كثيرا ما نتساءل، ما الذي يدفع بعض المرضى إلى عدم الالتزام بتنأول الادوية بشكل منتظم، خصوصا وأن لهذا الأمر تداعيات صحية سلبية؟
بيّنت الدراسات ان حوالي 50 بالمئة من المرضى لا يلتزمون بتنأول الادوية باستمرار لاسباب عدة، حتى ان هذه المشكلة اضحت عالمية، وتركز “منظمة الصحة العالمية” على تحفيز المرضى للاستخدام الرشيد للادوية، وتبين في لبنان أن “هذه المشكلة الصحية إلى تفاقم”، بحسب الأخصائي في طب العظام الدكتور جاد عقيس المشرف على دراسة لبنانية حديثة تعنى بالحد من مخاطر سوء استخدام الدواء، وقد أكد لـgreenarea.info أن “علينا تكثيف حملات التوعية التي ستطلق قريبا للجسم الطبي، من أجل دفع وتحفيز المرضى على تنأول الادوية بشكل مستمر دون توقف الا باستشارة الطبيب”.
منظمة الصحة العالمية
إن الاستخدام غير الرشيد للأدوية يعتبر مشكلة كبيرة في جميع أنحاء العالم، وتشير تقديرات “منظمة الصحة العالمية” إلى أن ما يزيد عن نصف الأدوية يتم وصفها أو صرفها أو بيعها على نحو غير ملائم، وأن نصف المرضى لا يتنأولون الأدوية على نحو صحيح. كما ويؤدي الإفراط في استخدام الأدوية أو استخدامها غير الكافي أو سوء استخدامها إلى إهدار الموارد القليلة وانتشار المخاطر الصحية على نطاق واسع.
وشددت “منظمة الصحة العالمية” على ضرورة الالتزام بالمعايير الطبية في ترشيد تنأول الدواء عبر إنشاء هيئة وطنية متعددة الاختصاصات لتنسيق السياسات الخاصة باستخدام السليم للأدوية، وإدراج التدريب القائم على حل مشاكل المعالجة الدوائية في المناهج الجامعية في التعليم الطبي المستمر، مع اهمية استخدام المعلومات المستقلة حول الأدوية بهدف تثقيف الناس.
تداعيات صحية مخيفة
وقال الدكتور عقيس: “ان مشكلة سوء استعمال الدواء مزمنة، وللاسف لاحل لها حتى اليوم حتى غدت مشكلة عالمية، ففي الماضي كانت كلمة الطبيب مسموعة لدى المريض لجهة تنأول الدواء بشكل كامل، اما اليوم بكل اسف فتأثير الطبيب على مريضه في الالتزام بالدواء لم يعد كما كان من قبل، والاسباب عدة، منها تقدم التكنولوجيا حيث اصبح المريض متطلبا اكثر في المعرفة حول ماهية الدواء ليقتنع به قبل تنأوله، أو لم يعد عنده ثقة بطبيبه مثل قبل، فيريد شرحا اكثر عن الدواء، وبكل اسف 50 بالمئة من المرضى لا يأخذون العلاجات الصحيحة بشكل كامل ومستمر في بعض الحالات المرضية، كما وأن 30 بالمئة من المرضى لا يتنأولون الدواء خوفا من تداعياته على صحتهم في ما بعد، وذلك نظرا لقلة الثقافة حول هوية الدواء”.
وأضاف: “ان العوامل التي تجعل المريض يتردد في تناول العلاج بشكل كامل، قد تكون بسبب أنه غير مقتنع بالعلاج، أو ليس لديه المعرفة الكافية حول نوع الدواء الذي يأخذه، أو أنه يعتبر أن صحته تحسنت فيوقف الدواء فجأة دون استشارة الطبيب، خصوصا اذا كان مصابا بامراض مزمنة، فعلى سبيل المثال اذا كان مصابا بمرض الضغط فيأخذ دواءه مرة على الريق وينساه عدة مرات في اليوم، في حال شعر ان ضغطه قد تحسن”.
وقال عقيس: “تلك الامور تضعنا كأطباء امام مشكلة لجهة إقناع المريض بمتابعة علاجه دون توقف المفاجىء، لان هناك مخاطر تلحق بصحته، فليست الحجة ان الدواء مكلف ماديا، بل إن هناك استهتارا، والدليل على ذلك أن المريض يستطيع تأمين الدواء مجانا من وزارة الصحة، ما يعني ان الاسباب قد تكون نفسية، وحسب الدراسات العلمية التي اجريناها كشفت ان تداعيات عدم تناول الدواء لها انعاكسها السلبي على كلف الفاتورة الصحية، اي في أن يصاب المريض فجاة إما بإعاقة أو مضاعفات صحية في حال عدم تناول الدواء بشكل صحيح، من هنا بدأت هذه المشكلة الصحية تتفاعل ليس فقط في لبنان انما على صعيد العالم ككل، لمعرفة وتحديد السبب وراء عدم الالتزام الكلي في تناول الدواء، لذا بدأنا في لبنان بتخصيص برنامج صحي يعنى بالتوعية على ترشيد استعمال الدواء، وذلك منذ اربع سنوات، عبر التركيز على تمرين الطبيب في اقناع المريض والتاثير عليه في ان يتناول الدواء بشكل صحيح وبانتظام، وتلك الحوافز التي نبتكرها في التركيز على اقناع المريض في تناول دوائه سنطورها اكثر لتكون في المواد العلمية في الجامعات الطبية، بهدف تدريب الجسم الطبي كالممرضات والاطباء والصيادلة الذين هم على تواصل دائم مع المريض لتثقيفه اكثر حول دوائه. وتجدر الاشارة إلى ان وزراة الصحة بدأت تدعم برامجنا التثقيفية حول كيفية استعمال الدواء لتحفيز المريض اكثر على معرفة تعامله مع دوائه بشكل صحيح، ولتدعيم الثقة في النفس بانه سيشفى من المرض في حال التزام به وفق استشارة الطبيب”.
إعادة الثقة بين الطبيب والمريض
وقال الأخصائي في الامراض النفسية الدكتور انطوان بستاني لـgreenarea.info : “إن السبب الاساسي في عدم تناول الدواء بشكل مستمر ليس فقط الخوف من الدواء، بل ايضا نتيجة غياب الثقافة عند المريض، فكم من مرضى يوقفون دواء السكري فجأة عندما تتحسن عندهم نسبة السكر في الدم، والامر ذاته بالنسبة لأدوية المضادات الحيوية ما يترك تداعيات صحية قد تكون خطرة على الصحة كون التوعية غير موجودة وغير كافية، ونصادف مرضى يجادلون الطبيب حول اي دواء يعطى له وبقلة ثقة، والدليل على ذلك، ما يحدث ان المريض في لبنان صار يكثر الاسئلة لعدة اطباء لكي يتأكد ان علاجه صحيح، وان دواءه سليم، عدا بحثه المتواصل عنه عبر الانترنت، كل ذلك بسبب الخوف وقلة الثقة بالعلاج وبطبيبه، وهذا امر خطير اذا استمر الوضع على ما هو عليه، لان المهم اليوم اعادة الثقة بين الطبيب والمريض لكي يشعر الأخير بأمان”.
سجل دوائي قريبا
وقال نقيب الصيادلة جورج سيلي لـ greenarea.info: “ان علاقة الصيدلي مع المريض مهمة للغاية من ناحية التوعية على أهمية الدواء في العلاج سواء من ناحية المضاعفات أو لناحية الشفاء من المرض، وايضا لجهة النتائج في حال لم يأخذ الدواء بشكل صحيح ومنتظم، لذلك دور الصيدلي مهم جدا نظرا لاحتكاكه مع المريض اكثر منه مع الطبيب المعالج في عملية ترشيد استهلاك الدواء، حيث ان منظمة الصحة العالمية اعطت هذا الموضوع أولوية لديها، وكشفت المشكلة بالارقام في ما يتعلق بعدم التزام المرضى بالدواء وتداعياته، وشددت على اهمية دور الصيدلي بالتنسيق مع الطبيب في متابعة المريض، لان اي سوء التزام بالطريقة الصحيحة في تناول الدواء قد تؤدي إلى عوراض جانبية ونتائجها على الصحة سلبية، ومكلفة على الفاتورة الصحية، وهنا اهمية دور الصيدلي عبر سجل صحي صيدلاني سنطلقه قريبا لترشيد استعمال الدواء للمريض بصورة آمنة”.
اخيرا، قال الأخصائي في الطب الداخلي الدكتور عبدو فرام: “كطبيب عائلة لمست ان هناك عددا من المرضى يلتزم بإرشادات الطبيب، وآخرون لا يكملون العلاج عندما يشعرون ببداية تحسن، خصوصا المصابون بأمراض مزمنة”، ورأى أن “المشكلة ليست مادية انما سلوكية عند البعض، وعلينا ان نلعب دورا مهما في توجيه المريض بأن صحته ملكه وعليه بالتالي ان يحافظ عليها”.