عقدت اللجنة الوزارية المشكلة بموجب القرار رقم 10 تاريخ 11/1/2017، أكثر من جلسة منذ فترة لمناقشة مسودة ملف التلزيم العائد لمناقصة التفكك الحراري وتحويل النفايات إلى طاقة الذي أعدّه الاستشاري RAMBOLL لإعداد الاقتراحات المناسبة ورفعها إلى مجلس الوزراء. فما كانت حصيلة هذه الاجتماعات المغلقة والسرية؟ وما أبرز الملاحظات على الموضوع من خبراء مستقلين ومن وزارة البيئة نفسها؟
بغضّ النظر عن الملاحظات المبدئية على عدم صوابية خيار حرق النفايات في الأصل، الذي لا يندرج ضمن رؤية استراتيجية لها مبرراتها العلمية والتقنية والفلسفية، ماذا في ملف التلزيم؟ وما أبرز الملاحظات الداخلية عليه؟
يتناول ملف التلزيم بداية “معمل للتفكك الحراري”، الذي من الناحية التقنية يمكن تعريفه على النحو الآتي: “إن معامل التفكك الحراري هي محارق Incinerator تعمل بتقنية تسمح لها بإنتاج الطاقة الكهربائية من المواد التي يتم حرقها”.
ويعتقد البعض جازماً “أن كل المحطات التي مرت بها أزمات النفايات كان مقدّراً ومخططاً لها لكي نصل إلى مرحلة الحرق”. الدليل على ذلك أنَّ مجلس الإنماء والإعمار كان قد بدأ بتكليف شركة Ramboll دراسة الملف ووضع دفتر الشروط اعتباراً من عام 2003، ما يعني أنَّ قرار إنشاء المحارق هو قرار قد اتخذ مع سبق الإصرار والترصد، حتى قبل أن يتبنى مجلس الوزراء هذا الخيار رسمياً عام 2010.
لا تحديد للموقع ولا للحجم!
يطرح دفتر الشروط جملة استفهامات وأسئلة، منها على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي:
1. لا يحدد دفتر الشروط مكان معمل التفكك الحراري وموقعه! ويُفترض لبناء المعمل أن تُحدد الدولة اللبنانية موقعاً ثابتاً يخدم المنطقة الخدماتية المعنية (بيروت وقسم من جبل لبنان)، وذلك قبل وليس بعد إطلاق ملف التلزيم، وهو خطأ مبدئي كبير لا يفترض التغاضي عنه، خاصة أنه ينبغي انتظار جواب دراسة الأثر البيئي للموقع قبل الموافقة أو عدم الموافقة على المشروع!
2. عدم خبرة الدولة اللبنانية في مجال التفكيك الحراري ــ بناءً على رأي الاستشاري Ramboll المذكور ضمن الوثائق المرفقة ــ الأمر الذي سيقلص دورها في مجال الإشراف والمراقبة على الأعمال والكميات، وهذا بحدّ ذاته يُعَدّ هدراً للموازنة العامة التي ستدفع تكاليف مشروع قد لا يكون بالإمكان إجراء المراقبة اللازمة عليه!
3. الصلاحيات الواسعة التي ستُعطى للمتعهد، ومنها: أنه هو من يقرر حجم القدرة الإنتاجية للطاقة الكهربائية التي ستنتج، في حين أن هذا الأمر يجب أن يكون شرطاً مسبقاً ومحدِّداً للنجاح!
4. كذلك لا يتبيّن حجم الطاقة اللازمة للتشغيل التي يمكن أن تفوق قدرة معامل الإنتاج الموجودة حالياً، وبالتالي يمكن هذا الأمر أن يُعرّض المحرقة للتوقف عن العمل، إذ لم يكن لديها مصدر دائم ثابت ومنتظم للطاقة.
5. أنه لا يحدد الوسائل التي سيعتمدها في معالجة الرماد الناتج وفقاً للمعايير الأوروبية. فعلى غرار ما حصل مع شركة “شينوك” التي لم تستطع الحصول على ترخيص بطمر النفايات في أي بلد، قد لا يتمكن المتعهد من طمر هذه المخلفات التي يُقدر حجمها بنحو 50-85 طناً بحسب مختلف التقديرات، وهو ما سيرتّب تكاليف إضافية على عملية التشغيل. أما إذا كان مقرراً طمر الرماد الراسب في القاع في لبنان، فأين؟ وماذا عن “الرماد المتطاير”، الذي يُعَدّ خطراً جداً، وتقوم معظم الدول المتقدمة بترحيله إلى مناجم مقفلة في البلدان الفقيرة!
6. تفتح دفاتر الشروط المجال أمام المتعهد لتوفير التمويل اللازم لتنفيذ الإنشاءات، كما سيعتمد في ملف التلزيم، على أن يكون المتعهد هو المصمم، المنشئ والمُشغّل، ما سيُسهم في غياب الشفافية باحتساب كلفة الطن على المواطن.
7. لم يتبين من دفتر الشروط الجهة التي ستكون معنية بعملية فرز المواد التي ينبغي إعادة تدويرها، ولا كيف سيكون التخلص من هذه الكمية من النفايات، ولا أين سيكون مصيرها: مطمر أو مكب… إلخ. وهذا بدوره سؤال كبير، إذ كيف يمكن إطلاق مناقصة من غير المؤكد أن بعض الأمور الأساسية فيها هي على عاتق الدولة أو على عاتق المتعهد؟
تلزيمات تسبق القوانين!؟
8. بسبب الحاجة إلى ضخ كميات كبيرة من المواد المنتجة للطاقة في المحرقة لضمان التشغيل بكفاءة وفعالية، ستوضع في المحرقة نفايات، بينها البلاستيك والحديد والورق ونفايات الحدائق، وهي نفايات لها قيمة أكبر فيما لو استعملت كمواد خام بدل استخدامها كفيول للمحارق، إذ بالفرز يمكن استرداد 400 دولار لكل طن من البلاستيك، و 1300 دولار لكل طن من التنك.
9. تجري مناقشة إنشاء محرقة من دون وجود دراسة جدّية عن الأثر البيئي.
10. من الضروري تحديد مواقع طمر الرماد الباقي مسبقاً، واعتبار هذه المواقع جزءاً لا يتجزأ من العقد، كذلك ينبغي البت مسبقاً بالسياسات التي ينبغي اتباعها في هذا المجال: طمر في لبنان أو في خارجه أو معالجة أو استخدام تقنيات أخرى.
11. أليس هناك حاجة لتأسيس الهيئة الناظمة لإدارة قطاع النفايات الصلبة لتُسهم في تنظيم القطاع من كل جوانبه القانونية والإدارية والمعلوماتية (إدارة نظم المعلومات ذات الصلة) والتعاقدية والتمويلية والتكنولوجية، ليس لمنطقة بيروت الكبرى فقط، بل لكل لبنان؟
12. هل يُبدأ بإنشاء محرقة قبل وضع استراتيجية شاملة، وقبل إقرار قانون إدارة النفايات وإصدار قانون يسمح لمشغّلي مرافق معالجة النفايات الصلبة ببيع إنتاجهم من الكهرباء؟!
13. دفتر الشروط يعود لتقنية معالجة النفايات الصلبة المنزلية، فيما يرد في أحد ملاحقه أنّ مركز التحويل مخصص أيضاً للنفايات التجارية والصناعية! وماذا سيحصل بالنفايات الخطرة (طبية، صناعية، زراعية،…)؟ هل تُستقبَل ضمن النفايات التي ستعالج في المحرقة؟ ومن يضمن عدم إحراق أي شيء قابل للاحتراق، بما فيه النفايات الخطرة؟
14. ماذا سيكون دور البلديات التي ستستفيد من إنشاء المحرقة لمتابعة أعمال الإشراف والرقابة غير المباشرة على أعمال المحرقة؟ وهل بقدرة البلديات ومهما كان حجمها المراقبة؟
ملاحظات وزارة البيئة
بالإضافة إلى الملاحظات المبدئية التي سجلها خبراء مستقلون، علمت “الأخبار” أن وزارة البيئة سلمت أول من أمس ملاحظاتها أيضاً على دفاتر شروط مناقصات التفكك الحراري، انطلقت فيها من خمسة شروط متوازية الأهمية، يستحيل توافرها على ما نلاحظ، ومنها: الشرط الأول يتعلق بـ “نوعية النفايات ذات طاقة كامنة كافية”. وهذا غير متوافر في رأي الاستشاري، إذ تصنَّف النفايات المنزلية اللبنانية عضوية ورطبة وطاقتها الحرارية متدنية. أما الشرط الثاني، فيعود إلى “مدى كفاية كمية النفايات للتشغيل”. مع العلم أن القرارات الحكومية متناقضة في هذا المجال، ولا سيما عندما تُرك للبلديات حرية الاختيار. أما الشرط الثالث، فيتعلق بـ “توافر الموارد المالية اللازمة”، مع العلم أن إنشاء نوع كهذا من المحطات مكلف جداً إذا كانت المواصفات عالية وعولجَت كل المشاكل التي ستنجم عن المحطة. والشرط الرابع حول “وجود مركز لمعالجة مخلفات مركز التحويل والمواد غير القابلة للاشتعال بشكل سليم بيئياً”، ما يعني عدم انتفاء الحاجة إلى مطمر كما يروّج لتبرير خيار الحرق. أما الشرط الخامس، فيتعلق بـ “وجود إدارة كفوءة وتقنيين وأصحاب اختصاص”. وتؤكد وزارة البيئة أنه “إذا لم تتوافر هذه الشروط مجتمعة (وهذا مستحيل)، فإن ذلك سيؤدي إلى عدم استدامة المشروع”.