ترافق صدور قرار قضاء العجلة في بعبدا بإقفال “مطمر الكوستابرافا” اواخر شهر ايار (مايو) 2017، اي بعد اربعة اشهر من صدور قرار المحكمة، مع تسريبات تشير إلى ان فريقا برئاسة وزير البيئة طارق الخطيب يعد خطة متكاملة وجديدة لإدارة النفايات المنزلية الصلبة، وان هذه الخطة سترفع فور جهوزها إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وتكون في عهدته، على ان يتخذ الرئيس قرار عرضها على مجلس الوزراء في الوقت المناسب.
واذا كان من المبكر حسم مسألة إقفال “مطمر الكوستابرافا” بانتظار قرار محكمة الاستئناف، وما اذا كان القاضي سيتخذ قراراً صريحاً بوقف تنفيذ قرار قاضي العجلة، فإن “الحلول المؤقتة” لملف النفايات الموروث عن الحكومة السابقة، والمتمثل بقرار إنشاء المطامر الشاطئية في برج حمود والشويفات، يفترض ان يُواجه من قبل الحكومة الحالية بدينامية عالية والشروع الفوري في إقرار المناقصات الطويلة الاجل التي يفترض، في حال نجاحها وتلزيمها وتنفيذها ان تستغرق ما لا يقل عن ١٨ شهراً على اقل تقدير، وصولاً إلى ٤٨ شهراً في حال إطلاق مناقصة عالمية لتحويل النفايات إلى طاقة، وهذه المهلة قد استنفد نصفها تقريباً، وبالتالي، فإن الطاقة الاستيعابية للمطامر الحالية بدأت تستنفد سريعاً، ولا تزال نفايات غالبية قرى وبلدات قضاءي الشوف وعاليه في الطرقات، ولم يتم ايجاد حل لها منذ قرابة الـ ١١ شهراً!
اي خطة يعد وزير البيئة؟ وما هي معالمها؟ يصر الوزير الخطيب على عدم تسريب ماهية الخطة التي تعدها مجموعة من مستشاريه، علماً انه ابلغ رئيس لجنة البيئة النيابية أكرم شهيب، أنه على استعداد لعرضها امام اعضاء اللجنة في اجتماع سيعقد الاسبوع المقبل.
تشير المعلومات ان هناك اكثر من خطة مطروحة على الطاولة. فمن جهة هناك خطة يعدها الموظف السابق في منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية علي يعقوب، بالتنسيق مع مدير عام وزارة البيئة بيرج هاتجيان. ولقد اقنع يعقوب وزير البيئة بالتوقيع على طلب تفويض للحصول على قرض دولي حول إدارة النفايات المنزلية الصلبة من “الصندوق الاخضر للمناخ” بمساعدة “لامم المتحدة للبيئة”، وبالاتفاق مع مدير عام الوزارة بيرج هاتجيان، دون ان يتم الاعلان عن ماهية هذا المشروع وما سيرتبه من أعباء ماليه على الدولة اللبنانية!
وكان “الأمم المتحدة للبيئة UNE” قد اختار في شهر تشرين الاول (أكتوبر) الماضي، مستشارين لبنانيين (بالإضافة إلى الاجانب)، الدكتور علي يعقوب (مستشارا تقنيا) والزميل حبيب معلوف (مستشارا اعلاميا)، بهدف مساعدة الحكومة اللبنانية في وضع استراتيجية لادارة النفايات في المرحلة المستدامة.
وفي حين هناك إيحاء ان كلا من يعقوب ومعلوف يعدان استراتيجية واحدة، يؤكد الاخير لـ greenarea.info ان الأمم المتحدة للبيئة ابلغت من يعنيه الأمر، ان لا علم ولا علاقة لها بالخطة التي يعدها يعقوب مع فريق الوزير، وان مهمة الـ UNE اقتراح خطة استراتيجية طويلة الأمد، وليس معنيا بالحلول المؤقتة والطارئة.
واضافة إلى “الالتباس” والازدواجية في مهمة علي يعقوب بصفته مستشار الوزير، ومستشار الأمم المتحدة للبيئة في نفس الوقت، يتبين ان هناك التباسا آخر يتعلق بدور وصفة رئيس لجنة البيئة في التيار الوطني الحر الدكتور لطف الله الحاج، والذي يشدد على لامركزية الحل، وعلى ضرورة العودة إلى مرسوم ترتيب الأراضي وقانون حماية البيئة كمدخل لاي خطة مقترحة. ويعرف الحاج عن نفسه بصفته مستشار وزير البيئة، لكن المعلومات تؤكد، ان الفريق الاكثر سطوة وحضورا في الوزارة، هو الفريق الذي يترأسه يعقوب بدعم من هاتجيان. كما تشير المعلومات إلى ان رئيس مصلحة البيئة السكنية في الوزارة بسام صباغ، يعمل بدوره على إعداد خطة تتعلق بالنفايات، وسوف يقدمها إلى الوزير فور جهوزها، وبذلك نكون امام مجموعة من الخطط والاستراتيجيات واوراق العمل، وليس هناك معلومات مؤكدة حول ما سوف ينتج عنها ضمن ورقة موحدة، ترفع إلى رئيس الجمهورية.
بناءً عليه، هل سيخرج علينا وزير البيئة بعد ايام بخطة مشبعة بالادبيات المتعلقة بإدارة النفايات من الهرم إلى الفرز من المصدر، مروراً باللامركزية وإشراك البلديات، وصولاً إلى ما يسمى الحلول البيئية المستدامة؟
لكن هذ النص – الوثيقة الذي سيطلق عليه تسمية “خطة” سينضم إلى سابقاته من الخطط التي باتت تثقل أدراج الوزارات والمقرات الرئاسية، لدرجة اننا بتنا لا نميز بين “خطط النفايات ونفايات الخطط”!
وتشير المعلومات إلى ان الخطة التي ستقدمها وزارة البيئة “تطمئن اللبنانيين بأن النفايات لن تعود إلى الشارع بعد 4 اشهر، وتتضمن طمر ما لا يتجاوز 300 طنا من النفايات بدل طمر 2400 طنا كما يحصل في برج حمود والكوستابرافا، وهو حل متكامل يستفيد من مقدرات الدولة ويؤمن إدارة جيدة لملف النفايات”. في المقابل ترجح المعطيات ان هذه الخطة سوف تؤكد على خيار حرق النفايات كأحد الحلقات الاساسية في ادارة النفايات، الامر الذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى انهيار منظومة الفرز والمعالجة لصالح الحرق.
والمقلق فعلاً، ان كتلة راجحة في فريق رئيسي الجمهورية والحكومة النيابي والوزاري متحمسة لموضوع المحارق، وتروج لها، والامر نفسه ينسحب على بقية الافرقاء من وزراء حزب الله إلى حركة أمل مروراً بالوزير سليمان فرنجية وبقية الافرقاء، ولا يشذ فريق القوات اللبنانية عن هذه المعادلة. وهؤلاء جميعاً لم يقبلوا ان تقر خطة المطامر السابقة، إلا بعد ان وافق مجلس الوزراء على تكليف “مجلس الانماء والاعمار” اطلاق مناقصة التفكك الحراري التي توقفت لاحقاً.
ما الذي استجد؟ وهل للموضوع علاقة مباشرة بدفتر الشروط الذي يجري اعداده في مجلس بلدية بيروت لإطلاق مناقصة جديدة؟ وهل ثمة صفقة فعلاً ستفضي إلى تلزيم احد المقربين من الرئيس الحريري هذه المناقصة؟
في المحصلة ستكشف الايام المقبلة عن ماهية الخطة التي سيطرحها وزير البيئة، وما اذا كانت تمس في الجوهر المناقصات السابقة فتعدلها او تلغيها او تكرسها.