غ
الكركي ينضم إلى قائمة ضحايا طيور الصيد الجائر!
سوزان أبو سعيد ضو
غالباً ما يُسلط الضوء في لبنان على مجازر تسهدف الطيور المهاجرة، وهذا ليس بغريب إذا علمنا أن قتل الطيور في موسم هجرتها يتحول مجازر يومية، مع تسجيل سابقة هذا العام تمثلت في مجزرة طيور النورس في منطقة الكوستابرافا على مقربة من مطار بيروت، لكن في الجهة المقابلة ثمة وعي يتنامى لدى الكثير من المواطنين، ممن يعالجون طيورا مصابة، أو يبلغون القوى الأمنية عن “صيادين” يمارسون القتل قرب الأحياء السكنية وفي الأملاك الخاصة.
وفي هذا المجال، يستقبل “مركز التعرف على الحياة البرية” The Animal Encounter في مدينة عاليه في جبل لبنان، المئات من الطيور المصابة كل عام، ويعيد إطلاقها بعد علاجها، باستثناء تلك التي تعرضت لكسور في أجنحتها، ويكون مصيرها البقاء في الأسر، لأنه لا يعود في إمكانها الطيران من جديد.
وكان اللافت للانتباه مؤخرا، أن المركز يعالج طائرا غريبا، لونه رمادي، ويتميز بعنق طويل، وقد أوضح رئيس المركز الأستاذ المحاضر في الجامعة اللبنانية – كلية العلوم للبروفسور منير أبي سعيد لـ greenarea.info سبب وجود هذا الطائر غير المألوف، وأشار إلى أنه “منذ حوالي شهرين، تواصل معنا الدكتور المختص في البيولوجيا في الجامعة الأميركية في بيروت رياض صادق، حول طائر مصاب في منطقة الجنوب”، لافتا إلى أنها “ليست المرة الأولى التي نتعاون فيها مع الدكتور صادق بهدف معالجة طيور وحيوانات عدة مصابة”.
طائر لا يؤكل
وقال: “تم إحضار الطائر إلى الجامعة الأميركية في بيروت، ومن ثم قمنا بنقله إلى المركز، وحددنا نوعه، ولكن تبين لنا بعد معاينته، أن هذا الطائر مصاب في جناحه إصابة خطرة، ولن يتمكن من الطيران أبداً بعد الآن”.
وأضاف أبي سعيد: “الطائر من نوع الكركي الرمادي الشائع Common crane واسمه العلمي Grus grus، وهناك أنواع عدة منه وبألوان عدة، إلا أنه لا يهاجر عبر لبنان إلا هذا النوع بالتحديد، وهو غير مهدد بالإنقراض، لونه رمادي ويميل للبياض، كما يتلون تاج رأسه باللون الأحمر كلما اقترب من مرحلة البلوغ، وهو يهاجر عادة ليلا على شكل أسراب، لذا لا يشاهد عدد كبير منه، وجبته الأساسية الحبوب والنباتات والطحالب، إلا أنه يأكل أيضا الأسماك الصغيرة والبرمائيات والحشرات والقوارض فضلا عن الطيور الصغيرة، ولأن غذاءه خالٍ من اللحوم والبروتينات الحيوانية تقريبا، فهو يحتاج إلى الراحة خلال النهار ليتزود بالغذاء، وهو طائر لا يؤكل”.
وقال: “يبدو أن أحد الأشخاص اصطاده وتركه مصابا، ومن المؤكد أن من اصطاد هذا الطائر ليس خبيرا بأنواع الطيور، إذ لا يصطاده الخبراء من الصيادين، فهو عدا عن كونه لا يؤكل، فإن صيده ممنوع إسوة بأنواع عدة مثل البوم، الجوارح، دجاج الأرض وغيرها، أما المسموح صيدها بكميات محددة، فهي: الفري، الصلنج، المطوق، الحمام البري، السمن وبعض الأصناف الأخرى”.
ورأى أبي سعيد أن “تفاعل الأشخاص الذين وجدوا الطائر المصاب، واهتمامهم به وعدم تركه مصابا، بل عملوا على إيصاله إلينا في رحلة علاجه، هو أمر هام، وهو جزء من الوعي الذي نصبو أن يصل المجتمع إليه”، وتمنى على “المواطنين أن يساهموا بالعمل على التواصل مع المختصين في حالة الطيور المصابة حال مشاهدتهم لها، ليتم علاجها بالسرعة القصوى”.
وختم: “بينما يتجه الصيادون لصيد كل ما يطير، في الهند ينثرون لنوع من هذا الكرك البذور والحبوب لتواظب على المجيء كل عام، لفائدتها ومنافعها البيئية”.
الكركي الشائع
هناك أنواع عدة من هذا الطائر، بعضها مهدد بالإنقراض، إلا أن 4 منها تبقى غير مهددة، وهي: الكركي الرمادي الشائع وهو النوع الوحيد الذي يمر خلال هجرته في بلادنا، بينما الأنواع الأخرى تتواجد في أوروبا وآسيا، وهي: demoiselle crane واسمه العلمي Anthropoides virgo، sandhill واسمه العلمي Grus canadensis و brolga واسمه العلمي هو Grus rubicunda، ولكنها جميعا تشترك بأنها طيور متوسطة الحجم، إلا أن الكركي الرمادي هو الأكبر حجما بينها، ويتراوج ارتفاعه بين متر و130 سنتيمترا فيما يبلغ مدى أجنحته بين 180 و240 سنتمترا، أما وزنه فلا يتعدى الـ 6 كيلوغرامات، وغذاؤه منوع بين النباتات والحيوانات، وإن كان معظم غذائه من النباتات، ولكن في فترة التكاثر يزيد استهلاكه من المصادر الحيوانية، ولا يشكل هذا الطائر خطرا على المزارعين بل يقضي على الآفات الزراعية من قوارض، كما يستهلك بقايا الحبوب في السهول ما يساعد في تنظيف هذه المساحات، ويقتات على الزواحف السامة وغيرها في حال وجودها، ولا يكون هذا الطائر عدوانيا إلا في حالات الأسر، وفي حالة التكاثر أو مهاجمته من الحيوانات المفترسة، ويدافع بمنقاره وبأجنحته والركل بأرجله.
قرية طائر الكركي الهندية
وفي الهند توجد قرية Khichan في ولاية راجستان Rajasthan، أطلقت عليها مجلة “عالم الطيور” Birding World اسم Khichan – the Demoiselle Crane village أو”قرية طائر الكركي من نوع Demoiselle crane” ووضعت على خارطة التراث العالمي.
على الرغم من وجود هذا النوع من الطيور في أكثر من 46 دولة، فإن الأمر بدأ إثر مبادرة بعد عودة أحد مواطني هذه القرية منذ أكثر من 40 عاما، واسمه راتانلال مالو Ratanlal Maloo، ليرعى والدته التي ناهز عمرها 100 عام، وبسبب وقت فراغه، أوكل إليه عمه مهمة إطعام الحمام، وهو تقليد يمارسه المجتمع هناك، حيث يتم تغذية الطيور من حمام وعصافير وسنونو صباحا، وقد اجتذب هذا الأمر طيورا عدة، وفي السنة الأولى، أتى بعض طيور الكركي من نوع Demoiselle crane، بالإضافة إلى عدد من الطواويس، ثم أخذت الطيور تأتي بوتيرة أكبر كل عام، وانتهزت الكلاب الضالة الفرصة، وأخذت تهاجم الطيور، فطلب مالو أن تخصص قطعة أرض لتغذية الطيور وأن تكون آمنة، وتسمى هذه المناطق المحمية باللغة المحلية Chugga Ghar، وتبلغ مساحة كل منها حوالي 300 مترا مربعا، وأخذت أعداد الطيور بالتزايد وخصوصا الكركي، ووصلت أعدادها مؤخرا إلى 20 ألف طائر، ويتعاون المجتمع القروي على تغذيتها بأكثر من 3 آلاف كيلوغراما من البذور يوميا، ويساهم بتوفيرها المجتمع المحلي والمساعدات من الجمعيات البيئية، وأصبحت زيارة هذه القرية من مراقبي الطيور والسياح في أيلول (سبتمبر) من الأمور المألوفة، وساهمت في انتعاش السياحة في هذه المنطقة الصحراوية.
وفي هذا المجال، فإن إيرلندا وبعد انقراض طيور الكركي الرمادي فيها منذ أكثر من 300 عام، تبذل جهودا لإعادتها، خصوصا بعد مشاهدة سرب يحوم في أجوائها، خصوصا كونها تشكل جزءا هاما من التراث والثقافة الإيرلندية، بينما ينبري في بلادنا بعض الأشخاص إلى قتل كل ما يطير!