يخطىء من يظن أن الإعلام لا يمكن أن يغير في أنماط حياتنا، وفي علاقتنا مع الطبيعة وكائناتها ونظمها الإيكولوجية ومواردها، ويواربُ الحقيقة من يعتبر الإعلام البيئي ترفاً غير ذي أهمية، فالوقائع وتجربتنا كموقع greenarea.info العلمي والبيئي المتخصص تؤكد خلاف ذلك، إذ لا يكاد يمضي أسبوع إلا ويتصل بنا مواطنون يرومون إنقاذ حيوان، أو يبلغون عن سمكة غريبة وافدة، أو سلحفاة عالقة في شباك صياد، أو أخرى نافقة ويريدون معرفة سبب نفوقها، أو طائر مصاب، وغير ذلك من أمور أضحت معها “جمعية Green Area الدولية” مرجعا وملاذا.
لم يصل يوما اهتمام المواطنين بالكائنات البرية والبحرية إلى حد التصريح عن مشاهداتهم، لا بل طلب المساعدة وفضح الممارسات المعتدين المخالفة للقوانين، وهذا دليل إضافي على أن الإعلام يمكن أن يشكل منصة لصالح بلورة وعي عام، ومراكمة ثقافة عامة حيال قضايا بيئية، وهذا بالفعل ما بدأنا نتلمسه في الآونة الأخيرة.
بزيع: لن أتحول الى مجرم
وفي هذا السياق، وصباح السبت 18 شباط (فبراير) 2017، أي بعد مرور أسبوع على عرض موقعنا greenarea.info لقضية الثعلب الذي قضى نهشا بواسطة كلبين (موثقا ذلك بشريط فيديو وصور)، بعد احتجازه من مواطنين في البقاع الغربي، تلقت “جمعية Green Area الدولية” معلومات عبر الناشط البيئي المهندس وسيم بزيع، حين طلب منا كجمعية التدخل لإطلاق ثعلب محتجز في خمّ دجاج في بلدة صديقين الجنوبية، وجاء هذا الطلب بعد مناشدة من صاحب البيت لإخلاء الثعلب بعيدا عن بيته والمنطقة المكتظة بالسكان حيث يقطن.
وعلى الفور توجهنا إلى صديقين في قضاء صور، لنلتقي صاحب المنزل جعفر بزيع (أبو علاء) الذي استقبلنا فرحا، ومؤكدا لـ greenarea.info انه لا ينوي قتله، قائلا: فوجئت بالثعلب، فحاولت إبعاده ليهرب بعيدا، لكنه تسلل الى حديقة جاري الموازية لمنزلي ودخل خمَّ الدجاج، وأقفلت عليه وبادرت إلى الاتصال بكم”.
وأكد بزيع أن “بشاعة المشهد الذي شاهدته في الفيديو الذي وثقتم فيه نهش الكلبين للثعلب وعرضه موقعكم، بدت لناظري في تلك اللحظة التي هرب فيها الثعلب مختبئا في خم الدجاج”، وقال: “لا يمكن بعد اليوم أن أتطاول على الطبيعة وقوانينها وأن أتحول الى مجرم، لذلك لم اقتله لجوعه، ولن اقتل أي روح، أو أي ثعلب آخر يهاجم دجاجاتي، وسأقوم بحمايتها بطرق اخرى”.
من صديقين إلى عاليه
بعد ذلك قادنا بزيع الى مكان الثعلب المحتجز، فبدت عليه علامات الخوف الشديد، فبدأ يتخبط وانتابته نوبات عصبية تشير الى ان وضعه الصحي غير جيد، فوضعناه بمساعدة بعض الاهالي في قفص لنقله الى مكان آخر بعيدا عن البيوت السكنية واطلاقه، لكن تبين على وجود آثار دماء عند أذنه وفي ساقه.
لذلك، تم التنسيق على الفور مع الدكتور منير ابي سعيد رئيس “مركز التعرف على الحياة البرية والمحافظة عليها” The Animal Encounter في مدينة عاليه لاستقباله من أجل معالجته من جراحه، وقامت الجمعية (Green Area) بنقله على الفور الى المركز من صديقين إلى مدينة عاليه، وتم استلامه ومعاينته من قبل أبي سعيد الذي أكد بعد الكشف عليه إصابته بجروح بالغة، فضلا عن وجود “خردق” من طلق ناري من بندقية صيد في أنحاء عدة من جسده.
وقال أبي سعيد لـ greenarea.info: “إن ما تقومون به جدير بالتقدير وهو يتلاقى مع أهداف المركز في حماية الحياة البرية”، وأكد أن “إصابة الثعلب خطرة ولكن سنقوم بما يلزم في محاولة لإنقاذه”.
وأضاف: “إن الثعلب في لبنان ليس على قائمة الحيوانات المعرضة للانقراض، ولكن ذلك يشرع لنا قتله، فالثعلب يمثل حلقة هامة من نظام بيئي متكامل، فهو وإن غزا الدجاج لكنه يتغذى على الجرذان والفئران والعديد من القوارض التي تهدد المواسم الزراعية، ويمكن تفادي ضرره على الدجاج بوضع حواجز وأسوار تمنع تسلله إليها”.
إلا أن مهمتنا هذه المرة لم تفلح في إنقاذ الثعلب، إذ بعد يومين وفي إطار التنسيق مع أبي سعيد، أبلغنا أن الثعلب نفق ولم تجدِ محاولات علاجه وإنقاذه.
ورغم الحزن على فقدانه، إلا أننا شعرنا بنوع من الرضى، إذ اننا فعلنا كل ما بوسعنا لإنقاذه.
