كثيرا ما طالعتنا دراسات صادرة عن مراكز أبحاث علمية تشكك في ظاهرة الاحتباس الحراري، وهي في الغالب ممولة من “الملوثين”، ونعني بهم الشركات الكبيرة العاملة في قطاعات النفط والطاقة والصناعة، وهي لما تزل تقود حملات تشكك بتغير المناخ، وتسخر مراكز أبحاث وعلماء توظفهم خدمة لأغراضها، وهذا ما كان قد أكده سابقا بدليل أن عالما مثل ريلي دانلوب Riley Dunlap من “جامعة أوكلاهوما” The University of Oklahoma اعتبر أن “التشكيك في ظاهرة الاحتباس الحراري ناتج عن عمل مجموعات محافظة وشركات عملاقة على خلق حالة من الإنكار” لنتائج الأبحاث العالمية.
ولم يكن خافيا في يوم من الأيام، ومنذ “قمة الأرض” التاريخية في ريو دي جانيرو (البرازيل) 1992 دور اللوبيات المالية في عرقلة مفاوضات المناخ، وهذا ما شهدناه مؤخرا في أروقة مؤتمر COP22 الأخير في مدينة مراكش المغربية أواخر العام الماضي، وتمثل في حالة الإنقسام بين ممثلي حكومات الدول والقطاع الأهلي والجمعيات البيئية العالمية.
إلا أن ما يثير الاهتمام ما تناقلته اليوم السبت 11 شباط (فبراير) 2017 تقارير أكدت أن نحو خمسين شركة أميركية منحت اللوبيات العاملة لصالحها في واشنطن 716 مليون دولار، من أجل التأثير على قرارات الحكومة بما يخدم مصالحها.
هوية الشركات
ورغم أن المبلغ قد يبدو ضخما لكنه أقل مما اعتادت الشركات على إنفاقه بعدما تمكن باراك أوباما من الحد من أعمالها، ومن غير المعلوم ما إذا كانت تراجعت في إنفاقها حقا أو أنها تنفق في السر بلا تصريح، بحسب صحيفة الـ “هفنغتون بوست” الأميركية.
وبحسب “مركز السياسة المستجيبة” Center for Responsive Politics، ومقره واشنطن، فإن هذا الرقم يشكل ربع ما تم إنفاقه من قبل كل اللوبيات مجتمعة في العام 2016.
وأوضح التقرير هوية الشركات التي خصصت هذه الميزانيات الضخمة من أرباحها لواشنطن، مقابل ضمان مصالحها في باقي أنحاء أميركا، وهي غرفة التجارة الأميركية، الرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين، “بلو كروس بلو شيلد”، جمعية المستشفيات الأميركية، ومركز أبحاث وصناعة الدواء، ومن الشركات الأخرى أيضا الجمعية الطبية الأميركية، وبويبنغ، والرابطة الوطنية للمذيعين، وشركة الاتصالات AT & T، وجمعية المائدة المستديرة للأعمال.
وبحسب الـ “هفنغتون بوست”، تعين هذه الشركات خبراء ومحامين للتأثير على قرارات الحكومة، إما لتوسيع مصالحها أو حمايتها من القوانين الجديدة، ولدعم أجنداتها وتشكيل سياسة الإدارة الأميركية.
ورغم أن عمل هذه اللوبيات يثير استياء الجمهور الأميركي ووسائل الإعلام، إلا أن الدستور الأميركي يحمي عملها من منطلق أنها تصب في خانة “حرية التعبير وطريقة أخرى للتجمع ومطالبة الحكومة بأمر ما”.
لكن الأموال الضخمة التي تنفق في هذا المجال تجعلها عرضة لمراقبة شديدة وانتقاد كبير، وأي اختراق للقوانين أو تلاعب بها تكون نتيجته السجن. ولا يقتصر الأمر على الشركات الأميركية والمصالح المحلية، إذ تلجأ دول أجنبية وشركات متعددة الجنسيات لتوظيف خبراء وقانونيين أميركيين للدفع باتجاه مصالح هذه الأطراف.
وغالبا ما يستهدف هؤلاء أعضاء الكونغرس، لكن عملهم يبدأ حتى في المجالس البلدية المحلية. وذكر تقرير لصيحفة “ذا نايشن” أن عمل اللوبيات ينتج صناعة تقدر بـ 9 مليارات دولار سنويا.
يتمحور العمل على إقناع المشرعين من خلال تقديم أبحاث وبيانات ومعلومات، وحضور جلسات استماع تحت القسم وتعريف مسؤولي الحكومات وممثلي الشركات بشأن القضايا الهامة. كما من ضمن مهامهم شن حملات إعلامية وإعلانية للتأثير على قادة الرأي.
غالبا ما يعمل في هذا القطاع طلاب جامعة حائزون على شهادات عليا. يبدأون بالعمل في مبنى الكابيتول داخل الكونغرس ويجب أن يتمتعوا بمقدرات تواصلية خارقة ومعرفة متمكنة من العملية التشريعية وكذلك الصناعات التي يعملون باسمها.
لا يوجد تخصص جامعي يدرس قواعد هذا العمل، ولكن تؤمن مجالس الشؤون الحكومية للولايات برنامجا تدريبيا لتحسين معرفة الراغبين بالقوانين وأصول المهنة.
يوجد حوالي 12 ألف عامل مجموعة ضغط في أميركا، يجبرهم القانون على تسجيل أسمائهم والإفصاح عن الأموال التي يتقاضونها، وهنا مربط الفرس، فمنهم من يصرح ومنهم من يتلاعب بالتقارير الضريبية عبر إيجاد مخارج قانونية وناشطات جانبية تسجل تحته كميات الأموال الطائلة.
ابتكر مصطلح “لوبي” الرئيس الأميركي السابق يوليسس غرانت نتيجة لقاءاته العديدة في لوبي أو غرفة انتظار فندق “ويلارد” الشهير.
الصناعات الأكثر تأثرا وتأثيرا
وفقا لأرقام العام 2016 التي أفصح عنها مكتب مجلس الشيوخ للسجلات العامة، هذه أكثر الشركات والقطاعات إنفاقا على اللوبيات:
القطاع الطبي والعلاجي: 63168503 دولار
التأمين: 38280437 دولار
الكهرباء: 33551556 دولار
جمعيات الأعمال: 32065206 دولار
النفط والغاز: 31453590 دولار
صناعة الإلكترونيات والأجهزة: 28489437 دولار
الاستثمارات: 25425076 دولار
المستشفيات ودور الرعاية: 23609607 دولار
النقل الجوي: 22459204 دولار
خبراء الصحة: 22175579 دولار
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقع قرارا تنفيذيا يهدف لتخفيف ما أسماه “الباب المتحرك” بين القطاع الحكومي والخاص، ولكن قلة قليلة تتوقع أن يتضاءل عمل هذه اللوبيات تحت الإدارة الجديدة.
وتعكس الأرقام المذكورة أعلاه عدم نية هذه الشركات التحفيف من إنفاقها، خصوصا بعد انتهاء حكم أوباما، الذي اتجهت سياسته نحو حماية البيئة ومكافحة الاحتباس الحراري ولو على حساب شركات النفط الكبرى وغيرها من الصناعات. وحاليا يعد ترامب بإرخاء القيود لأميركا الصناعية والتجارية و”إعادة المجد” لها جديد من، ما قد يعني ظهور لاعبين جدد في ساحة الكابيتول.