تمتع لبنان تاريخيا بغنى وتنوع حيوي فريديْن، نظرا لتعدد وتنوع جغرافيته ومناخه، بحرا ووسطا وجبلا، يكفي أن نذكر أن ثمة أنواعا من النباتات البرية النادرة لا يمكن العثور عليها في أي مكان من العالم، تم توثيق بعضها من قبل رحالة وباحثين غربيين في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين في “جبل الكنيسة” في أعالي قضاء بعبدا في جبل لبنان، فضلا عن ما كان يحفل به من تنوع على صعيد الحياة البرية، قبل أن تنقرض أنواع كثيرة من الكائنات بينها معظم الطيور المستوطنة، وثدييات اختفت أو تراجعت أعداها بسبب التوسع العمراني وانحسار المساحات الخضراء والصيد الجائر، وعوامل عدة بينها تغير المناخ والفوضى وعدم تطبيق القوانين وملاحقة المعتدين.

ويروي المسنون أنهم عايشوا مرحلة كانت تتواجد فيها كائنات مختلفة بكميات كبيرة، منها قطعان من الغزلان، والماعز البري، ومجموعات من الحيوانات المفترسة مثل الدببة السمراء، النمور، الذئاب، الثعالب، والقط البري، فضلا عن الحيوانات الصغيرة اللبونة مثل القنفذ، كبابة الشوك، الغرير والنمس والطبسون وغيرها، والكائنات الحية المائية من أنواع مختلفة من الأسماك وغيرها في المسطحات المائية العذبة والبحرية، والتي قل عدد أنواعها بشكل كبير، نتيجة تلوث المياه العذبة ونضوبها أو الصيد الجائر والتلوث والتغير المناخي، أو نتيجة “الهجرة الليسبسية” Lessepsian migration من قناة السويس التي أدخلت كائنات غازية قضت على أنواع متوطنة عدة وحلت مكانها.

 

 جمعيةGreen Area  الدولية

 

وقد ساهم الصيد الجائر والتمدد العمراني والتلوث في تقلص هذه المساحات الحيوية الهامة بتنوعها، ما انعكس على هذه الحيوانات وتكاثرها، وأصبح عدد منها غير موجود في لبنان أو بأعداد قليلة نسبيا أو مهدد بالإنقراض.

ودفع هذا الأمر البعض إلى إطلاق مبادرات فردية، في محاولة لاستعادة بعض هذا التنوع، دون أي التفات من الإدارات والوزارات المعنية، فلا جهود أو مشاريع أو برامج للحفاظ على الحيوانات، أو المساهمة في هذا الأمر، أو حتى تأمين العلاج أو جزء منه، أو توفير الملاذ لها في حال الإصابة، أو دعم الأفراد الذين يبادرون بالمساعدة بأي طريقة ممكنة، ما أدى إلى تراجع أعداد الحيوانات وأنواعها، فضلا عن نفوق العديد منها بسبب الإصابة بالجراح والأمراض، كما أن هذه المراكز القليلة قد امتلأت بالحيوانات المصابة، ولم تعد قادرة على علاج الموجود لديها، فضلا عن استقبال حالات جديدة، منها The Animal Encounter في مدينة عاليه، ما دعا جمعية Green Area الدولية، كجزء هام من عملها في المجال البيئي، إلى لفت الأنظار لهذه المبادرات، والمطالبة بقيام الجهات المسؤولة بواجبها في هذا المجال، للمحافظة على ما تبقى من حيوانات قليلة ونادرة في لبنان.

 

نجد وحب الطبيعة

 

وفي هذا السياق، نتوقف عند مبادرة مهمة في قرية العبادية الوادعة في جبل لبنان، أطلقها رامي خالد نجد الذي نشأ ومنذ نعومة أظفاره على حب الطبيعة، وأسس مع والده مزرعة لتربية الأبقار بهدف إنتاج الحليب ومشتقاته، وتأمين مصدر دخل للعائلة.

لم يكتفِ نجد بوضع اللافتات حول مزرعته تحذر من صيد الطيور، التي يربي بعضا من أنواعها جنبا إلى جنب مع الأبقار فحسب، وإنما يعالج المريض والجريح منها، ويبادر إلى إكثارها ليعيد إطلاقها إلى البرية.

 

3

 

وأشار نجد لـ greenarea.info إلى أن “العديد من الصيادين يستنزفون الجهد المبذول ويقتلون هذه الطيور بعد إطلاقها في بيئتها الطبيعية”، إلا أن هذا الأمر لم يردع نجد، فهو ما يزال يواظب على إطلاق الحساسين والحجال والفري وغيرها من الطيور البرية في الطبيعة.

وفي هذا المجال أيضا، اقتنى نجد خلال السنوات الماضية عددا من أنواع الغزلان المنوعة، وعمل على إكثارها، ويعتز بأول غزالة لديه يطلق عليها اسم “سلوى” كونها أم الغزلان، فهي الأقدم لديه، وأنجبت عددا كبيرا منها، أبقى البعض، وعمل على توزيع البعض الآخر على أفراد يتابعون تربية الغزلان والحيوانات بهدف إكثارها في أملاكهم الخاصة، وقد أصبح نجد مقصدا لكل من يحب الحياة البرية، ويرغب في اقتناء حيوانات من كافة الأصناف والأنواع.

 

إهمال الدولة

 

وبعد نجاح هذه التجربة، قرر نجد مؤخرا إعادة الغزال العربي Mountain gazelle، واسمه العلمي Gazella gazella، والذي كان موجودا بكثرة في لبنان، بالإضافة إلى محاولة إدخال أصناف جديدة إلى لبنان مثل Sika deer ويكثر في اليابان، واسمه العلمي Cervus nippon بهدف إكثاره، والمها العربي Arabian oryx واسمها العلمي Oryx leucoryx، واستقدمهم من معرض كبير أقيم في الإمارات العربية المتحدة، فضلا عن أنواع غريبة من الدجاج مثل “البراهما” وغيرها من أنواع الطيور الغريبة، مثل طيور التدرج Pheasant الرائعة.

وقال نجد: “بعد وصول 11 غزال عربي نفق 5 منها، إلا أنه وبعد 3 أشهر فلدينا غزالتين ستلدان قريبا، ما يجعلنا نشعر بالأمل بما لدينا لتحقيق هدفنا بإكثار هذا الغزال، وأنواع أخرى من الغزلان والحيوانات في لبنان”، وأشار نجد إلى أن “معاناتنا تتمثل في إهمال الدولة، فكل ما نقوم به على نفقتنا الخاصة، ولا دعم مؤسساتي لمزرعة الأبقار التي لدينا وهي التي تمول هذا المشروع الفريد من نوعه، خصوصا وأن الحليب يخسر، مع إغراق السوق بالبضائع المستوردة من حليب بودرة وأجبان وغيره”، وأشار إلى أنه “إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فلن نستطيع إطعام حيواناتنا، وسنحاول بيعها إلى هواة ومزارع أخرى”.

 

الغزال العربي

 

كان الغزال العربي متواجدا على نظاق واسع في شبه الجزيرة العربية، وفي مرتفعات الجولان وفي فلسطين المحتلة، سوريا، تركيا ولبنان، وفي المناطق الجبلية والسواحل والسهول، ولم توجد أي سجلات تؤكد وجوده في سوريا منذ العام 1932، واعتقد أن هذا النوع انقرض في لبنان منذ العام 194،  إلا أن ثلاثة غزلان شوهدت في العام 1998 في جبال الباروك، أما آخر سجلات له تم توثيقها في الأردن عام 1986 حيث أعيد إدخاله إلى محمية الشومري.

 

 

2

 

أما نطاقه الحالي فيوجد في فلسطين المحتلة في مرتفعات الجولان، الضفة الغربية وفي مناطق محمية في السعودية والإمارات وسلطنة عمان وإيران، وتقدر أعداد هذه الغزلان بحوالي ثلاثة آلاف موزعة على معظم هذه المناطق.

وفي لبنان لا يوجد الغزال إلا نادرا، لدى هواة مستقلين في كافة أنحاء لبنان، وعدد منها يقدر بـحوالي المئة موجود في “محمية الرئيس الحريري” في منطقة عانا البقاعية، جنبا إلى جنب مع حيوانات وطيور برية أخرى.

وتأمل “جمعية Green Area الدولية” أن تنجح هذه المبادرات الفردية، في إعادة إدخال هذه الحيوانات المميزة إلى ربوعنا، وأن يتم التواصل معها بهدف الإضاءة على النشاطات البيئية الهامة ولتشجيع مبادرات نوعية أخرى ونشر الوعي البيئي السليم.

 

 

 

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This