فيما شهدنا قبل أسابيع عدة اعتداءات طولت السلاحف البحرية في مدينة الإسكندرية، تمثلت في عرض عدد منها للبيع في مزاد علني، ذبح اثنين منها طلبا لدمائها ولحمها، وسط اعتقادات وموروثات لا تمت إلى العلم بصلة، كان ثمة مشهد آخر اليوم، تمثل في حماية السلاحف وإعادتها إلى بيئتها الطبيعية في البحر، ما يؤكد أنه إلى جانب الممارسات المسيئة للبيئة ثمة وعي يتنامى بفضل ناشطين بيئيين محليين، فضلا عن دور السلطات المحلية الحامية للتنوع الحيوي في حدود إمكانياتها.
تجدر الإشار في هذا المجال، إلى أن مصر وقعت على معاهدة التجارة العالمية لأصناف الحيوان والنبات البري المهدد بالإنقراض “سايتس” CITESفي العام 1975، وعلى العديد من الاتفاقيات العالمية التي تمنع الاتجار وصيد الحيوانات المهددة بالانقراض بهدف حمايتها، وبحسب قانون البيئة المصري رقم 4 عام 1994، ووفقا للمادة 28، فإن عقوبة من يتم ضبطه وهو يصطاد أو يبيع السلاحف تصل للسجن 3 سنوات وغرامة مالية من 5 آلاف إلى 50 الف جنيه، ومصادرة الحيوانات واعادة اطلاقها في بيئتها الطبيعية.
خطورة المفاهيم اللاعلمية
تسود حتى الآن موروثات شعبية وعادات غير مقبولة علميا، صحيا وإنسانيا، وهي تروج لمفاهيم خاطئة بأن السلاحف البحرية (لحما ودما) تمد الانسان بالطاقة الجنسية والقوة، ولطالما فتحت شهية التجار والباعة في الاسواق لصيد هذه الحيوانات البحرية المعرضة للانقراض والمحمية دوليا وعرضها للبيع وإن خلسة، وبطريقة مخالفة للقوانين بهدف الاستفادة ماديا، ولذلك، تقع على شرطة المسطحات المائية مسؤولية التنسيق مع جهاز البيئة، من أجل تنظيم حملات دورية على الاسواق وضبط المخالفات المتعلقة بالاتجار غير المشروع بالحيوانات المهددة بالانقراض، ورغم ذلك ما زالت التجاوزات مستمرة، وكذلك عمليات الصيد غير المشروع لهذه الكائنات وعمليات بيعها في الاسواق وعرضها علانية احيانا وخلسة احيانا اخرى، حتى انه وصل موقعنا greenarea.info و“جمعية Green Area الدولية” في احدى المرات فيديو يوثق عملية بيع سلاحف في مزاد علني، وهذا الامر الخطير ان دل على شيء فعلى تقاعس من قبل الجهات المسؤولة، ويؤكد أيضا مدى خطورة المفاهيم اللاعلمية التي تسيطر على الانسان.
في السنوات الثلاث الاخيرة برز في مصر، وفي مدينة الاسكندرية تحديدا فريق ناشط في مجال حماية الحيوانات وعلى وجه الخصوص السلاحف البحرية منها، هذا الفريق الذي تواصلنا معه يعمل بأقل القدرات والإمكانيات لحماية هذه السلاحف من انتهاكات طاولتها بسبب عادات وموروثات يحركها الهوس الجنسي والخرافات والسحر والشعوذات التي يصدقها البعض، وهي طبعا عارية عن الصحة وبعيدة عن الحقيقة العلمية.
فريق إنقاذ السلاحف والحياة البرية
الناشطة البيئية المصرية مي حمادة قالت لـ greenarea.info: “نحن فريق إنقاذ من خمسة اشخاص (الاساسيون منهم أنا مي حمادة، باربرا غرين وعامر محمود)، اطلقنا على انفسنا اسم “فريق إنقاذ السلاحف والحياة البرية” نعمل على انقاذ الحيوانات ونشر التوعية منذ ثلاث سنوات، قمنا حتى الآن بإنقاذ 38 سلحفاة، ومؤخرا أنقذنا قطتين بريتين وثعلبا، واصدرنا الآلاف من المطبوعات واطلقنا عشرات حملات التوعية لكل الفئات في المجتمع، يعاوننا احيانا وينضم لمساعدتنا متطوعون في عمليات إطلاق السلاحف“.
وأثنت حمادة على عمل “شرطة المسطحات” و“جهاز البيئة” اللذين أبديا تعاونا كبيرا معنا خلال معظم عمليات الاطلاق التي قمنا بها، وقالت: “نحن نعمل بمجهود وتمويل ذاتي، وأحيانا نقيم معارض نخصص ريعها للسلاحف، بعض عمليات استعادة السلاحف من الاسواق الى البحر كانت تتم بعد ان يعيدها لنا التاجر، احيانا بالتفاوض على بدل مادي، اي اننا نشتريها من جيبنا الخاص لنعيد اطلاقها في بيئتها، واحيانا يقتنع التاجر ويعيدها ويعدل عن فكرة ذبحها والمتاجرة بدمها ولحمها دون أي مقابل“.
حمادة: التأسيس لمستقبل أفضل
أما عن خبرتها في المعالجة والتعامل مع السلاحف وبعض الحيوانات، قالت حمادة: “اكتسبت خبرتي المعرفية في عالم الحيوان من تربية الحيوانات والقراءة عنها منذ الصغر، وكنت ارافق والدي الى عيادته واساعده في الاعمال الطبية ما أكسبني خبرة ومضاعفة معلوماتي الطبية، كما أن أصدقائي البيطريين غالبا ما يقدمون لي المشورة والعون عندما أعرض عليهم أياً من هذه الحالات، فضلا عن زياراتي المتكررة لهم وتمضية اوقاتي معهم في العيادات، كل ذلك ساعدني لأكتسب المزيد من الخبرة“.
وأضافت حمادة: “أقوم بعمل خاص منفصل عن الفريق ايضا، وهو اعطاء دورات تثقيفية مجانية للمدارس، مع ما تتضمنه من اعمال فنية ومطبوعات، وهذا العمل ساهم في نشر وعي بيئي لدى الجيل الجديد، ونال اعجاب الكثير من المدارس ودور الايتام ومكتبة الإسكندرية والمراكز التعليمية التي قصدتها“.
حمادة ومن خلال عملها، تؤكد ان هدفها وفريقها يحمل عدة رسائل للمجتمع أولها الرحمة بجميع المخلوقات ثم المحافظة على البيئة كما خلقها الله، بالاضافة الى التأسيس لمستقبل أفضل من أجل الاجيال القادمة، وفي سبيل المحافظة على إستدامة الحياة الطبيعية والمخلوقات البرية والبحرية.
وشددت حمادة على أن “التوعية اهم من الانقاذ لأن من شأنها نشر حالة ثقافية في المجتمع لأكبر عدد ممكن، ما يساهم لاحقا في حماية وتقدير أهمية المواطن لبيئته، كما ان الانقاذ محدود بالعدد من حيث إنقاذ بعض الحالات، أما التوعية فمن شأنها ان تصل لأكبر عدد من الناس ما يساهم لاحقا في تحقيق أهدافنا“.
التجاوب والوعي
وقالت حمادة: “نحن كفريق نؤكد رفضنا للتجاوزات التي تتعرض لها السلاحف عبر ترجمة مواقفنا إلى خطوات عملية بالتحرك لإنقاذ السلاحف، وإعادتها الى البحر بعد تحريرها من التجار الذين يعرضونها، كما اننا نقوم بعلاج البعض من هذه السلاحف التي تعرضت للإيذاء قبل اعادتها الى البحر، ومؤخرا وخلال اقل من شهر واحد قمنا بعمليتي اطلاق لسلاحف يذكر منها عملية اطلاق لخمس سلاحف بحرية وثقناها بالصور والفيديو، تمكنا من استعادتها من السوق بعد دفع ثمنها من جيبنا الخاص، وكان عددها سبعة الا ان اثنتين منها ذبحتا قبل ان نتمكن من انقاذها، كما تمكنا ايضا من اطلاق سلحفاة بالتعاون مع شرطة المسطحات (النقيب عصام الروبي) وجهاز البيئة (الدكتور محمد جميل بناء على تعليمات الدكتورة هدى مصطفى رئيس جهاز البيئة) الذين قاموا بمصادرتها ضمن عمليات التفتيش الدوري التي يقومون بها، وجاء ذلك بعد مبادرتهم بالاتصال بنا والتنسيق معنا لخبرتنا في عمليات الاطلاق، وقد بدت السلحفاة بحالة صحية جيدة، وما احتاجت لأي تدخل علاجي او اعادة تأهيل“.
وختمت: “قمنا باختيار مكان وزمان إعادتها للبحر، والجدير بالذكر هنا ان البعض من المواطنين كانوا قد بادروا لمساعدتنا وابدوا اهتماما لما نقوم به، وهذا مؤشر جيد على التجاوب والوعي لدى الناس“.