تؤثر الحروب بأشكالها المختلفة سلباً في البيئة، من تراب وماء وهواء، وتهدد سائر الكائنات الحية، من أدقها وأصغرها حجماً الى أكبرها وأضخمها، سواء في البر أو البحر أو الجو، محدثة خللاً في جميع الظروف المحيطة بالأنواع الحية، ولا سيما في النظم الإيكولوجية، ولفترات طويلة من الزمن.
فالحرب الاهلية في كمبوديا، على سبيل المثال، أدت وعلى مدى عشرين عاماً الى تدمير نحو 35 بالمئة من الغابات، في حين أحرقت القنابل التي أسقطت في الحرب الفيتنامية، أكثر من مليوني فدان من الاراضي الزراعية، أما آثار ملوثات الهواء الإشعاعية الناجمة عن الحرب الأميركية على العراق فقد وصلت الى مدينة كانازاوا اليابانية.
الحرب في سوريا
ولا تشذ عن ذلك الحرب في سوريا، حيث تم تدمير الموائل الطبيبعة للحيوانات، وسرقة المحميات، وحرق الغابات، وتآكل الترب، وتدهور نوعية المياه وتلوثها.
تتميّز الحياة البرية في سوريا بتنوّعٍ كبير، وتعتبر واحدة من أغنى الموائل الطبيعية في العالم، إلا أن خمس سنوات من الحرب الدائرة هناك أدت إلى تدمير تلك الموائل وهجرة السكان لمناطقهم، وبالتالي نفوق الكثير من الطيور والحيوانات، وهروب بعضها الآخر عبر الحدود البرية الى البلدان المجاورة، هربت الغزلان الى الاردن وظهر الدب السوري في الاراضي اللبنانية: https://greenarea.com.lb/ar/197558.
دير الزور… وتجار الحروب
في محافظة دير الزور السورية التي لا تزال الحرب محتدمة على اراضيها، هناك تنوع بيئي هائل وجميل جداً، لا بل ونادر وجوده في كل المنطقة العربية، فما يعرف بــ “الصراة”، وهو مصطلح لا يعرفه الا الديرية (أهل الدير) يطلق على مكانٍ تتجمّع فيه المياه بشكلٍ طبيعي، أي “المستنقع الكبير”، وتغطّيه نباتات بيئية كثيفة، وتتجمع فيه أنواع كثيرة من الأحياء المائية والبرية. وتعتبر “صراة المحيميدة” اكبر المستنقعات في دير الزور، حاضنة مزدهرة لتعايش وتكاثر أكثر من مئة نوع من الطيور النادرة، كالبطّ بأنواعه: البلبلول والرخامي والحذف الصيفي والشتوي والحمراوي أبيض العين وثرثارة العراق، فضلا عن طيور: القرتق الملتحي وعصفور البحر الميت وأنواع أخرى بعضها مهاجر والآخر مستوطن. فقد أدت الحرب الهمجية الى هجرتها ولم يبقَ منها الا القليل منها، أضف الى ذلك أن أجود أنواع الخيول الأصيلة التي كانت في دير الزور سرقها تجار الحروب وباعوها في الدول المجاورة.
المحميّات الطبيعية في طريقها إلى الزوال
تعرضت المحميات الثلاثون الموجودة في مختلف أنحاء سوريا لاعتداءات وانتهاكات كبيرة، وهي تضم أكثر من 65 نوعاً من الكائنات الحية، المهددة بالانقراض، نذكر منها بعض أنواع الطيور: الشوحة المصرية، الشوحة السوداء، شوحة كريفون، الحجل، الباشق، النسر، الرخمة، البوم، الحمام، القبرة، الهدهد، الوروار، الغراب، الدرغل، القطا، أبو منجل الأصلع الشمالي وأبو منجل الأبيض الكتفين، ومن الثديات: المها، الذئب، الضبع المخطط، الثعلب، القط البري، الأرانب، الخنزير البري، السنجاب والغزال الجبلي والأيل الأسمر)، وكان مصير المحميات التدمير والسرقة ومصير الحيوانات والطيور الذبح وغير ذلك من آثار الحرب الشعواء. https://greenarea.com.lb/ar/75338/% /.
كما أدت الغارات الجوية والقصف والمعارك في منطقة “جبل عبد العزيز” إلى قتل أكثر من 500 غزال في محمية “جبل عبد العزيز” بريف الحسكة الغربي، وكانت المحمية قد صنفت إلى جانب محميتي “أبو قبيس” و”الفرنلق” السوريتين كمحميات دولية. وفرت بعض الغزلان باتجاه الجنوب إلى البادية. واصطادت المجموعات المسلحة أكثر من 300 رأس، فيما سرق الباقي، وتم بيعه في البلدان المجاورة.
الغابة لم تسلم
وإلى تلك الاضرار التي سببتها الحرب خلال سنواتها الخمس الماضية للتنوع الحيوي في سوريا، هناك خطر يداهم البيئة السورية، بشكل كبير، ألا وهو اختفاء الغابات، حيث تراجعت مساحة الغابات في سوريا بشكل حاد، فقد أدت الحرب الى خسارة أكثر من أربعين
ألف شجرة بسبب القصف واستخدام الغابات كميدان حرب من قبل المجموعات المسلحة، إضافة الى عمليات الحرق والقطع. وبحسب التقديرات الرسمية، فإن أشجار الصنوبر والسنديان المعمر هي الاكثر تضرراً، وتم قطع ما يقارب عشرين الف شجرة في محافظتي حماة والحسكة فقط، لبيعها كحطب، وبذلك نكون امام بيئة سورية فقيرة بالغابات التي تعد الموئل الاول والاغنى لكل الكائنات الحية.
المياه… والكارثة في عين الفيجة
ينبع نهر بردى، من نبع فوكلوزي غزير في أسفل جبل الشير منصور، على ارتفاع يزيد عن 1100م، ويصب في بحيرة العتيبة جنوب شرق مدينة دمشق، مارا بمدينة دمشق وغوطتها.
تروي فروع النهر الستة بعد خروجها من دمشق كل بساتين الغوطة الخضراء، وفي مجرى النهر عند وادي بردى، يتلقى النهر عدة ينابيع أهمها نبع عين الفيجة الذي يضاعف غزارة وحجم مياه نهر بردى.
ونبع الفيجة، نبعٌ غزير، تبلغ غزارته في فصل الربيع حوالي 30 متر مكعب في الثانية، ذو مياه نقية جداً، لأن الفحوصات التي أجريت في مختبرات عالمية، قد أثبتت أن ماء الفيجة من أجود المياه على مستوى العالم، والصخور الكلسية التي تختزن هذه المياه بعيدة عن مصادر التلوث بالإضافة إلى خلوّ المياه من الطفيليات والجراثيم.
بقي النبع من أنقى الينابيع في العالم بعيداً عن التلوث، الى أن جاءت الحرب، فشهدت منطقة وادي بردى بريف دمشق تصعيدا في عمليات القصف، حيث قامت فصائل معارضة بتلويث مياه نبع الفيجة “بمادة المازوت”، لتحرم بذلك، ستة ملايين نسمة من أهالي دمشق
وريفها من هذه المياه، وجفت معظم بساتين الغوطة الخضراء المليئة بأشجار الفواكه المثمرة، كالعنب والرمان والتين والزيتون والمشمش والجوز، فهل هناك أكثر وابشع من هكذا عدوان على البيئة والتنوع الحيوي في سوريا؟