ملوثة بالنفايات، اضافة الى وضع اغلفة مطاطية وانظمة تسريب للمياه والعصارة، وانظمة لحصر وإدارة غاز الميثان الذي بدأ بالتسرب من هذا الموقع الملاصق تماماً لمدرج مطار بيروت.
كيف ومتى وصلت النفايات الى هذا الموقع؟ ومن نقلها الى هناك؟ وهل هي امتداد لموقع الطمر على الشاطئ والقائم على الاملاك العامة البحرية؟
منذ ان بدأت أزمة النفايات بعد إغلاق مطمر الناعمة – عين درافيل في ١٧ تموز (يوليو) ٢٠١٥، أوجدت البلديات الكبرى الساحلية مكبات عشوائية لتصريف النفايات التي ملأت الطرقات والاحياء وهددت الصحة العامة. وعلى طريقة “حارة كل مين إيدو الو” اتخذ اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية قراراً حاز على تغطية امنية، بنقل النفايات الى هذا الموقع، ولقد اكتفى الاتحاد باتخاذ اجراءات بدائية للحماية لهذا المكب العشوائي الذي استوعب على امتداد ٢٤٤ يوماً، اي منذ بدء ازمة مطمر الناعمة ولغاية بدء اعمال التخزين المؤقت عند الشاطئ البحري لمصب نهر الغدير في ٢٠ آذار (مارس) ٢٠١٦ ، قرابة ٢١٠ آلاف طن من النفايات.
رغم الاعتراضات السياسية والشعبية على قرار انشاء المطمر المؤقت في الشويفات، تحول موقع التخزين المؤقت الذي كانت تديره شركة سوكومي، الى مركز لاستيعاب النفايات التي كانت ترمى سابقاً في العقار الملاصق للمطار، اضافة الى نفايات مناطق اخرى في قضاءي بعبدا وعاليه. وترك العقار الملاصق لمدرج المطار دون اي اعمال حماية واستصلاح، ولم يتم تقدير مخاطره بالشكل المناسب، لا من قبل وزارة البيئة ولا من مجلس الانماء والاعمار، وبالطبع لم يعر وزير الاشغال السابق غازي زعيتر هذا الموضوع الاهتمام الكافي، رغم ان التقارير التي وردته من المطار وكانت تشير إلى أن الأمر ينذر بوقوع الكارثة، اذا لم يتم معالجة هذا المكب.
توالت الاحداث وتطورت، مع فوز شركة الجهاد للمقاولات، بعقد انشاء وتشغيل المطمر الؤقت في الكوستابرافا، والتي انتهت بفضيحة تخفيض سعر التلزيم قرابة ١٢ مليون دولار اميركي (راجع https://greenarea.com.lb/ar/162474)، والفوز بالدورة الثانية للمناقصات دون منازع، وبطريقة اوضحت ان هناك اتفاقا مسبقا بين جميع المتعهدين على تقاسم كعكعة المناقصات (راجع https://greenarea.com.lb/ar/177756)، التي فازت شركة الجهاد للمقاولات بغالبيتها، سواء مباشرة أو عن طريق شراكات محلية باطنية أو شراكات اجنبية مع شركات مشكوك بخبرتها.
ومع بدء استقبال الخلية الاولى في الكوستابرافا للنفايات الجديدة، رغم الملاحظات التقنية الفضائحية التي وثقتها وزارة البيئة في تقرير رفع الى القضاء المختص، جاء من يقنع الحكومة الجديدة، انه يجب تعديل مناقصة الطمر في الكوتسابرافا، وتضمينها ملحقا بقيمة ٦.٥ مليون دولار، لكي تتولى شركة الجهاد للمقاولات اعمال تأهيل المكب العشوائي الملاصق للمطار.
وتفيد المعلومات التي حصل عليها موقع greenarea.info ان المتعهد جهاد العرب وبالتنسيق مع مجلس الانماء والاعمار والاستشاري المشرف على اعمال الطمر في الكوستابرافا المجموعة المندمجة (دار الهندسة – نزيه طالب وشركاه، وشركة الحلول البيئية المستدامة)، قد اوصوا وبعد دراسة لمخزون النفايات المتراكمة قبل افتتاح خلية الطمر، ان هناك قرابة ١٥٠ الف متر مربع من الاتربة المختلطة مع النفايات، وان هذه الاتربة يفضل نقلها لغرض استصلاح وتأهيل المكب العشوائي، بدل نقلها الى المطمر الصحي، وإلا سوف يخسر المطمر تلقائياً ١٥ بالمئة من طاقته الاستيعابية. وبناء عليه وافق مجلس الوزراء على تكليف مجلس الانماء والاعمار التفاوض على ملحق لعقد الطمر الموقع مع شركة الجهاد للمقاولات، لتأهيل واستصلاح الارض المملوكة من قبل وزارة الاشغال وتسويتها وتخضيرها، وذلك بهدف عدم استخدامها مجددا للطمر العشوائي ولإبعاد طيور النورس، كون الموقع كان أحد الاسباب الرئيسية لتفاقم مشكلة انجذاب الطيور الى مدرجات المطار.
السؤال الذي لم يجب عنه مجلس الانماء والاعمار: من اين اتت كل هذه الكمية من الاتربة التي خلطت مع النفايات؟ خصوصاً ان فترة التخزين المؤقت لم تتجاوز ١٥٨ يوماً ولم يتجاوز وزنها الاجمالي ٢٣٠ الف طن من النفايات؟
يتبين وفق المعطيات الميدانية والتي تستدعي فتح تحقيق من قبل المدعي العام المالي، ان اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية لبيروت، والذي كان يتولى اعمال المراقبة والحراسة اثناء فترة التخزين المؤقت في الكوستابرافا، والذي نفذته شركة سوكومي، قد غض الطرف عن قيام متعهدين معروفين ونافذين في الضاحية الجنوبية لبيروت، بنقل آلاف الشاحانت المحملة بالاتربة وبقايا اعمال الحفر والبناء بذريعة وضع غطاء للنفايات المخزنة، وتقاضوا مبالغ ماليه ضخمة عن هذه الشاحنات، اضافة الى تقاضيهم اتعابهم الاساسية من قبل شركة سوكومي التي كانت تتولى اعمال التخزين بتكليف من مجلس الانماء والاعمار.
هكذا تم سرقة الصندوق البلدي المستقل بذريعة “الحلول الانقاذية” في الكوستابرافا ثلاث مرات! المرة الاولى عندما نقلت النفايات الى هذا الموقع للتخزين المؤقت، والمرة الثانية عند انشاء المطمر، والمرة الثالثة عندما ستتولى اكثر من خمسة آلاف شاحنة اعادة نقل الاتربة المختطلة مع النفايات الى المكب العشوائي بذريعة تأهيله وضمان سلامة امن المطار والملاحة الجوية!
أما الكلفة المتوقعة لهذا الاجراء فتشكل فضيحة جديدة، اذ ان تلزيم اعمال التأهيل والتخضير الى جهاد العرب، عن طريق ملحق على العقد الاساسي، وفق السعر المحدد اي ٦٫٥ مليون دولار، لا تتوافق مع طبيعة الاعمال المنوي تنفيذها، رغم ان السعر الذي اتفق عليه، قيل انه راعى الاسعار التي قدمها العرب في عقد الطمر الاساسي!
نحن اذا امام عملية تلزيم لمطمر جديد قرب مطار بيروت الدولي، ولذلك بات امام الجميع وجوب الاعتراف ان الحكومة اللبنانية العتيدة، وفي خضم إيهامنا بالعمل على إقفال مطمر الكوستابرافا قد افتتحت هناك مطمراً جديداً!