يبلغ طول أكبر نهر في الصفيحة العربية، وثاني أطول أنهار الوطن العربي بعد النيل، حوالي 2900 كلم، منها حوالي 610 كلم في سوريا، في حين يصل أقصى عرض له إلى أكثر من 2 كيلومتر متر عند مصبه في شط العرب.
في بداية سبعينيات القرن الماضي بنى العمال السوريون، بإشراف خبراء من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق على نهر الفرات العظيم، أكبر مجمع مائي في سوريا، وأهم مصدر من مصادر توليد الطاقة الكهربائية، سد ردمي عملاق، يقع على نهر الفرات قرب مدينة الرقة، بطول اربعة كيلومترات ونصف الكيلومتر، بارتفاع أكثر من ستين متراً، في حين تبلغ سماكة جسم السد من الأسفل حوالي 900 متر، ومن الأعلى نحو 200 متر، يوجد في جسم السد، ثماني “عنفات” يكمن دورها الرئيسي في توليد الطاقة الكهربائية، قدرة كل منها مئة ميغاواط، تنظم دخول المياه، ولكل واحدة منها بوابة حديدية ضخمة، والى جانب السد بُنيت منشآت ومحطات تحويل ومحطة كهرومائية لتوليد الطاقة الكهربائية، وتحويل مجرى النهر، والعديد من المولدات الكهربائية ومجموعات التوليد الكهرومائية، أما البحيرة التي تشكلت خلفه فتحتجز ما يقارب الــــ 14 مليار مترا مكعبا من المياه.
تسيطر “داعش” على السد منذ عام 2014، ومنذ ذلك الوقت تهدد تلك الفصائل بتفجير السد، كما اعلنت انها فخخت قاعدة السد بأطنانٍ من المتفجرات المخصصة لتفجير السدود (تحتاج هذه العملية الى خبراء متفجرات)، هذا فيما يقول الخبراء أنه بمجرد فتح العنفات كلها سوية سيؤدي ذلك الى كارثة، وان تهديد تلك المجموعات يجب ان يؤخذ على محمل الجد.
في تصريح لــ greenarea.info يقول خبير السدود المهندس يحيى ماعود: “ليس بالضرورة تفجير السد وتدميره بشكل كلي لكي تحدث الكارثة، وتفنى الحياة البرية في منطقة الفرات السوري، وينقرض التنوع البيئي الفراتي الغني جداً، والذي يزخر بآلاف الكائنات الحية من نباتات وحيوان، بل يكفي فتح العنفات كلها دفعة واحدة، ليهدد ذلك البيئة الفراتية بالموت الحقيقي المحتم”.
ويضيف ماعود قائلاً: “أما تفجير السد فسيؤدي الى تكون موجة ارتفاعها الوسطي حوالي عشرة أمتار، سرعتها تتجاوز السبعة أمتار/ثانية، بحيث تغطي مساحة تقارب الـ120 كيلومتراً مربعاً، وسيستمر هذا الطوفان لمدة اسبوعين” .
نتائج الكارثة المدمرة ستغرق مدينة الرقة (تبعد عن السد 55 كيلومترا) كاملةً بسبب ارتفاع منسوب المياه إلى 15 متراً، كذلك سيكون مصير مدينة دير الزور (تبعدعن السد 185 كيلومترا) والبوكمال (تبعد عن السد حوالي 350 كيلومترا) الغرق، حيث يتوقع ارتفاع مياه النهر أكثر من أربعة أمتار، ذلك بالإضافة الى غمر مئات القرى وتدميرها بالكامل، إضافة الى تدمير مدن رئيسية مثل: الميادين، جرابلس والثورة (الطبقة) لتصل مساحة الاراضي الغارقة والمدمرة بفعل الكارثة أكثر من خمسين ألف كيلومتر مربع، أي ما يعادل ثلث مساحة سوريا، مشردةً بذلك أكثر من ثلاثة ملايين انسان.
سيطاول التدمير الناتج عن الطوفان الفراتي، التنوع الحيوي في الفرات السوري، بدءاً باختفاء الحويقات (جزر صغيرة موجودة في الفرات تكون غالباً نماذج حية للتنوع الحيوي)، وظهور أشكالا أخرى للحياة البيئية (قد تولد مشوهة)، وصولاً الى انتشار الأوبئة والامراض في تلك المناطق، نتيجة الرطوبة العالية التي سيتركها الفيضان في الترب والتي ستشكل بيئات نموذجية لنمو آلاف الأنواع من البكتيريا والطفيليات، فيما يتوقع خبراء البيئة أن آثار الدمار قد تصل حتى الرمادي.
الخطر على التنوع الحيوي داهم، طالما لا يزال السد في مرمى نيران أطراف الحرب الدائرة في سوريا، ولعل تحذير منظمة الأمم المتحدة اليوم من إنهيار وشيك كارثي للسد فيما لو استمرت القذائف بالسقوط في محيط السد، هو بمثابة دق ناقوس الخطر في البيئة الفراتية… فهل من مجيب؟