لا تشبه النيبال أو جمهورية نيبال الديموقراطية الاتحادية Federal Democratic Republic of Nepal أي دولة في العالم، فهي دولة حديثة نسبيا، تأسست في العام 2008، عاصمتها كاتماندو Kathmandu، وهي محاطة باليابسة، وتقع بين الهند والصين ولا تطل على بحار خارجية وواقعة بمعظمها في جبال الهيمالايا، وتتميز مناطقها بالوعورة، فمعظم سلاسل الجبال فيها يبلغ ارتفاعها بين 3000 و8000 متر، كما تقع قمة إفرست بارتفاع 8848 متراً (أعلى قمة جبلية في العالم) في نيبال Nepal، وفيها عددا من الروافد النهرية المتعددة.
وبسبب طبيعة البلاد المتنوعة ومساحتها الشاسعة وتقدر بـ 147,181 كيلومتر مربع، تشكلت فسيفساء بيئية فريدة من نوعها لجهة التنوع البيولوجي، بين الجبال العالية وطبيعتها القاحلة بين سفوح الغابات الصنوبرية، والسافانا الإستوائية، والمسطحات العريضة في الوديان، ما يضفي تنوعا بيولوجيا مهما حول ضفاف الأنهر العديدة وغيرها.
وعلى الرغم من وجود شبكة طرق واسعة تمتد إلى 28 ألف كيلومتر، إلا أن معظم مناطق البلاد نائية ووعرة، تتكون طرقاتها من طرق فرعية زراعية، ما جعل وصل البلاد بشبكة الطرق وبالشبكة الكهربائية صعبا، فضلا عما شكله هذا الواقع من تحديات أمام المجتمعات النائية للتطور في مجالات عديدة، خصوصا في مجالات الزراعة والصناعة والتعليم.
وتمكنت الأمم المتحدة ممثلة بمنظمة UNDPUnited Nations Development Programme، بالتعاون مع “جمعية تطوير الطاقة المائية الميكرو (المصغرة)” في النيبال Nepal Micro Hydropower Development Association التي أُنشِئت في العام 1992، وهي عبارة عن منظمة تضم جمعيات غير حكومية وشركات صغيرة، للعمل على استخدام الطاقة المائية الوافرة في البلاد، بهدف توليد الكهرباء على نطاقات صغيرة، على شكل مولدات كهرومائية للإنارة والصناعات المتعددة، فضلا عن توفير المياه للزراعة، وتحسين قدرات أكثر من 6500 طاحونة مياه بهدف طحن الحبوب بشكل أحدث وأفضل وأسرع، ما انعكس على هذه المجتمعات تطورا نوعيا وزيادة في الإنتاجية، خصوصا في المناطق النائية، كما قامت هذه المنظمة ببيع كمية من الكهرباء الإضافية للحكومة النيبالية.
الواقع الطاقوي في نيبال
في النيبال كما في لبنان من الصعوبة بمكان إنشاء مشروع على نطاق واسع بسبب طبيعة البلاد الوعرة، فهذه الجبال تشكل عائقا حقيقيا أمام هذه المشاريع الكبيرة، فهي فضلا عن تكلفتها الكبيرة، لن تعطي النتيجة المطلوبة، بينما شكلت المشاريع الصغيرة على الأنهر حلولا نوعية، مع سهولة تطبيقها، فضلا عن تكلفتها المعقولة.
وأشار مدير “جمعية تطوير الطاقة المائية الميكرو في النيبال” أشويت لويتيلAchyut Luitel إلى أن “المنظمات غير الحكومية ساعدت على اقامة محطات الطاقة الكهرومائية الصغيرة في نيبال، وفوائدها للبلاد، كانت واضحة”، وأضاف: “هذا يعني، أنه يمكننا المساهمة في بعض الأعمال الصغيرة، ومنها أنواع مختلفة من الأعمال التجارية، والتي يمكن أن تولد فرصا إضافية للعمل”.
وبلغ عدد هذه المشاريع المائية 3300 مشروعا، وقال رئيس مشروعNisikhola الثاني للطاقة الكهربائية المصغرة Taranath Poudelإن “مصادر المياه هنا جيدة للغاية، ونستطيع الآن أن نوفر الإضاءة للمزارعين، والطاقة الكهربائية للصناعة”، إلا أنه على الرغم من كل هذه المشاريع، فلا زالت نيبال تعتمد على جارتها الهند في مجال الطاقة الكهربائية لا سيما في مواسم الجفاف، إلا أن هذه المشاريع الصغيرة تمكنت من توفير أكثر من 10 آلاف ميغاواط للمناطق النائية، وغير المشمولة في شبكة الكهرباء، ما ساهم في تطور نوعي انعكس إيجابيا على المجتمعات الفقيرة.
الطاقة الكهرومائية المصغرة
تمكنت مشاريع الطاقة الكهرومائية المصغرة Microhydroمن الإستفادة من قوة التدفق الطبيعي للجداول والأنهر الصغيرة، بهدف توفير الكهرباء بوسائل نظيفة يمكن الإعتماد عليها للمجتمعات النائية، ما ساهم بتوفير الإضاءة للدراسة والعمل والمساعدة على نمو الأعمال والشركات الصغيرة.
وتولد هذه المشاريع المائية الصغيرة Micro hydro طاقة كهربائية من 5 إلى 100 كيلوواط، كما أن هناك مشاريع دون 5 كيلوواط تسمى Pico hydro، وهي توفر الطاقة بشكل اقتصادي للمجتمعات الصغيرة حول العالم، بدون استخدام الوقود الأحفوري، ويمكن استخدامها ضمن نظام كامل مع الطاقة الشمسية، بحيث توفر الطاقة إلى أقصى درجة خصوصا في الشتاء، حيث يتم اقامة بركة أو خزان صغير وفقا للمنطقة، في أعلى شلال، مع توصيل عدة مئات من الأمتار من الأنابيب، وتثبيت صمام valve للسيطرة على تنظيم تدفق وسرعة المياه المتجهة نحو التوربينات Turbines، ويحول التوربين تدفق وضغط المياه إلى طاقة ميكانيكية، وتعود المياه الخارجة من التوربينات إلى المجرى الطبيعي على طول قناة لاستخدامات الري وغيرها، وتوصل التوربينات بمولد، ينتج الكهرباء، وقد يكون نظام الطاقة هذا مرتبطا مباشرة بمبنى واحد أو عدد من المنشآت الصغيرة، أو قد يكون متصلا إلى نظام توزيع خاص بمجتمع لمنازل أو مبانٍ عدة، ويستفاد من تدفق المياه في توليد الكهرباء، بالإضافة إلى استبدال الوقود الأحفوري الملوث والخطير للإضاءة خصوصا الكيروسين، كما يمكن استخدام الطاقة لموجات اللاسلكي، وأجهزة التلفاز والأجهزة الكهربائية المختلفة، وتوفير فرص التعليم والترفيه وفرص جديدة لكسب الرزق.
قد تكون التكاليف أكبر وفقا لوعورة المنطقة وطول الأنابيب المستخدمة، وتتميز هذه الأنظمة بمرونتها Resilience لتلائم البيئات والمناطق المختلفة، وتعتمد على كيفية تدفق كميات المياه من المصدر (ساقية، نهر، وغيرها)، فضلا عن سرعة تدفق المياه، كما يمكن تخزين الطاقة في بطاريات في المواقع البعيدة عن المنشأة أو استخدامها بوصلها إلى نظام كهربائي، خصوصا في أوقات ارتفاع الطلب، حيث يكون ثمة طاقة احتياطية إضافية، ويمكن لهذه النظم أن تكون مصممة للحد من الأثر البيئي الناجم من السدود الكبيرة، أو غيرها من مواقع توليد الطاقة الكهرمائية الضخمة.