سيكون الاحتباس الحراري في السنوات القليلة المقبلة حاضرا أكثر بتبعاته الإقتصادية والمالية، بعد أن تحول من أزمة مناخ تهدد مظاهر الحياة على الكوكب إلى كوارث طبيعية وخسائر كبيرة في اقتصادات الدول، وإلى الآن لم تتنبه الدول الأكثر تلويثا للبيئة وتهديدا للمناخ، إلى حجم الخسائر الواقعية التي ستتكبدها، راهنا ومستقبلا، على مستوى الفاتورة الصحية الناجمة عن أمراض مصدرها التلوث، فضلا عن كلفة الظواهر المناخية المتطرفة كالأعاصير والجفاف، وارتفاع الفاتورة الاقتصادية التي تتهدد قطاع التأمين وموازناتها السنوية.
قبل سنتين، بلغت خسائر الولايات المتحدة في الممتلكات نحو 35 مليار دولار بسبب الأعاصير والعواصف الساحلية، فضلا انخفاض إنتاجية المحاصيل 14 بالمئة ما كبد مزارعي الذرة والقمح خسائر بعشرات المليارات من الدولارات، فيما خصصت الصين مؤخرا مليارات الدولارات لمواجهة الضباب الدخاني الذي لوث وأثر على نوعية الهواء في المدن الكبرى.
وشهدت الساحل الشمالي في مقاطعة كيبيك الكندية يوم 25 كانون الأول (ديسمبر)، ظاهرة مد وجزر شديدة، تسببت في خسائر جسيمة، ما أدى إلى تضرر النهر عند مدينة “سانت آن دي مونت”، Sainte-Anne-des-Monts وتدمير جزء من “طريق 132”.
يقول الكاتب جيرار مونبوتي Gerard Montpetit، في مدونته المنشورة على النسخة الكندية من “هافينغتون بوست”، إن كندا تستطيع عمل بعض الإصلاحات المؤقتة، ولكن في نهاية المطاف ستكون مضطرة إلى إعادة إنشاء الطرق الداخلية في المنطقة، فهناك 7 جزر أصبحت غير واضحة المعالم، والجسور، والمساكن لم تعد صالحة للسكن، كما لو أنها السنة الأولى التي تحدث فيها تلك المشكلة، فيما لا يعلم ما التكلفة الناجمة عن التغير المناخي مستقبلاً.
ووفقاً لصحيفة The Guardian، فإن الكوارث الطبيعية تسببت في خسائر تقدر بـ175 مليار دولار في عام 2016.
ويوضح مونبوتي، في الـ “هافينغتون بوست” أن الزلازل الأرضية لا علاقة لها بتغير المناخ، لكن الأعاصير، والفيضانات، وموجات الجفاف، وحرائق الغابات، مثل تلك التي وقعت في فورت ماكموري، جعلت مايكل بلومبرغ عمدة مدينة نيويورك السابق، ومارك كارني محافظ البنك المركزي البريطاني، يؤكدان الحاجة من الآن فصاعداً إلى سن قوانين، تأخذ بعين الاعتبار المخاطر المرتبطة بتغير المناخ.
يقول مونبوتي إن ما يحيط بخليج سانت لورانس لم يتضرر فقط بسبب تغير المناخ، بل أضر أيضاً ارتفاع مستوى سطح البحر بالعديد من المدن، بما في ذلك ولايتا فلوريدا ولويزيانا، ويتذكر الأميركيون آثار الدمار التي خلفها إعصار “كاترينا”، وإعصار “ساندي”.
في هذا الصيف، عانت ولاية لويزيانا سيولاً عارمة، وارتفاعاً في منسوب مياه البحر، الأمر الذي أدى إلى خسائر مالية لا يمكن تقديرها.
ويضيف مونبوتي، بحسب المصدر عينه، إن هناك ما يقرب من 2 مليار إنسان يعيشون على بعد 100 كيلومتر من البحر، ويرى أن الجميع يتجاهلون المشكلة، بمن فيهم الذين تولوا زمام القيادة في الولايات المتحدة، فهم يرفضون فعل شيء لمواجهة هذا الواقع.
ويرى الكاتب أن المشكلة هي مزيج من “الاحتباس الحراري” و”التغير المناخي” وارتفاع درجة الحرارة على مستوى كوكب الأرض، وليس له علاقة بحالة الطقس في بلد أو قارة بعينها.
ويتسم طقس أوروبا حالياً بشدة البرودة، أما في القطب الشمالي فقد ارتفعت درجة الحرارة أكثر من المعتاد، ولهذا يقول مونبوتي إن معدل الحرارة في 2016 يشير إلى ارتفاع حرارة الأرض، ما يوضح أن النظام المناخي يعمل بشكل مختلف.
وعلى سبيل المثال، فإن التيارات البحرية يكون لها تأثير كبير على حالة المناخ، فتيارات الخليج تجلب الماء الدافئ من خليج المكسيك لكي تجعل مناخ أوروبا معتدلاً. ومنذ آلاف السنين، ومناخ الجزر البريطانية أكثر دفئاً مقارنة بغيرها من المناطق الواقعة على خط عرض مماثل، إلا أن بعض الدراسات تشير إلى انهيار تيارات المحيط الأطلسي، وهو ما يعني مزيداً من البرودة في أوروبا، ولكن مؤشر درجة الحرارة العالمي يشير إلى الارتفاع.