يعتبر داء السكري من أخطر الأمراض المزمنة وأكثرها شيوعا، ولا عجب أن يشبهه الأطباء بالقاتل الصامت، فالعديد من الأشخاص يتم تشخيص إصابتهم بهذا المرض بالصدفة، وهناك شخص كل 17 ثانية يتم تشخيص إصابته بهذا الداء، وسمي بهذا بـ “السكري” كونه يرفع نسب السكر بالدم بسبب انخفاض إفراز الهرمون المسؤول عن تعديل كمية السكر في الجسم، وهو هرمون الإنسولين Insulin، أو بسبب خلل في استعماله من خلايا جسم المريض.
ويساهم هذا المرض، في زيادة فرص الإصابة بمضاعفات خطيرة كثيرة في كافة أعضاء الجسم: الكلى، العيون، القلب، الأعصاب وغيرها، ومع الوقت قد يؤدي إلى حالات قصور القلب، الجلطات بأنواعها، الغيبوبة، بتر القدمين والموت، ويعتبر داء السكري مؤخرا ثالث سبب للوفاة من مضاعفاته وبثلاثة أضعاف عما كان يعتقد سابقا، ووصلت النسبة مؤخرا إلى 12 بالمئة في الولايات المتحدة، كما وصلت عدد حالات السكري في العالم إلى 415 مليون مصاب (2015).
علاجات داء السكري
يتمحور علاج داء السكري حول أنواع مختلفة من العلاجات بين الحبوب والحقن وتغيير نظام الحياة بزيادة النشاط وتعديل النظام الغذائي، وتتجه جميعها للحد من مضاعفاته وتحسين نوعية حياة المرضى، وتختلف هذه العلاجات بطريقة عملها فبعضها خافضة أو معدلة للسكر أو تؤثر على الإنسولين في الدم، أو تساعد الخلايا على امتصاص الإنسولين أو استهلاكه بطريقة أفضل، أو تقلل في عملية استقلاب السكر في الجسم خصوصا في الأمعاء أو إعادة إمتصاصه في الكلى، أو بإعطاء الإنسولين على شكل حقن، وداء السكري مرض يتقدم مع الزمن، وقد يحتاج المريض لزيادة الجرعات، أو إضافة علاج أو علاجات جديدة لبرنامج علاجه.
لكن في الفترة الأخيرة تتوالى العلاجات الحديثة، بميكانيكية عمل مختلفة، وتقول في هذا المجال مديرة خدمات التعليم والتوعية وأخصائية التغذية في “مركز جوسلين لداء السكري” Joslin Diabetes Center في مدينة بوسطن Boston في ولاية ماساتشوستس Massachusetts في الولايات المتحدة الأميركية نورا سول Nora Saul: “لا تعني العلاجات الجديدة قدرة أفضل لعلاج داء السكري، ولكنها أسلحة إضافية لمكافحته”، وثمة علاجات لا زالت تحت التجربة مثل الخلايا الجذعية وغيرها، ولعل آخر هذه المقاربات الحديثة في علاج هذا الداء خلقت آمالا كبرى، ليس لداء السكري فحسب، بزراعة بنكرياس يمكنه إفراز الإنسولين، بل لكل من يحتاج عملية زراعة الأعضاء، وذلك زراعة مبتكرة للبنكرياس في الجرذان.
زراعة البنكرياس
وزراعة البنكرياس ليست فكرة جديدة في علاج داء السكري، بل كان أول هذه العمليات في العام 1966، وظلت عمليات زرع البنكرياس تتطور إلا أنها اقتصرت على الحالات المستعصية من داء السكري من النوع الأول، وتستعمل بذات الوقت مع زراعة الكلى، ويستخدم في هذه الحالات أعضاء من واهبين، أما الطريقة الحديثة التي تمحورت حولها الدراسة الحديثة فتوصل إليها باحثون من جامعتي طوكيو The University of Tokyo في اليابان وستانفورد Stanford University في الولايات المتحدة الأميركية، ونشرت الدراسة في دورية “طبيعة” Nature العلمية، وتقضي بزراعة البنكرياس لنوع من الحيوانات في نوع آخر، وذلك بزراعة خلايا الفئران الجذعية في الجرذان لإنتاج بنكرياس، وباستخدام طرق معينة. ويتم استئصال الخلايا المنتجة للإنسولين بعد فترة وزراعتها في أجساد الفئران، وقد استطاعت هذه الخلايا المحافظة على مستويات مناسبة للسكر في الدم لفترة وصلت إلى 370 يوما، ولم تحتج العملية للعلاجات المضادة لرفض الجسم المستزرع إلا لفترة خمسة أيام بعد الزراعة، كون الخلايا المستزرعة مطابقة جينيا لخلايا الفأر.
أهمية هذه العملية
وتستخدم عملية زراعة البنكرياس للسيطرة على داء السكري، وذلك باستخدام خلايا خاصة في البنكرياس وهي Beta cells، وتتجمع على شكل جزر صغيرة Islets إلا أنه لا يوجد كمية أعضاء كافية من الواهبين لتوفر العدد المطلوب، كما أن هذه العملية، تحتاج في ما بعد إلى استخدام المواد المثبطة للمناعة لتمنع رفض العضو المزروع، ولم تثبت أول محاولة لزرع خلايا الجرذان في الفئران نجاعتها، وذلك في إنتاج كمية كافية من الإنسولين للسيطرة على داء السكري، ولكن العملية المعاكسة الأخيرة كانت ناجحة بصورة استثنائية، حيث استزرعت خلايا الفئران الجذعية في الجرذان.
وقال الأخصائي في علم الجينات والوراثة Genetics في جامعة ستانفورد، وأحد الباحثين الرئيسيين في الدراسة هيروميتسو ناكوشي Hiromitsu Nakauchi: “وجدنا أن الفئران المصابة السكري كانت قادرة على إعادة مستويات السكر في الدم إلى المستوى الطبيعي، ولمدة تزيد عن سنة بعد زرع عدد قليل من الخلايا أو الجزر Isletsوصل إلى 100″، وأضاف: “علاوة على ذلك، ليس هناك حاجة لهذه الحيوانات لتلقي العلاج بالأدوية المثبطة للمناعة إلا لمدة خمسة أيام بعد الزرع، بدلا من كبت المناعة بصورة مستمرة عند زراعة أعضاء أو خلايا من واهبين”.
وأشار ناكوشي إلى أنه “بعد عدة أشهر من عملية الزرع، استطاعت الفئران القضاء على كافة خلايا الجرذان الموجودة”، وقال: “إن هذا أملا واعدا للغاية بهدف زرع الأعضاء البشرية في الحيوانات، لأن هذه الطريقة تثبت أن أياً من الخلايا الحيوانية الملوثة يمكن القضاء عليها بنظام المريض المناعي بعد عملية الزرع”.
ويعمل الفريق حاليا على تجارب مماثلة مع أعضاء أخرى، بما في ذلك الكلى والكبد، والرئتين.