تزور المقررة الخاصة المعنية بحقوق الشعوب الأصلية، فيكتوريا تولي كوربوز (الفليبين) الولايات المتحدة الاميركية، في الفترة الممتدة من 22 شباط (فبراير) لغاية 3 آذار (مارس)، من أجل دراسة حالة حقوق الانسان للشعوب الأصلية في الولايات المتحدة الاميركية، وعلى وجه الخصوص الانتهاكات المرتبطة بالمشاريع المتعلقة بالطاقة والتي تنوي الحكومة الفدرالية تنفيذها، رغم سنوات من الاعتراض الشعبي والسياسي الذي مارسته جمعيات وقبائل الشعوب الأصلية، وعلى الاخص ضد مشروع تمرير أنابيب النفط في ولاية داكوتا الشمالية.

وتصاعدت حملات الشعوب الأصلية في ولاية داكوتا الشمالية وسط غرب الولايات المتحدة الأميركية، بعد وصول الرئيس الاميركي دونالد ترامب الى سدة الرئاسة، ولقد أعلنت الشهر الماضي أنها عازمة على مواصلة رفضها لمشروع مد خط أنابيب نفطية تحت نهر ميسوري يمر عبر مواقع تعتبرها هذه الشعوب مقدسة.

وتجمع أفراد قبيلة “ستاندينغ روك سيو”، في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي في منطقة “كانون بال” استنكاراً لانتهاك القانون الوطني لحماية المواقع التاريخية والبيئة، بحكم أنّ المشروع سيعرض أراضيهم للتلوث ويلحق أضرارا بمواقع ثقافية وتاريخية هامة.

المشروع النفطي المثير للجدل الذي سيعبر أراضي السكان الأصليين سيمتد على طول ألف وسبعمئة وسبعين كيلومترا، بكلفة ثلاثة مليارات وثمانمئة ألف دولار أميركي، لنقل نصف مليون برميل من البترول الخام والغاز الصخري كل يوم من “حقل باكين النفطي” نحو مصافي التكرير بولاية إلينوي.

وقالت المقررة الخاصة كوربوز في تصريح اليوم، من جنيف، مقر المفوضية السامية لحقوق الانسان “سوف أركز خلال زيارتي على الاعمال التي تجري في مناطق استخراج ونقل الطاقة، واقدم توصيات الى الادارة الأميركية الجديدة”.

وسوف تزور المقررة الخاصة، في مهمتها التي تستغرق عشرة أيام: واشنطن، نيو مكسيكو، ويندو روك، اريزونا، بولدر، كولورادو، بسمارك وداكوتا الشمالية. وتلتقي ممثلين عن الكونغرس والقبائل، ومنظمات المجتمع المدني والنشطاء العاملين على قضايا الشعوب الاصلية.

وكانت اولى الخطوات التي قام بها الرئيس ترامب، توقيعه الشهر الماضي على قرارين بالمضي قدماً في تنفيذ مشروعي مد أنبوبي نفط، كان خلفه باراك أوباما قد رفضهما لمخاطرهما على البيئة.

القراران يتعلقان بخط “كيستون اكس ال” النفطي، الذي رفضه أوباما عام 2015، والآخر يتعلق بمواصلة بناء أنبوب “داكوتا اكسس”، والذي اضطر أوباما لوقفه إثر احتجاجات لقبيلة تنتمي للسكان الأصليين.

وتقول المقررة الخاصة كوربوز انها سوف تستطلع بشكل خاص قضية هذين الانبوبين وتأثيرهما على حقوق الانسان المرتبطة بالسكان الاصليين.

وواجه أوباما اتهامات باتباع سياسات راديكالية في مجالي الحفاظ على البيئة ومكافحة التغييرات المناخية، على عكس ترامب الذي ابدى استعداداً لتحفيز الاستثمارات النفطية، وعين مطلع الشهر الحالي ريكس تيلرسون Rex Tillerson وزيرا للخارجية، وهو كان يشغل منصب رئيس مجلس إدارة “شركة إكسون موبيل” النفطية، المتورطة في مختلف الانتهاكات المتعلقة بحقوق الشعوب الاصلية في نطاق عملها، وفي مختلف الولايات الأميركية.

ومعلوم ان الرئيس ترامب شن منذ بدء حملته الانتخابية، حملة غير مسبوقة على وكالة حماية البيئة الأميركية، مستكملاً حملة تشكيكه بالنتائج الكارثية لتغير المناخ، رغم ان هذه النتائج متفق عليها في المجتمع العلمي، والتي تؤكد ان التدخل البشري وتحديداً الاستخدام المفرط للوقود الاحفوري منذ بداية الثورة الصناعية في أوروبا، هو السبب الرئيسي لتغير المناخ.

وهدد الرئيس الاميركي انه سوف ينسحب من اتفاقية باريس للحد من تغير المناخ، الامر الذي سوف يقوض جهود سنوات من الدبلوماسية الدولية، لإلزام جميع دول العالم، اعتماد طموحات وطنية لتخفيض انبعاثات الغازات المسببة للدفيئة.

ويقول الرئيس الأميركي أن بلاده ستتفاوض مع شركتي “ترانس كندا”، التي تطمح إلى مد أنبوب نفطي بطول 1197 ميلاً (أكثر من 1897 كيلومتراً) من البرتا بكندا وحتى نبراسكا في الولايات المتحدة. وكذلك ستتفاوض مع مجموعة الشركات المسؤولة عن أنبوب “داكوتا اكسس” النفطي، وعلى رأسها “إنرجي ترانسفير بارتنرز”، أحد عمالقة الغاز والنفط.

ونهاية العام الماضي، هبت قبيلة “ستاندنغ روك سو”، إحدى قبائل السكان الأصليين، يدعمها في ذلك عدد كبير من المحتجين الذين قدموا من مختلف أنحاء البلاد وكندا كذلك، ضد تنفيذ أنبوب “داكوتا اكسس”، نظرا لمخاطره البيئية.

وكان يفترض أن يمر الأنبوب تحت بحيرة “اوهي”، شمال داكوتا، حيث تعيش القبيلة، التي تعتبر المسطح المائي منطقة مقدسة.

وأجبرت الاحتجاجات فرقة مهندسي الجيش الأميركي، على وقف دعم المشروع، قبل أن يصدر أوباما قراراً بوقفه حتى يتم إيجاد حل بديل لمرور الأنبوب تحت مياه البحيرة.

كما رفض أوباما كذلك بناء أنبوب “كيستون اكس ال” النفطي بعد مفاوضات استمرت 7 سنوات، بسبب ما يمكن أن يخلفه من غازات انبعاثية ضارة بالبيئة.

ومن المتوقع ان تحظى زيارة المقررة الخاصة على اهتمام وسائل الاعلام الاميركية، وهي الثانية من نوعها الى الولايات المتحدة. وكان المقرر الخاص المعني بحقوق الشعوب الأصلية، جيمس أنايا، قد زار الولايات المتحدة في العام 2012، وقدم توصيات عديدة الى الحكومة في ما يتعلق بانتهاكات حقوق السكان الأصليين. وتقول المقررة الخاصة كوربوز انها سوف تستند الى هذه التوصيات لتقصي الحقائق حول الواقع الحالي بعد خمس سنوات على الزيارة الأولى.

ويستنتج المقرر الخاص في تقرير العام 2012 أنّ الشعوب الأصلية في الولايات المتحدة، بمن فيها الهنود الأميركيون وسكان آلاسكا الأصليون وسكان هاواي الأصليون، تشكل مجتمعات محليـة مفعمة بالحيوية أسهمت إسهاماً عظيماً في حياة البلد، ومع ذلك، فإنها تواجـه تحـديات كبيرة مرتبطة بالمظالم التاريخية الواسعة النطاق، بما في ذلك خرق المعاهـدات، وأعمـال القمع، والسياسات الحكومية الطائشة، وهي تحديات تتجسد اليوم في مختلف مؤشـرات الحرمان والعوائق التي تحول دون ممارسة حقوقهم الفردية والجماعية.–

وتشكل التشريعات والبرامج الاتحادية الهامة التي وُضعت ما قبل ولاية أوباما ممارسات جيدة تستجيب بشكل نسبي لمطالب الشعوب الأصلية، بخـلاف الممارسات السابقة للسلطة الاتحادية، القائمة على سياسات طائشة، لكن الامم المتحدة تتخوف من عودة هذه السياسات مع ادارة  دونالد ترامب.

ويطالب المقرر الخاص المعني بضرورة اتخاذ السلطة الأميركية خطوات باتجاه المصالحة مع الشعوب الأصلية، ومعالجة المشاكل المتجذرة المزمنة المتعلقة بالمظالم التاريخية، وسياسات الماضي الفاشلة، والحواجز النظامية التي كانـت ولا تـزال تعترض حقوق الشعوب الأصلية.

ويمثل إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية المرجع الاساسي الذي تستند اليه الأمم المتحدة لتقييم ما يجري، ووضع تدابير جديدة للمضي قدماً نحو المصالحة. وينبغي أن تتخـذ الـسلطة التنفيذيـة الاتحادية، والكونغرس، والسلطة القضائية، وولايات الولايات المتحدة هذا الإعلان الذي يستند إلى توافق واسع في الآراء، وإلى القيم الأساسية لحقوق الإنسان، معياراً في صنع جميع القرارات ذات الصلة.

ومن المقرر ان تقدم  المقررة الخاصة المعنية بحقوق الشعوب الأصلية، فيكتوريا تولي كوربوز، تقريرها الى مجلس حقوق الانسان في أيلول (سبتمبر) 2017.

 

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This