ضربت في العقود الاخيرة أمراضٌ سارية بشكل انفجاري دولاً عدة، فأصابت الملاريا دولاً في أميركا اللاتينية، وحمى الوادي المتصدع أقاليم في شرق أفريقيا، واجتاحت حمى الضنك مدن تايلاند، فيما انتشرت متلازمة “فيروس الهانتا الرئوي” في جنوب غرب الولايات المتحدة، والكوليرا في بنغلاديش.
ولعل انبعاث غازات الاحتباس الحراري التي يتسبب بها الإنسان (الكربون، الميثان وأوكسيد النيتروز)، جعلت الغطاء الطبيعي المكون من غازات الاحتباس الحراري والذي يُبقي على كوكب الأرض دافئا بدرجة تكفي للحياة، كما نعرفها، أكثر سُمكًا، وذلك باختزانه السخونة مسبباً ما يدعى الإحتباس الحراري، وتغيرات مناخية، ذات تأثيراتٍ رهيبة على المحيط الحيوي ككل وعلى الانسان بشكل خاص.
وللتغيرات المناخية دور مهم في زيادة المخاطر على صحة البشر، فقد لاحظ العلماء أن التعرض لمناخ غاية في البرودة والحرارة له علاقة مباشرة بانتشار الأمراض والوفيات مقارنة مع درجات حرارة المعتدلة.
تعاظم قدرة الحشرات
ويكمن قلق خبراء الصحة في العالم في نشوء بيئات جديدة غالباً ما تكون مرتعاً لنمو طفيليات وبكتيريا تتسبب بانتشار امراضٍ لم تكن أصلاً موجودة قبل حدوث التغير المناخي، فالسيول والفيضانات وتلوث الماء والهواء، وارتفاع درجات حرارة البحر، وزيادة رطوبة التربة، وانتشار التصحر مقابل انحسار الغطاء الاخضر، ليست سوى موائل حية لملايين الجراثيم والبكتيريا والطفيليات والحشرات التي تسبب وتنقل أمراضاً سارية.
وقد وجد العلماء أن ارتفاع درجات حرارة الجو، ورطوبة الترب، في بعض الأقاليم من الكوكب، قد زاد بشكلٍ ملحوظ من معدلات تكاثر البعوض بمختلف أنواعه، ويفتح شهيته لامتصاص دماء البشر والحيوانات، ويطيل من موسم التزاوج والتكاثر، كما حصل في أقاليم جديدة بقارتي آسيا وأفريقيا، حيث انتشرت أوبئة ومنها الايبولا، وحمى الضنك، ويعتبر بعض انواع البعوض شديد الحساسية للتغيرات المناخية، فبعوض الأنوفيلة، مثلاً، والذي ينقل مرض الملاريا، ويقتل سنوياً، ما يقارب من نصف مليون انسان، ظهر مؤخراً في بلدان لم يكن أصلاً موجوداً فيها. وهناك مثال آخر، كالبعوضة الزاعجة المسببة لحمى الضنك، فقد انتشرت هي الأخرى في أقاليم جديدة لم تكن أصلاً موجودة فيها.
فالمعادلة هي كالآتي: الاحتباس الحراري الذي يصيب الكوكب يؤدي في النهاية إلى تعاظم قدرة الحشرات وخصوصا البعوض على نقل أمراض مثل (الملاريا – الضنك – حمى غرب النيل – الزيكا – حمى الوادي المتصدع – الحمى الصفراء) وبعض الامراض الاستوائية.
في حين أن ارتفاع درجة حرارة مياه المحيطات، الناتج عن الاحتباس الحراري في المناطق الشمالية (القريبة من آلاسكا) جعل منها بيئة مناسبة، لنوع خاص من البكتيريا، يسبب النزلات المعوية الحادة Vibrio parahaemolyticus gastroenteritis. وهذا الميكروب يصل الى الانسان، عند تناوله للمحار البحري، أي ان التغيرات المناخية قد خلقت بيئة ملائمة لنمو وازدهار هذا الفيروس في أماكن لم تكن تناسبه سابقاً بسبب برودة مياهها.
د. نصار: انواع جديدة من الامراض
ويقول خبراء الصحة أن الجفاف وفقدان مصادر العيش الضرورية لاستمرار حياة البشر في منطقة معينة، يؤدي بالناس الى الهجرة من مكان لآخر، الامر الذي قد يتسبب في انتقال أمراض معدية، ولعل أوضح مثال على ذلك ما يحدث الآن في سوريا، حيث ظهرت أمراض في مناطق لم تكن موجودة فيها سابقاً، ويقول الدكتور نزار نصار لموقع greenarea.info أن “ما يسمى مرض اللشتمانيا أو (حبة حلب) التي تنتقل بواسطة ذبابة الرمل كان سابقاً محصوراً في محافظة حلب وريفها، أما اليوم فهي منتشرة في ريف محافظات أخرى مثل حماة، حمص وطرطوس نتيجة وجود بيئة ملائمة لتكاثر ذبابة الرمل، التي تنقل هذا المرض”.
واضاف الدكتور نصار: “إن مثل هذه البيئات لم تكن متوفرة في السنوات السابقة، وبالتالي، فإن مثل هذه البيئات الجديدة قد تتسبب بخلق انواع جديدة من الامراض”.
أما تقديرات منظمة الصحّة العالميّة، فتقول أن “التغيّر المناخي أدى إلى فشل زراعة المحاصيل (القمح، الذرة، الارز…إلخ) وسوء التغذيّة، ما تسبب بتحديد مستوى الحصة الغذائية للافراد في منطقة معينة، وكمية تدفق الاشعة فوق البنفسجية، وبالتالي تحديد مدى قوة الجهاز المناعي عند فئة معينة من البشر، وانتشار الاوبئة، وتغير حركية الامراض السارية ما تسبب بوفاة أكثر من مئة ألف إنسان سنوياً على مستوى العالم.
وإن لم تتضافر جهود كل الأمم، فإن الاحتباس الحراري سيؤدي الى كوارث فظيعة تودي بحياة الملايين من البشر على امتداد كوكبنا.