اختارت اللجنة الخضراء في “جامعة الروح القدس- الكسليك” Holy Spirit University of Kaslik موضوعاً شائكاً، في المؤتمر الذي نظمته مساء أمس الخميس 23 شباط (فبراير)، وهو الصيد المستدام، لما لهذا الموضوع من تشعبات تراوح بين البيئة والحفاظ على النظم الإيكولوجية من جهة، وغياب الدولة عن مراقبة وتنفيذ القوانين وملاحقة المخالفين، أي أن الصيد المستدام يطاول مروحة كبيرة من الجهات المعنية، بدءا من وزارتي البيئة والداخلية، مرورا بالبلديات والسلطات المحلية، وصولا إلى الأجهزة الرقابية والسلطات الأمنية، فضلا عن دور المواطنين، وهو الأساس في هذا المجال، أي إيلاء الوعي والثقافة اهتماما يوازي أهمية هذه القضية.
جاء المؤتمر ليؤكد حضور الصيد المستدام كقضية تربوية أيضا، وهذا ما بدا جليا من خلال ما توليه “جامعة الروح القدس” من اهتمام مع ما نشهد من تجاوزات تتمثل في المجازر بحق الطيور، ولا سيما منها المهاجرة بشكل خاص، فهذا الملف يطاول أيضا القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية، قبل الجوانب البيئية مع تدمير نظم الطبيعة، خصوصا وأن تراجع أعداد الطيور وانقراضها يحدث خللا يستهدف كافة قطاعات الحياة.
لقد تطرق المؤتمر إلى قضايا أساسية وملحة، ولكن لم يحدد توصيات، وما تم التداول به يمثل أهمية استثنائية، خصوصا لجهة القوانين النافذة، إلا أن أحدا لم يتبنَّ آليات واضحة لتطبيق القوانين، فالمؤتمر شكل خطوة مهمة في مسار طويل، لكن تبقى العبرة في التنفيذ.
المؤتمر
انطلقت أعمال المؤتمر الذي انعقد بالتعاون مع وزارة البيئة بحضور الرئيس العام للرهبانية اللبنانية المارونية الأباتي نعمة الله الهاشم، ممثلة وزير البيئة طارق الخطيب رئيسة دائرة الأنظمة الإيكولوجية في وزارة البيئة لارا سماحة، رئيس الجامعة الأب البروفسور جورج حبيقة، قائد فوج المغاوير السابق العميد الركن شامل روكز وزوجته كلودين عون روكز، أمين سر عام الرهبانية الأب ميشال أبو طقة، نائب رئيس الجامعة للشؤون الإدارية الأب طلال الهاشم، رئيسة اللجنة الخضراء في الجامعة الدكتورة سمر قزي عشقوتي، أعضاء مجلس الجامعة، أعضاء “المجلس الأعلى للصيد البري في لبنان”، وحشد من البيئيين والصيادين وممثلي الجمعيات المعنية والأساتذة والطلاب.
بدايةً، أشار الزميل ألبير تحومي إلى أن “في جامعة الروح القدس لجنة تعمل على تعزيز مفهوم الحياة البيئية، ونشر الوعي من خلال تسليط الضوء على قضايا بيئية بالتعاون مع الطلاب والمجتمع وتقديم الحلول”، مشددا على “أهمية موضوع الصيد البري ودقّته”، محذرا في الوقت عينه من الصيد العشوائي الذي يمارس في لبنان وتداعيته السلبية”، وأشار إلى أن لبنان هو ثالث أسوأ دولة في الشرق الأوسط على لائحة البلدان التي يتم فيها قتل غير قانوني للطيور”.
عشقوتي: توعية شبابنا
وأشارت رئيسة اللجنة الخضراء في الجامعة الدكتورة سمر قزي عشقوتي إلى أنّ “سبب اختيار موضوع الصيد المستدام هو كونه من المواضيع البيئية الأقل تداولاً بطريقة علمية وإيجابية وبناءة. ويواجه شبابنا اليوم مشكلة كبيرة مستجدة يعرف عنها القليل. من هنا، يقوم دورنا الثاني، كجامعة، على توعية شبابنا وتسليط الضوء على مشاكل المجتمع وإيجاد الحلول المناسبة لها لأننا جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع”.
وقال: “لقاؤنا، اليوم، هو خطوة أولى برحلة الألف ميل، وهي رحلة تعاون وتبادل خبرات بين جامعتنا ومجتمعنا ودولتنا لنُبرز صورة لبنان العلم والحضارة والجمال”.
هوغ: الانقراض يهدد 1300 فصيلة
ونوّه العالم والمستشار البيئي جايمس هوغ “بأهمية الطيور بالنسبة إلى الأرض والنظام البيئي، لاسيما وأنها وجدت منذ 60 مليون سنة أي قبل الإنسان. تتميّز الطيور بقدرتها الكبيرة على التأقلم، فهي موجودة في كل زاوية من الأرض، في الصحاري والجبال والغابات والأدغال، وحتى في المناطق القطبية حيث تبني أعشاشها وتوفر مصادر الغذاء والمياه. هناك 10000 فصيلة مختلفة من الطيور تقوم كل واحدة منها بدور في البيئة من شأنه أن يخدم الإنسانية والإنسان”.
وعرض هوغ لـ “الخدمات التي تقدمها الطيور للإنسان وللنظام البيئي، فهي تشكل مصدراً للطعام ولعدد من الصناعات مثل السماد الزراعي، وتكافح الأمراض والأوبئة، وتنثر البذور بواسطة أرجلها أو ذرقها، وتساهم في تلقيح الأزهار بنقلها حبوب اللقاح، وتعتبر في بعض الثقافات رمزاً دينياً”، على ضرورة التعليم والتربية لنشر الوعي البيئي، لاسيما في ظل خطر الانقراض الذي يهدد حالياً 1300 فصيلة من الطيور، و50 بالمئة من الحيوانات البرية بسبب ممارسات الإنسان الجائرة”، ورأى أن “ومن واجبنا الأخلاقي أن نحافظ على النظام البيئي وخدماته لنسمح لأولادنا بأن يتنفسوا هواء نظيفاً وأن يشاهدوا الطيور الجميلة”.
هيريديا: لبنان ممر أساسي للطيور المهاجرة
وبدوره قدّم رئيس فريق اتفاقية الحفاظ على الفصائل المهاجرة للحيوانات البرية في برنامج الأمم المتحدة للبيئةUNEP بورخا هيريديا لمحة عن هذه الاتفاقية التي “وُقعت في بون في ألمانيا في العام 1979 ودخلت حيز التنفيذ في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) 1983 وتضم حالياً 124 طرفاً”، وتغطي هذه الإتفاقية، بحسب هيرديا، عدداً من الفصائل، ومن أبرزها الطيور المهاجرة، والأسماك، والسلاحف البحرية، والحشرات والثدييات البرية والبحرية”.
وأشار إلى “أنّ لبنان هو ممر أساسي للطيور المهاجرة. فهو يضم حوالى 400 فصيلة من الطيور من ضمنها فصائل مهددة عالمياً، مثل البجع الدلماسي والعقاب المصري… وتبدأ عملية هجرة الطيور بمنتصف شهر آب (أغسطس) وتستمر حتى أوائل شهر تشرين الأول (أكتوبر) لتتضاءل في نهاية شهر تشرين الثاني (نوفمبر)”.
أضاف: “هناك ما بين 11 و36 مليون طائر ييقتل بطريقة غير مشروعة في منطقة المتوسط. وتجاه هذا الواقع، تمّ إصدار قرار 11.16 لمؤتمر الأطراف المشاركة في اتفاقية الحفاظ على الطيور للتعامل مع الصيد الجائر وأسر الطيور المهاجرة وتجارتها في دول المتوسط. وقد وقّع عليه 20 عضواً من أطراف الإتفاقية و35 مراقباً من دول مهتمة بهذه القضية ومنظمات دولية غير حكومية وهيئات استشارية. وقد عقد الاجتماع الدولي الأول في القاهرة من 12 وحتى 15 تموز (يوليو) 2016، وصدر عنه سلسلة توصيات، منها: تعزيز الصيد المستدام، رفع مستوى الوعي العام بين الصياديين، فرض تطبيق القوانين، مراجعة الأنظمة وتحديثها وتطوير الخطط الوطنية المتعلقة بالصيد”.
عيسى: أخلاقيات الصياد
وقدم الممثل والصياد طوني عيسى مداخلة حول “مبادئ وأخلاق الصياد المسؤول”، تحدث فيها عن الذهنية والتربية الخاطئة التي تربينا عليها فيما يتعلق بموضوع الصيد في لبنان، وذلك في ظل غياب الرقابة والمحاسبة.
وقارن بين الصيد العشوائي الذي يمارس في لبنان والصيد في بعض الدول الأوروبية وفي الولايات المتحدة الأميركية، بناء على تجربته الخاصة في هذه الدول، حيث شهد احتراما للطبيعة والقوانين. كما اعتبر أنّه “من الضروري أن يتحلى الصياد بأخلاقيات معينة، وهي: معرفة الطريدة واحترامها، احترام القوانين وتطبيقها لأنها وضعت لضمان ممارسة الصيد بطريقة آمنة ومسؤولة ومستدامة، وحسن التصرف. فمن غير العدل أن تتم مطاردة الطرائد وملاحقتها بواسطة أي نوع من الآليات أو استعمال آلات المناداة والأنوار الكاشفة والشبك والدبق وأسلحة أوتوماتيكية بعدد طلقات يفوق المسموح به، والصيد خارج المواسم وعدم احترام الكميات المسموح بها أو بهدف تجاري…”.
أبي سمعان: لتطبيق الأنظمة والقوانين
وقال المدير التنفيذي لمؤسسة “جوسونز” Josons نزيه أبي سمعان: “سنة 1996 صدر قرار بمنع الصيد، وانتظر اللبنانيّون حوالى سنة لصدور المراسيم التنظيمّية، ولكنّها لغاية اليوم لم تصدر، فاضطرّ الهواة إلى ممارسة الصيد ولم يلتزموا بمضمون هذا القرار. إنّ هذه الهواية لا يمكن منعها كما أنّه لا يمكن أن تبقى بدون تنظيم، ومن أهمّ القرارت التنظيميّة في ملف الصيد هي منح رخص صيد وتنظيم الموسم. فرخص الصيد تأتي بفوائد ماديّة أساسية لتنظيم الصيد ومراقبة حسن تنفيذه وضبط المخالفات الناتجة عن عدم الإلتزام بمضمون هذا القانون. اليوم هناك حوالي 200.000 ألف صياد في لبنان، ففي حال فرض رسم سنوّي لرخصة الصيد بحوالي 100 دولار، وفي حال إلتزم النصف، يتأمّن للدولة مدخولاً بقيمة عشرة ملايين دولار سنوياً، ممّا يمكّنها من خلق فرص عمل توظيف حوالي 1000 من حرّاس الأحراج. فيتولّى هؤلاء مراقبة وتطبيق قانون الصيد خلال الموسم، وفرض غرامةٍ مادّيةٍ لكلّ مخالفة، وتحوّل قيمة هذه المخالفات الى صندوق خاص في وزارة البيئة يعنى بإستدامة وتكاثر الطيور في لبنان”.
وخلص إلى “إنّ قانون منع الصيد بشكلٍ عشوائي، وعدم تنظيمه يشكّل خسارةً كبيرةً على الدولة والبيئة. ولا يمكن تجاهل التّأثير الذي يشكلّه موسم الصيد في الحركة الاقتصاديّة، فالمنتجعات السياحية والفنادق والمطاعم وغيرها، تنتظر هذا الموسم كونه يؤمنّ لها مداخيل إضافية مهمة. كما إنّ قرار المنع هذا يؤثّر سلباً على تجّار أسلحة الصيد وأصحاب مصانع الخرطوش وعلى حوالى 3000 عائلة تعتاش من هذه التجارة. ونأمل أن تصدر عن هذا المؤتمر توصية بأن تعمل الوزارات المختصّة على بدء تنفيذ قانون الصيد البرّي وفق المعايير البيئية. فتتوقف الفوضى وتطبّق الأنظمة والقوانين وبذلك نحافظ على البيئة والطبيعة”.
سماحة: دليل امتحانات الصيد
وأشارت ممثلة وزير البيئة لارا سماحة إلى أنّ “قانون نظام الصيد البري في لبنان هو قرار رقم 580 صدر بتاريخ 25/2/2004. وأنشئ بموجبه “مجلس أعلى للصيد البري” يرتبط بوزير البيئة، ويضم ممثلين عن الوزارات والمؤسسات المعنية والجمعيات البيئية. تصدر وزارة البيئة سنوياً رخصة صيد شخصية، وهي تستند على رخصة قانونية بحمل السلاح وبوليصة تأمين ضد الغير على أن يخضع طالب الرخصة للمرة الأولى لامتحان تجريه نوادٍ خاصة، يشتمل على قسم نظري يرتكز على مضمون “دليل امتحانات الصيد” وآخر عملي حول كيفية التعامل مع سلاح الصيد والمحافظة على السلامة العامة”.
ولفتت إلى أنه “بهدف تسهيل العملية، أنشأت وزارة البيئة صفحة إلكترونية تحوي جميع المعلومات اللازمة حول تنظيم الصيد البري”، داعية الصيادين إلى زيارتها، وهي: http://hunting.moe.gov.lb.
وأشارت إلى “أنّ المجلس الأعلى للصيد البري حدّد موسم الصيد البري من 15 أيلول (سبتمبر) لغاية آخر كانون الثاني (يناير) من كل عام، على أن لا يُفتتح موسم الصيد إلا إذا صدر قرار من وزير البيئة، إضافةً إلى إصدار لائحة بأنواع وعدد الطرائد المسموح باصطيادها. ويمنع القانون الصيد في أماكن محددة من بينها المحميات الطبيعية والأماكن الأثرية، كما يمنع استخدام بعص الوسائل مثل الغاز والدخان، والشباك والسموم والاحتيال على الطرائد. وتتفاوت العقوبات بين السجن، والغرامة المالية، وسحب رخصة الصيد ومصادرة السلاح”.
الأب الهاشم: تعزيز المحافظة على الطيور
واعتبر الأب طلال الهاشم أنّ “الصيد قد حظي باهتمام عالمي حيث جرى العمل على وضع الأنظمة الخاصة به وتطوير مبادئه ومعاييره للسماح بمعالجته بطريقة موضوعية وشفافة مع الأخذ بالاعتبار ركائز الاستدامة الثلاث، وهي البيئة والاقتصاد والجانب الثقافي- الاجتماعي. وقد وُقّعت مجموعة من الاتفاقيات والمعاهدات بهدف تعزيز المحافظة على الطيور، من جهة، والاعتراف بشرعية الصيد المستدام، من جهة أخرى”.
وأضاف: “تجاه هذا الواقع، تبرز أهمية مؤتمرنا اليوم لأنّه يحدّد موقف لبنان من مسألة الصيد ويوضّح مدى جهوزيته لتبّني هكذا مقاربات فيما يتعلّق بتعريف الصيد المستدام. ومما لا شك فيه، أننا سنستفيد من وجود أهل الاختصاص والمعنيين من أجل التوصل إلى مناقشة موضوعية وشاملة تقودنا إلى حلول عملية واتفاقيات تعاون لإدارة صيد الطيور إدارةً سليمة في لبنان”.
واختتم المؤتمر بتوزيع الدروع التقديرية على المشاركين. وتخلل المؤتمر عرض للطيور على الشاشة، قدمه الأستاذ فؤاد عيتاني.