قريباً سيظهر الصراع الحقيقي على النفايات. في الفترة السابقة طغت على المشهد الصراعات على عقود المعالجة والكنس والجمع وخطط “مجلس العلماء” في مجلس الإنماء والإعمار و”مجلس الخبراء” في وزارة البيئة و”مجلس النجباء” في وزارة التنمية الإدارية.
الآن حان الوقت ليظهر أصحاب المصالح الحقيقيون، عندما يبدأ النقاش الجدي في الاستراتيجيات والقوانين الناظمة لهذا الملف.
في الواجهة ستظهر أولاً الصناعات المختلفة. وقد بات لكل صناعة وكلاؤها وعملاؤها من السياسيين والتجار والسماسرة والخبراء وبعض النشطاء والجمعيات. سيحتدم الصراع بين صناعة الطمر، أي الذين يروجون أن طمر النفايات حول الحل الأقل كلفة… وصناعة الحرق، أي الذين يرون أن لا أماكن لإنشاء المطامر، ولا سيما في المدن، وأن الحل هو بإنشاء المحارق (على أنواعها)… وصناعة التخمير التي ترى أن أكثر من نصف حجم النفايات المنزلية هي نفايات عضوية، وبالتالي إن أهم حل هو فرز النفايات العضوية وتخميرها مع إمكانية توليد الطاقة من الغازات المنبعثة منها. كذلك هناك صناعة إعادة التصنيع التي ترى أن بين النفايات نسبة لا بأس بها من مواد قابلة لإعادة التدوير، وهي توفر أو تسترد بعض الموارد (مع العلم أنها تحتاج إلى طاقة أكبر وإلى مياه عذبة وتنتج منها نفايات صلبة وسائلة تحتاج إلى معالجة أيضاً). وهناك صناعة الوقود البديل، وهي مقترحة من شركات الأسمنت وبعض الجمعيات التي تدور في فلكها، والتي تروج لفرز بعض أنواع النفايات وتجهيزها لتكون وقوداً بديلاً من الفيول في أفران شركات الترابة… إلخ، وكل ينادي: “أنا دولة”.
في هذا الوقت يضحك بعض التجار في سرّهم بأن أحداً لا يحمّلهم مسؤولية، ولا أحد يدخلهم في هذا الصراع طوال كل تلك الفترة السابقة، ما دامت المشكلة بين أصحاب المصلحة في معالجة النفايات، وليست مع من يُنتجها. مع العلم أن أي بحث جدي في المبادئ الاستراتيجية لإدارة النفايات، وفي إطار تحديد المسؤوليات، سيجعلهم في رأس القائمة بعد المنتجين، لكون أغلفة السلع، التي تتحول إلى نفايات كبيرة العدد وقليلة الأهمية، هي من اختراعهم، لأسباب تسويقية، لا تمت إلى وظيفة السلعة الجوهرية بصلة. وإذا ما اتُّبع التسلسل المنطقي، من الأكثر إلى الأقل، أو من الأكبر إلى الأصغر، في تحميل مسؤولية إنتاج النفايات، وبالتالي مسؤولية المعالجة وكلفتها، فإن المسؤوليات ستبدأ من المنتج (المصنع) إلى التاجر (المسوق) إلى المستهلك. هذا إذا ما طُبِّقَت مبادئ المعالجة العادلة للنفايات التي تبدأ بمبدأ التخفيف، الذي قد لا يعجب أحداً من الصناعيين المذكورين والمتنازعين على الموارد كمواد أولية أو كطاقة.
من حق كل صناعي أو صاحب مصلحة أن يدافع عن مصالحه وعن تقنياته، وأن يستخدم كل إمكاناته، بما فيها عقله العلمي، إلا أن السؤال المركزي: أين سيكون عقل الدولة، ومن سيمثله في أثناء وضع الاستراتيجيات والقوانين في الأسابيع المقبلة؟
وهل ستسبق هذه الاستراتيجيات والقوانين المشاريع الصناعية المذكورة، الصغيرة منها والكبيرة؟ أم أن هناك من يريد أن يفرضها كأمر واقع، خارج أي أطر استراتيجية أو قانونية، بحجة وجود “حالة طوارئ”، كما في كل مرة منذ نهاية الحرب الأهلية في لبنان؟