حلت قناديل البحر ضيفا ثقيلاً على بحر لبنان، من أقصى الشمال إلى الناقورة جنوبا، وجاءت بأعداد كبيرة وفي غير موعدها المفترض، فالطقس بارد، والصيف ما زال بعيدا، ما أثار الكثير من التساؤلات، دون إجابات واضحة حتى الآن حيال ظاهرة انتشارها بكثرة في كانون الثاني (يناير) من هذا العام.

ليس ثمة سبب واضح يمكن الركون إليه في مقاربة هذه الظاهرة علميا، لكن إلى أن تقدم لنا الدراسات أجوبة واضحة ومحددة لاحقا، يبقى الاحتباس الحراري في دائرة الاتهام، وما يثير الاهتمام أنها تتسم بأحجام كبيرة جدا وأخرى صغيرة جدا، دون معرفة سبب هذا التناقض في أحجامها.

تعتبر قناديل البحر وافدا غير مرحب به بالنسبة لرواد البحر، تعيق السباحة بسبب لسعاتها، وتشكل عبئا على الصيادين كونها تعيق حركتهم وتؤثر على شباكهم وتعلق بها، ولكنها في الوقت عينه تبقى مصدر الغذاء المفضل لدى السلاحف البحرية، عدوة القناديل الأولى، وتتسبب أحيانا بانقطاع متكرر في التيار الكهربائي، بحيث تجذبها تيارات البحر إلى محطات توليد الطاقة.

البروفسور باريش

كثرت في الأيام القليلة الماضية صور قناديل البحر على مواقع التواصل الاجتماعي، وكثرت أيضا التعليقات غير المستندة إلى العلم، ولذلك التقى greenarea.info أخصائي البيولوجيا البحرية والحيوانات الغازيه البروفسور ميشال باريش، فحدد نوع القناديل المنتشرة هذه الأيام على الشاطىء اللبناني، فقال بأنها “من نوع Rhopilema nomadica، وتظهر عادة في فصل الصيف من حزيران (يونيو) حتى آب (أغسطس) ومجموعات قليلة منه في الشتاء”.

وقال: “يبدو أن فصل تواجدها أصبحت مدته أطول بسبب تغيير المناخ، لذلك بدأت تأتي بوقت مبكر وترحل بوقت متأخر لنفس السبب”، لافتا إلى أنه “لا تتوجه نحو الشواطئ من تلقاء نفسها بل يدفعها التيار باتجاهه، وهي تتغذى على بيض السمك وبزرته وبعض الكائنات الصغيرة”.

دورة حياة القناديل

واسمه العلمي nomadica، ويعني أنه كثير الترحال كالجمال في الصحراء، أما قناديل البحر عموما، فتنتمي إلى مجموعة القارصات ولسعتها سامة جدا، تسبب ألما يشبه ألم الحروق، كما تسبب احمرارا في الجلد يدوم ساعات عدة، وفي اصعب الحالات تتسبب ببثور وارتفاع في الحرارة، وهذا يعتمد على عدد الخلايا اللاسعة التي اصابت الانسان، كما يعتمد على مدى حساسيته، والمكان المصاب.

وبحسب باريش “كبيرة كانت أم صغيرة، جميع القناديل تلسع وسامة، ولكن بعض الأنواع لا يمكنها أن تلسع الإنسان وتخترق جلده، لكنها تصطاد وتقتل الحيوانات الصغيرة واليرقات عبر

لسعها، وبالنسبة إلى الإنسان، فالأمر يتوقف حسب اللسعة، وحسب الشخص وحساسيته، وأغلب الأشخاص يتحملون جيدا السم، ولكن بعضهم يضطرون للعلاج في المستشفى ويمكن أن يتعرضوا للموت، كما هو الحال بالنسبة للسعات النحل”.

وقال باريش: “للقناديل دورة حياة يجهلها الكثيرون ومراحلها ثابتة، مرحلة “البوليب” الذي يتكاثر بطريقة الانقسام، ومرحلة الانتقال الى قنديل بحر كامل. يتم الإخصاب بين جنسين منفصلين عن بعضهما وخلايا الحيوانات المنوية والبويضة تنبعث نحو الماء ثم تنقسم البويضة المخصبة، وتشكل “يرقة” لديها القدرة على السباحة حتى تلتصق بقاع البحر، يبدأ في هذه المرحلة بتغيير مبنى جسمه وببناء أذرع الصيد ثم يصبح البوليب (سليلة) ينمو ويتغذى على كائنات صغيرة مثل العوالق، وفي ظروف بيئية ملائمة ينقسم البوليب بطريقة أفقية وينفصل عنها القنديل على شكل جرس صغير لا يمكن رؤيته بالعين المجردة. في هذه المرحلة ينطلق في البحر يسبح ويتطور ليصبح قنديلا كاملا خلال اسابيع، فيصل الى مرحلة البلوغ ويتكاثر جنسيا، ويعيش قنديل البحر بعد التكاثر بضعة اشهر ثم يموت”.

حركتها سريعة

وأشار باريش إلى أن “القناديل المتنقلة هي ليست سوى جزء من الغزو لمئات الأنواع الآتية من البحر الأحمر في أواخر سنة 1970، استقرت في المتوسط وتكاثرت بسرعة”، ولفت إلى أن “هذه القناديل تكون ملجأً آمنا لبعض الانواع من الاسماك (مثل التريخون الاصفر) التي تختبئ بين الخلايا اللاسعة تحسبا من مهاجمة اسماك اخرى لها”.

جسم القنديل هو عبارة عن كيس شفاف يشبه المظلة أو الجرس، لا رأس له، في أطراف المظلة أو الجرس أعضاء تجعله بحالة توازن، قد يصل قطر المظلة لهذا القنديل حتى متر تقريبا، أما حركته فهي سريعة.

وأضاف باريش: “تتواجد الخلايا اللاسعة على ظهر أذرع الصيد، لذلك أفضل الطرق لتلافي لسعاتها هي انتشالها بواسطة الشبكة، ومن الضروري جدا عدم تفتتيتها وقتلها في الماء بواسطة سكين او بطريقة أخرى، لأن هذه الطريقة تجعل الخلايا اللاسعة تنتشر بشكل خيطان في الماء الذي يصبح قارصا، وكذلك الامر بالنسبة للشباك التي تضعها المسابح، ففي حال انجراف القناديل مع التيارات باتجاه الشباك سيؤدي ذلك الى تمزقها وانتشار المادة اللاسعة في الماء”.

ولفت إلى أن “القناديل سميت بهذا الاسم نسبة لأحد أنواعها الموجود في بحرنا والتي تعطي ضوءا في الليل”.

تجدر الإشارة إلى أن الصور خصت بها “نقابة الغواصين اللبنانيين المحترفين” موقع greenarea.info

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This