أقصر الطرق للتهرب من معالجة مشكلة ما، عدم الاعتراف بوجودها، أو التقليل من حجم نتائجها، وهذا ما طالعنا به يوم أمس الجمعة 17 شباط (فبراير) وزير الطاقة البولندي كرزيشتوف تشورزفسكي Krzysztof Tchórzewski، حين دعا إلى “عدم الاستسلام للغوغائية” في موضوع تلوث الهواء، نافيا أن يكون التلوث سببا في أن يعيش الناس حياةً أقصر!
الوزير البولندي يقر بتغير المناخ كحقيقة علمية، لكنه يؤثر التعمية حيال ما ينتج عنه من آثار على الصحية والبيئة وكافة أشكال الحياة على الكوكب، خلافا للرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يرى في تغير المناخ “خدعة صينية”، لكن في النتيجة نجد تراخيا من قبل الحكومات في مجال التخلي عن مصادر الطاقة التقليدية، أو الأحفورية، خوفا من أن يكون لهذا الأمر تداعيات تطاول اقتصاداتها.
صين أوروبا
وبالعودة إلى الوزير تشورزفسكي، فقد بدا في تصريحه الأخير وكأنه يريد تبديد هواجس البولنديين حيال تلوث الهواء، معتبرا أن “التلوث لا يقصَر أعمار الناس”، رافضا الاعتراف بحجم المشكلة التي تواجهها بلاده بشأن جودة الهواء، وهي مشكلة متنامية في بلد بات يعرف باسم “صين أوروبا” China of Europe، بالرغم من أن هذه التسمية فيها افتئات على الصين الساعية إلى تكريس سياسات بيئية واضحة، معترفة جهارا بالتلوث، وتواجه الضباب الدخاني الناجم عن المصانع وعوادم السيارات بإجراءات قاسية، فضلا عن ما حققته في مجال التحول نحو الطاقة النظيفة.
وبحسب ناشطين في مجال حماية البيئة، ففي بولندا أسوأ وأقذر هواء على مستوى القارة الأوروبية ولحظوا أن من بين أسباب تلوث الهواء، قيام البولنديين، على نطاق واسع، بحرق الفحم والنفايات، ويقولون أيضا إن التلوث يؤدي إلى أكثر من 40 ألف وفاة مبكرة في بولندا سنويا.
وهذه المشكلة تطاول مدنا، مثل: وارسو، كاتوفيتش وكراكوف وهي الأكثر تأثرا من ظاهرة الضباب الدخاني هذا الشتاء، وكثيرا ما تأتي في قائمة المدن العشر الأكثر تلوثا في العالم متخطية بكين أو نيودلهي.
سبعة ملايين وفاة
تجدر الإشارة إلى الحكومة البولندية المؤيدة لاستخدام الفحم، تسير بسرعة السلحفاة في معالجة هذه المشكلة، بحيث تحاول المدن عبر مجالسها المحلية إلى التخفيف من حجم المشكلة بشكل فردي، وتتخذ إجراءات استثنائية، مثل إغلاق المدارس وتقديم مواصلات عامة مجانية، لا بل أبعد من ذلك، إذ تطالب المواطنين بالبقاء داخل منازلهم كتدبير احترازي.
وهنا جاء موقف وزير الطاقة كرزيشتوف تشورزفسكي Krzysztof Tchórzewski ملتبسا، حين أبلغ مؤتمرا للنقل، قائلا: “دعونا لا نستسلم للغوغائية… التلوث يرتفع أحيانا بسبب مشاكل المناخ، لكن هذا بالتأكيد ليس السبب في أن شخصا ما سيعيش حياة أقصر”!
وفي هذا المجال، تقول منظمة الصحة العالمية World Health Organization إن أكثر من سبعة ملايين وفاة مبكرة تحدث كل عام بسبب تلوث الهواء، وإن ثلاثة ملايين منها سببها نوعية الهواء في الأماكن المكشوفة.
وأرسلت جماعات مدافعة عن البيئة شكوى إلى “المفوضية الأوروبية” European Commission يوم الجمعة الماضي بشأن مستويات تلوث الهواء في بولندا.