تبذل البلدان المتقدمة جهوداً جبارة في البحث عن مصادر جديدة للطاقة المستدامة، وذلك لانها تعلم ان مصادر الطاقة التقليدية البدائية، كالوقود الاحفوري (على الرغم من انه الملوث الاول للبيئة)، لن تدوم وهي في طريقها الى النضوب، لذلك استخرجوا من الطبيعة الام، طاقاتٍ نظيفة وصديقة للبيئة، مصادرها الطبيعية، مختلفة وغنية، كالماء، الهواء والشمس.
وعلى الرغم من ان سوريا ليست من البلدان المتقدمة في مجال استخدام الطاقة المستدامة، إلا أن تجربتها ليست بصغيرة في هذا المجال، فقبل ان تندلع شرارة الحرب في هذا البلد، كانت الدولة السورية تستفيد من المياه المخزنة في البحيرات الثلاث: الأسد، البعث وتشرين في توليد طاقة كهربائية ذات تكلفة منخفضة، نظيفة وصديقة للبيئة، وتعتمد على مجموعة محطات كهرومائية ضخمة جداً، توجد على سدود منتشرة على كل الانهار في سوريا، واهمها محطة سد الفرات (قدرة المحطة الاجمالية 880 ميغاوات وبإنتاج قوي من الطاقة يقدر بحوالي مليارين ونصف كيلووات ساعي)، ومحطة محردة على نهر العاصي، اضافة الى بعض المحطات الحرارية مثل محطة الزارة ومحطة بانياس (تسدّ نحو 20 بالمئة من حاجة سوريا للكهرباء) والمحطة الحرارية في حلب التي تعمل بقدرة 1100 ميغاوات.
وتعد المحطات الكهرومائية، صديقة للبيئة، على عكس نظيراتها من المحطات الحرارية والنووية، فهي تساهم في تخفيض الانبعاثات الغازية الى الجو التي لها دور اساس في ظاهرة الاحتباس الحراري، في حين أن محطات الطاقة الحرارية، فإن كل طن من الوقود يحترق فيها يؤدي الى اطلاق ثلاثة أطنان من غاز ثاني أوكسيد الكربون، وكمية لا يستاهن بها من غاز سداسي فلوريد الكبريت SF6 (له دور اساس في ظاهرة الاحتباس الحراري. إذ أن قدرة الاحترار تفوق قدرة ثاني أوكسيد الكربون بـ 22000 مرة).
أضف إلى أن محطات توليد الطاقة الكهرومائية لا تحتاج الى أبراج للتبريد كتلك الموجود في المحطات الحرارية والمحطات التقليدية، والتي تساهم بشكل كبير في ارتفاع درجة حرارة مياه البحر ما ينعكس سلباً على البيئة البحرية.
أما في مجال استخدام الطاقة الكهروشمسية، فسوريا واحدة من البلدان التي تسطع فيها الشمس على مدار العام ولساعات طويلة، الامر الذي يساعد على استغلال أشعة الشمس لتوليد كميات كبيرة من الطاقة النظيفة، وبتكلفة أقل، وبدون أن تؤثر سلباً على صحة الانسان، لذلك عملت الدولة السورية، ولا تزال، قبل اندلاع الحرب بعدة سنوات (منذ عام 2005) على تشجيع ودعم مشاريع الطاقة الشمسية (في شهر كانون الثاني/ينايرا لماضي تمت انارة عدد من شوارع مدينة حماه بالطاقة الشمسية).
في الاطار البحثي ذاته، قامت الدولة السورية في فترة ما قبل الحرب بإجراء عدد من الدراسات بحثاً عن طاقة بديلة أخرى، لجهة استغلال طاقة الرياح، فهذه التقنية تعتمد على الموقع وسرعة الرياح، حيث أن سرعة الرياح تزداد بازدياد الارتفاع، فوجد الباحثون والمختصون أن هذا متوافر في مناطق كثيرة من سوريا.
وعليه فقد عمدت الدولة في سوريا الى تركيب حوالي 4000 عنفة ريحية في مناطق القلمون وحمص وغيرها، وتتراوح أقطار هذه العنفات بين 3 و 5 أمتار وارتفاعاتها بين 10 و 15 متر. لغرض وحيد وهو ضخ المياه، أما لأغراض توليد الطاقة الكهربائية فتم تركيب عنفة ريحية واحدة بقدرة 150 كيلوواط مربوطة مع الشبكة في منطقة القنيطرة، ونجحت التجربة، ما حدا بالدولة السورية الى نصب عدة عنفات في منطقة القلمون وحسيا، كتجربة اولية لتوليد الطاقة الكهربائية من الهواء، الا ان الحرب حالت دون الوصول بالمشروع الى النهاية، ولا تزال الطواحين الهوائية منتصبة في مدينة حسيا الصناعية.

ماذا فعلت الحرب؟

تعرضت مصادر الطاقة في سوريا الى ضربات قاسية، نتيجة القصف، التفجير، التخريب والنهب، فقد عمدت الفصائل المسلحة الى تخريب ونهب حقول النفط في المناطق الشرقية وعلى مرأى من أعين العالم كله، الامر الذي كان من نتائجه تسرب أكثر من 214 مليون برميل من النفط ومشتقاته، وانتشار ما يسمى بـــ “النفّيطة” أي عمليات استخراج النفط وتصفيته بطرق بدائية، تؤدي بالنهاية الى تلوث كارثي للهواء، الماء والتراب، والتسبب بأمراض سرطانية، وغيرها مستعصية لم تكن موجدوة هناك إبان سيطرة الدولة على قطاع النفط.
فيما ضربت المجموعات الارهابية حقول وشركات انتاج الغاز (حقل حيان نموذجاً) الأمر الذي أدى الى أكبرت لوث في الهواء والتربة، في أقل زمن.
كذلك أصبحت – بفعل الحرب – حوالي تسعين محطة لتحويل الكهرباء خارج الخدمة، فعلى سبيل المثال تم ضرب محطة محردة عشرات المرات، وتم قصف محطة بانياس ومحطة الزارة الحرارية أكثر من مرة، وسيطرت داعش على سد الفرات منذ اكثر من ثلاث سنوات، ومنذ ذلك الوقت أصبح الخطر البيئي سيفا ذا حدين، فالأول خطر داهم من إنفجار السد وإحداث كارثة بيئية كبيرة تغرق حوالي ثلثي الأراضي السورية، والثاني يكمن في توقف بعض عنفات السد عن العمل نتيجة انعدام الخبرة لدى مقاتلي داعش، ما أدى الى انقطاع الكهرباء عن معظم المدن السورية في المنطقة الوسطى والشمالية، وارتفاع ساعات التقنين في التيار الكهربائي، الأمر الذي دفع الناس الى استخدام المولدات التي تعمل على الديزل (المازوت) لتزيد بها تلوث الهواء، أضف الى أن هذا التقنين سيكلف الكثير وسيكون الخاسر الاكبر نتيجة لذلك هو البيئة والتنوع الحيوي في سوريا، حيث تقول مصادر وزارة الكهرباء في سوريا أن “إنتهاء تقنين الكهرباء الناجم عن خروج المحطات من الخدمة نتيجة الحرب في سوريا يتطلب توفير 20 مليون متر مكعب من الغاز، و15 ألف طن من الفيول يوميّاً”.
السؤال الذي يطرح نفسه في سوريا اليوم هو: هل سيتدارك خبراء البيئة والمختصون في البلاد التي تنهشها الحرب، حجم التلوث الذي سينجم عن احتراق كل هذه الكميات من المشتقات النفطية، لانتاج طاقة كهربائية تعيد إنارة سوريا؟ أم سيعملون على استنباط نوع جديد من الطاقة المستدامة؟

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This