يعتبر القمح أحد أكثر الحبوب الأكثر استهلاكا حول العالم، لا بل هو من أهم الحبوب المزروعة تاريخيا، وهو كان ولا يزال غذاءً لملايين البشر، لكن شاعت مؤخرا، أنباء حول ارتباط القمح بأمراض عدة.
يعتبر بروتين الغلوتين في القمح سببا لأحد الأمراض في الجهاز الهضمي الناتج عن اضطراب مناعي autoimmune disorder لدى بعض الأشخاص، وينتج هذا المرض (يعرف باسم مرض “السيلياك”) عن تناول القمح وبالتحديد كرد فعل على بروتين “الغلوتين” الموجود فيه وفي حبوب أخرى، ويظهر هذا الإضطراب على شكل إسهال وصعوبة في امتصاص الأغذية، ما ينعكس ضعفا في النمو عند الأطفال خصوصا، فضلا عن تسببه باضطرابات حادة ومزمنة لدى المرضى الذين يعانون منه وقد يؤدي إلى أمراض سرطانية، فضلا عن ارتباطه بداء السكري من النوع الأول، ويتسبب بتحفيز نشاط الغدة الدرقية وغيرها من الأمراض المناعية، لذا فإن الحل يكون بمنع تناول القمح أو الحبوب الأخرى التي تحتوي هذا البروتين مثل الشعير والشوفان.
الممارسات الزراعية
إلا أن هذا البروتين ليس السبب في جعل هذه الحبوب سامة، وهي تشكل المكون الأساسي في غذاء كثير من شعوب العالم ، ولكن الممارسات الزراعية التي تنتهجها بعض البلدان، قد تكون سببا في تحول هذا الغذاء الهام إلى سم زعاف.
وقد يعتقد البعض أن التحول إلى الغذاء المعدل وراثيا GMOs هو السبب، ولكن الحقيقة أتت من الولايات المتحدة الأميركية، فالمزارعون هناك، يتجهون لاستعمال مبيد الأعشاب غليفوسات Glyphosate، وهو المادة الفعالة في المبيد المعروف تجاريا باسم Roundup خلال الموسم الزراعي، ولكن وبشكل خاص قبل أسبوع أو أسبوعين من الحصاد، بهدف المحافظة على المحصول والعمل على تجفيفه Crop desiccation، وهي ممارسة تسهل عملية الحصاد!
استخدام المبيدات العشبية
الغليفوسات ليس مجففا حقيقيا للمحاصيل، لأنه يحتاج إلى أسابيع ليجففها، إنما كان يستعمل بغرض القضاء على الأعشاب وتحضير الحقول للمواسم المقبلة وبتكلفة أقل، وأن المحصول يمكن أن يتم حصاده بشكل مبكر، ولكن زاد استخدام الغليفوسات في الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة منذ العام 1980، بغرض تجفيف وإنضاج حبوب القمح بشكل متساو قبل حصادها، وفي العام 2002 بلغت نسبة الحقول المعالجة في المملكة المتحدة 12 بالمئة، وظهر هذا المبيد في 5 إلى 15 بالمئة من عينات من الحبوب التي فحصت بين الأعوام 2000 و2004، وهو ثاني مبيد من حيث الشيوع في عينات الحبوب، وفي النمسا منع هذا المبيد في البلاد في العام 2013، كما أعلن في كندا رفض شراء أي نوع من الشوفان معالج بهذا المبيد، وقد منع في هولندا وقد تتبعها فرنسا قريبا.
ويؤكد المزارعون أنهم يعملون على رش المبيد بعد أن تصل نسبة الرطوبة في الحبوب إلى 30 بالمئة، وهذه الممارسة تدفع النبات لإنتاج المزيد من البذور ما يزيد المحصول، وليس القمح الذي تمارس فيه عملية تجفيف المحصول فحسب، بل إن هذا الأمر يطاول عشرات المحاصيل الهامة من الحبوب إلى الفواكه وغيرها، وتظهر القائمتين التاليتين اللتين أصدرتهما وكالة حماية البيئة الأميركية United States Environmental Protection Agency نسب استخدام هذا المبيد في أنواع الحبوب والنباتات المختلفة، وأشارت الوكالة إلى ازدياد استخدام المزارعين لهذا المبيد بشكل مضطرد للعديد من المحاصيل مقارنة بقائمة صدرت في العام 2011.
الغليفوسات
تؤكد الشركة المصنعة للغليفوسات Monsanto أنه مبيد غير مضر بالبشر، إلا أن بحثا في دورية Entropy، أكد وجوده في العديد من الأغذية، وإمكانية تأثيره على الأمراض المزمنة والحديثة عبر تثبيطه عمل إنزيم Cytochrome P450، ولكن تم التشكيك بهذا البحث بتهمة التحيز والتمييز، وقد يكون نتيجة لضغوط من الشركة المصنعة، أما تقرير خبراء السرطان في “منظمة الصحة العالمية” World Health Organization أشار إلى أن الغليفوسات قد يكون مسرطنا بشريا محتملا probable human carcinogen، وينتمي للمجموعة Group 2A.
أما في الولايات المتحدة، فقد بدأت حملة واسعة من ادارة الاغذية والعقاقير الأميركية FDA لفحص المنتجات الغذائية لجهة احتوائها على العديد من المبيدات ومنها الغليفوسات، إلا أنه وفقا للوكالة اضطرت مؤخرا لوقف العمل، وسط ارتباك، وخلاف وصعوبات بوضع منهجية موحدة لاستخدامها في المختبرات الأميركية المتعددة، فضلا عن الحاجة إلى أدوات أكثر حساسية، وقد علق المنتقدون أن تأثير “مونسانتو” قد يكون وصل لوقف هذه الحملة الهامة.
ونتيجة لشيوع استهلاك الغليفوسات، يتعرض البشر من خلال تناول المنتجات الغذائية، خصوصا المصنعة منها، كونها تصبح أكثر عرضة للآثار الضارة للمواد الكيميائية الأخرى، فضلا عن السموم البيئية!
وما هو أسوأ من ذلك يتمثل في أن الآثار السلبية للتعرض للغليفوسات بطيء ويستمر تراكمه على مدى الأشهر والسنوات، وتؤثر بشكل مباشر على البكتيريا الموجودة في الأمعاء ما يمكن أن تكون له بعض الآثار على التوازن بينها ويؤدي إلى الأمراض المختلفة.
أما في لبنان، فأكد رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين انطوان حويك لـ greenarea.info أن “مثل هذه الممارسات غير موجودة في بلادنا، لأن المناخ لدينا جاف، ولا حاجة لتجفيف المحاصيل، ولا تحتوي محاصيلنا على مبيدات أعشاب”، وبالفعل، فإن المساحات المزروعة بالقمح تقع في مناطق رطبة في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.