بالتزامن مع بدء اعمال الدورة الـ 34 لمجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، تتوالى التقارير الصادرة عن المقررين الخاصين المكلفين بولايات تتعلق بالحق بالتمتع ببيئة سليمة وغيرها من الولايات والمواضيع المرتبطة بحقوق الانسان والبيئة.
آخر هذه التقارير صدر امس عن مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحقوق الإنسان والبيئة جون نوكس، الذي حثّ دول العالم من أجل الوفاء بالتزاماتها من أجل حماية الحيوانات والنباتات التي لا يمكن الاستغناء عنها.
ويأتي تصريح نوكس لمناسبة اليوم العالمي للاحياء البرية الذي يصادف في الثالث من آذار (مارس) من كل عام، محذراً من أن الخسائر المستمرة للتنوع البيولوجي يجب ان تشكل جرس انذار لنا جميعاً.
وتم تعين المقرر الخاص المعني بمسألة التزامات حقوق الانسان المتعلقة بالتمتع ببيئة آمنة ونظيفة وصحية ومستدامة في آب (أغسطس) 2012 بصفته أول خبير مستقل معني بالتزامات حقوق الإنسان والبيئة. وتم تمديد ولايته مرة أخرى، في آذار (مارس) 2015، للعمل لمدة ثلاثة أعوام أخرى بصفته مقرراً خاصاً.
وحذر نوكس من أن كوكب الارض يتجه نحو الانقراض الجماعي السادس للانواع، في حين لا تزال الدول تسجل الفشل تلو الآخر في مقاربة هذه النزف المستمر للتنوع البيولوجي لمختلف الاحياء، عن طريق تدمير الموائل والصيد الجائر والاثر الكارثي لتغير المناخ.
ويحذر العلماء بأن الأرض دخلت مرحلة الانقراض الجماعي السادس بوجود حيوانات تموت بمعدل يزيد مئة مرة على المعدل الطبيعي، محملين البشر مسؤولية ذلك. وتبرهن التقارير العلمية إن البشر خلقوا مزيجا ساما من فقدان الموائل، والتلوث، والتغير المناخي، ما أدى بالفعل إلى فقدان ما لا يقل عن 77 نوعا من الثدييات، و140 نوعا من الطيور و34 نوعا من البرمائيات منذ عام 1500. ومن أمثلة تلك المخلوقات التي انقرضت طائر الدودو، وبقر البحر في شمال المحيط الهادئ، وذئب جزر فوكلاند، وحمار الكواجا المخطط، وفهد فورمسان المرقط، والدب الأطلسي، ونمر قزوين، وأسد جنوب أفريقيا. ويعد هذا أكبر فقدان للمخلوقات منذ الانقراض الجماعي في العصر الطباشيري الثلاثي الذي أفنى الديناصورات قبل 66 مليون عام.
ولفت نوكس الى ان هناك عدم فهم واضح لمدى انعكاس الخسائر في التنوع البيولوجي على تمتع الانسان بمختلف الحقوق، بما فيها الحق بالصحة والغذاء والماء.
ويتزامن نداء المقرر الخاص مع تقرير للامم المتحدة هو الاول من نوعه الذي يبحث العلاقة بين حقوق الانسان والتنوع البيولوجي. ويعرض نوكس في هذا التقرير اهمية الوظائف التي يؤديها النظام الايكولوجي في التمتع بمختلف حقوق الانسان.
ومن المقرر ان يعرض نوكس تقريره الجديد في جلسة تعقد في المقر الاوروبي للامم المتحدة في جنيف في السابع من شهر آذار (مارس) الجاري.
ويتناول تقرير المقرر الخاص التزامات حقوق الانسان المتعلقة بالحفاظ على التنوع البيولوجي والاستفادة منه على نحو مستدام. ويصف التقرير أهمية خدمات النظم الايكولوجية والتنوع الاحيائي بالنسبة الى التمتع الكامل بحقوق الإنسان، ويحدد الخطوط العامة لانطباق التزامات حقوق الانسان على الاعمال المتصلة بالتنوع الاحيائي.
وجاء في تقييم “النظم الإيكولوجية في الألفية” وهو استعراض شامل للعلاقة بين النظم الإيكولوجية والرفاه البشري، ان كل شخص في العالم يعتمد بالكامل على النظم الايكولوجية للأرض والخدمات التي تقدمها هذه النظم، مثل الغذاء، والمياه، ومعالجة الامراض، وتنظيم المناخ، والاشباع الروحي، والتمتع بالجمال. وتشتمل خدمات النظم الايكولوجية على خدمات امداد مثل الاغذية والمياه والاخشاب والالياف، وهي خدمات ضرورية لتلبية الاحتياجات المادية الاساسية، بما في ذلك التغذية والمأوى والملبس. اما الخدمات التنظيمية، مثل تنقية المياه والحماية من التآكل، فهي تدعم المياه النظيفة والصحة البشرية. وتقدم النظم الإيكولوجية ايضاً خدمات ثقافية حيوية الى كثير من الناس حول العالم الذين تضرب قيمهم الدينية والروحية بجذورها في الطبيعة.
وتنص اتفاقية التنوع البيولوجي بانه “تبيان الكائنات العضوية الحية المستمدة من كافة المصادر بما فيها، ضمن امور اخرى، النظم الايكولوجية الارضية والبحرية والاحياء المائية والمركبات الايكولوجية التي تعد جزءاً منها، وذلك يتضمن التنوع داخل الانواع وبين الانواع وتنوع النظم الإيكولوجية”. وهكذا يشمل التنوع الاحيائي ليس فقط ملايين الأنواع المختلفة على كوكب الأرض، بل “إنه يشمل ايضاً تفرعات وسمات جينية محددة داخل الأنواع، مثل تفرعات المحاصيل المختلفة، وتوليفة هذه الانواع داخل النظم الايكولوجية التي يتسم بها المشهد الطبيعي والزراعي والمشاهد الطبيعية الاخرى مثل الغابات والاراضي الرطبة والأراضي العشبية والصحارى والبحيرات والأنهار”.
ويلف التقرير الى انه “على الرغم من الاعتراف على نطاق واسع باهمية وجود بيئة صحية بالنسبة الى التمتع بحقوق الانسان، فما زالت العلاقة بين حقوق الانسان والتنوع البيولوجي تفهم بدرجة اقل”.
ويوصي تقرير نوكس بضرورة اعطاء مسألة التنوع البيولوجي أولوية، لانها ضرورية لخدمات النظم الايكولوجية التي تدعم التمتع الكامل بمجموعة واسعة من حقوق الانسان، بما في ذلك الحق في كل من الحياة، والصحة، والغذاء، والمياه، والثقافة. ومن اجل حماية حقوق الانسان، يقع على الدول التزام عام بحماية النظم الإيكولوجية والتنوع البيولوجي. كما يوصي التقرير باتباع نهج قائم على حقوق الانسان يساعد على توضيح خطورة فقدان التنوع البيولوجي ويبرز الحاجة الى الحماية ويساعد على تشجيع السياسات في مجال الحفظ والاستخدام المستدام.
كما ينبغي ان تعترف الدول بان المدافعين عن التنوع البيولوجي هم مدافعون عن حقوق الانسان، ولذلك ينبغي تهيئة بيئة آمنة وتمكينية لهم.
وتظهر المعطيات والبيانات ان العالم لا يزال بعيدا عن تحقيق الخطة الاستراتيجية للتنوع البيولوجي 2011-2020 وتحقيق أهداف “آيتشي” للتنوع البيولوجي.
ويحذر نوكس ان الدول ليست في المسار الصحيح الذي يمكّن من تحقيق الاهداف المحددة في الخطة الاسترايتيجة. وينبغي ان تضاعف الدول جهودها من أجل تحقيق هذه الأهداف، بطرق من بينها ضمان ان تعبّر الاستراتيجيات وخطط العمل الوطنية عن النطاق والطموح اللازمين. وينبغي ان تزيد الدول والمنظمات المانحة من الدعم المقدم منها لضمان ان توجد لدى جميع الدول القدرة على تحقيق هذه الاهداف، والضمانات التي تكفل عدم انتهاك حقوق الانسان من جانب المشاريع المتصلة بالتنوع البيولوجي.