“هيداك المرض”، إذ قلما نجرؤ على ذكر اسمه: “السرطان”، فضلا عن تعابير “ملطفة” أخرى، وكأن مجرد ذكر هذا المرض قد يصيبنا أو يصيب من نحب، ولا عجب، طالما ليس ثمة مرض يرعب الناس مثله، وإن كان شفاء العديد من أنواعه أصبح ممكنا مع تقدم العلم، كما أن ثمة أمراضا ومخاطر أخرى تتربص بنا في حياتنا الحضرية، تتجاوز السرطان بقدرتها على تدمير نوعية الحياة وجعلها أصعب.

وفي عالم الإنترنت، هناك الكثير من الحقائق، يقابلها الكثير من الخرافات والمعلومات غير المستندة إلى العلم، مع المتاجرة بآلام الناس وأمراضهم، والبعض يبتغي الربح، والبعض الآخر، يروّج لمعتقد خاطئ، أو كنتاج لتقاليد بالية عفا عليها الزمان، ولكنها بالمجمل تؤثر على عامة الناس وتقنعهم إلى جانب عدد لا يستهان من المثقفين، وفي هذا المقال نحاول أن نستعرض بعض الاعتقادات الخاطئة في مجال علاج السرطان.

 

نظرية المؤامرة!

 

يرفض البعض علاج السرطان بالأدوية الكيميائية المثبطة لنموه، أو الخضوع للجراحة أو العلاج الإشعاعي، مقتبسين أقوال لأشخاص، وقد يكونون من أطباء يؤمنون بـ “نظرية المؤامرة”،  وبأن هذا المرض ساهت بعض لوبيات الدواء وعلاجات السرطان في تفاقمه وازدياده، متناسين بأن السرطان مرض قديم وقد وجدت آثار أورام سرطانية في عظام مومياءات في مصر منذ العام 1600 قبل الميلاد، كما أن أوراق من البردي تعود إلى العام 2500 قبل الميلاد، وصفت المرض وإن لم تسمه باسمه الحالي.

وتعود التسمية إلى الطبيب الإغريقي أبقراط Hippocrates، وشبهه بحيوان السرطان Cancer  لتشابه شكل هذا المرض في السرطانات الصلبة مع هذا الحيوان، وقد يكون سبب انتشاره على نحو كبير متمثلا في زيادة أساليب الكشف عنه، فضلا عن مساهمة الحياة العصرية من وراثة وبدانة وانخفاض النشاط الجسدي والتلوث في زيادة انتشاره، ويحتاج المريض بالتالي إلى هذه العلاجات لتثبيط نموه والقضاء عليه قبل انتشاره، خصوصا العلاجات الحديثة الموجهة Targeted Cancer Therapies، وقد ساهمت هذه الأدوية ليس في الشفاء من المرض فحسب، بل في تحسين فرص النجاة ونوعية الحياة للكثيرين.

 

سمك القرش لا يصاب بالسرطان!

 

والحقيقة أن كافة الحيوانات تصاب بالسرطان، إلا أن نظام سمك القرش المناعي القوي يحميه من الكثير منها، وبالفعل فهناك حالات عدة موثقة بدءا منذ العام 1908 لأسماك قرش مصابة بأورام منها سمك القرش الأبيض قبالة شواطئ أستراليا.

وتم تسويق هذا المعتقد لبيع حبوب مصنعة من غضاريف القرش Shark cartilage لعلاج أمراض عدة، بدءا من التهاب المفاصل وعلاج الجروح وشبكية العين من داء السكري وصولا إلى علاج السرطان، إلا أنه لم تثبت الدراسات نجاعته في علاج هذه الحالات، وخصوصا السرطان، إلا أن مادة الكوندرويتين التي يحتويها والتي يمكن أن تتواجد في مصادر أخرى، قد تساعد مرضى التهاب المفاصل، كما وأن هناك مخاوف من احتوائه على عدد من المواد الكيميائية الخطرة التي تساهم بأمراض مثل “ألزهايمر”  Alzheimer diseaseو”التصلب الجانبي الضموري “amyotrophic lateral sclerosis.

وأدى استهلاك القرش كغذاء “حساء زعنفة القرش” الآسيوية المشهورة، وكعلاجات إلى انخفاض أعداده بما يزيد عن 80 بالمئة في الولايات المتحدة الأميركية وحدها، ووصول بعض أنواعه مثل: القرش الأبيض العظيم Great White Shark، قرش النمر الرملي  Sand Tiger Shark وقرش الأنف الخنجري The Daggernose Shark إلى حافة الإنقراض، كما أن حجم سوق تجارة زعانف القرش ولحمه وفقا لتقرير منظمة “الفاو” أظهر أن تجارة أسماك القرش هي الأغلى في قيمتها، ووصلت قيمة صادرات هذا السوق إلى 438.6 مليون دولار في العام 2011.

 

الحميات الخارقة!

 

لا شك بأن للغذاء الصحي والهواء النقي والنشاط المستمر تأثيرات كبيرة على صحة الإنسان، إلا أن الترويج للحمية القلوية The Alkaline Diet، وتعني أن استقلاب الغذاء يكون بنسب “حموضة” pH  أكثر من 7 درجات، وفي هذا الأمر تقتصر هذه الحمية على المواد الطبيعية من الفواكه والخضروات، مستثنية كافة المنتجات الحيوانية من بيض وألبان وأجبان ولحوم، فضلا عن كل أنواع المنتجات الغذائية المنتجة لبروتين الـ “غلوتين” مثل القمح وغيره، ويدعي المروجون لهذه الحمية القدرة على حماية الجسم من الأمراض خصوصا السرطان، وينتقد العلماء ولا سيما أخصائيو التغذية هذه الحمية، كون حموضة الغذاء واستقلابه لن يؤثرا على المعدة مثلا، لأن حموضتها تظل منخفضة، أي أن الـ pH يكون ما بين 2 و3.5. ومن جهة ثانية فإن حموضة الدم مائلة للقلوية وتظل بين 7.35  و 7.45وإن أي تدنٍ في قلوية الدم لا ينتج إلا من أمراض خطيرة، ويعمل الجسم على التوازن في حموضة كافة أعضائه بما يعرف بـ”التوازن الحامضي القلوي” Acid-Base Homeostasis، بالمقابل تؤثر حموضة ما يتناوله الشخص كغذاء على البول، لذا تقوم الكلى بإفراز أيونات البيكربونات لمعادلة الحوامض، وينتج من هذا التفاعل ثاني أوكسيد الكربون الذي يتم إفرازه عن طريق الرئتين، وبذلك يتم إخراج الحوامض عبر البول، والغاز الناتج عبر الرئتين، وبالتالي فالتوازن المتكامل لأعضاء الجسم يتم بانسجام أعضائنا وتوازن وتيرة أعمالها، إلا أن ما يتم تناوله من غذاء قلوي وبيكربونات الصوديوم وغيرها لا تؤثر على صحة الإنسان، ولم تثبت أي دراسات فاعليته.

وبدأت حملات لاستخدام البيكربونات عبر الفم والحقن والغسول وغيرها، إلا أنه لم تثبت نجاعتها في التجارب السريرية، وإن بقيت في أذهان المروجين لها، كما وتم الترويج للأغذية القلوية كبذور المشمش المر وتحتوي مادة Amygdalin والإسم المطور Laetrile أو فيتامين Vitamin B17، وتوجد هذه المادة أيضا في بذور التفاح واللوز المر، كما توجد أيضا في البقوليات وغيرها من النباتات، وهي مادة محتوية على الزرنيخ، وتساهم أيضا بزيادة امتصاصه، وثمة دراسات متناقضة حول فاعلية هذه المادة في علاج السرطان، فمنها ما يقول بقدرتها على القضاء على الخلايا السرطانية في المختبر، وأخرى بعدم نجاعتها لا بل بخطورتها على صحة الفرد.

 

خلاصة

 

يبقى مرض السرطان مرضا مخيفا، خصوصا لجهة عدم اكتشافه بسرعة وقبل استفحاله، إلا أن الممارسات الصحية في الغذاء والنشاط الجسدي ومحاولة تجنب الملوثات قدر الإمكان، والعناية بالصحة الجسدية والنفسية وتناول علاجات الأمراض المزمنة، تشكل بمجموعها مقاربات تساهم في الوقاية منه، فضلا عن أهمية الكشف المبكر عبر القيام بفحوصات دورية للثدي والقولون والبروستات، خصوصا من لهم أقارب عانوا من هذه الأمراض.

 

 

 

 

 

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This