أثبتت الدراسات والأبحاث العلمية أن ثمة دورا أساسيا لكل كائن حي في الطبيعة، وضمن النظم الإيكولوجية السليمة، بما في ذلك الحيوانات المفترسة، لكن اعتبرت الذئاب -على سبيل المثال – في قصص الأطفال (قصة ليلى والذئب) كائنات خطيرة، وتكرس ذلك في لاوعينا منذ الصغر وتكونت لدينا فكرة في ما بعد تقول بأن هذه الحيوانات يجب القضاء عليها، كونها قد تشكل خطرا على البشر وحيواناتهم الأليفة، بينما في الواقع، ينعكس القضاء على الذئاب خللا في التوازن البيولوجي، ما قد يؤدي إلى ازدياد أعداد حيوانات أخرى تشكل خطرا على البيئة الطبيعية، يصعب السيطرة عليها، ومثال على ذلك ما شهدته منطقة “وادي لامرتين” خلال السنوات الثلاث الماضية، إذ تسبب فقدان الذئاب إلى زيادة في أعداد الخنازير البرية التي دمرت الأراضي الزراعية نتيجة غياب عدوها الطبيعي.
الذئب الرمادي والتنوع البيولوجي
وفي هذا المجال، أكدت دراسة ميدانية منذ العام 1994 في “منتزه اليلوستون الوطني” Yellowstone National Parkفي الولايات المتحدة الأميركية، أنه بعد إعادة الذئب الرمادي Gray Wolf إلى المنتزه واسمه العلمي Canis lupus، انعكس هذا الأمر بصورة إيجابية للغاية على التنوع البيولوجي، وقال عالم الأحياء ومسؤول الحياة البرية في مشروع إعادة الذئب الرمادي دوغ سميث Doug Smith“عندما أعيد الذئب الرمادي إلى يلوستون، لم يكن هناك سوى مستعمرة قندس واحدة في الحديقة، أما اليوم، فإن الحديقة موطن لتسع مستعمرات، مع إمكانية أن تتزايد أعدادها في المستقبل، وهذا الأمر أدهش علماء الأحياء مع تغيرات في النتائج المباشرة وغير المباشرة في النظام البيئي الخاص بيلوستون”، ويعلق سميث “إن أعداد القندس المتزايدة هو أحد هذه النتائج العظيمة لإعادة الذئاب”.
ما حدث، وفقا لسميث “أن وجود الذئاب قد أدى إلى سلسلة تأثيرات لا زلنا نحاول اكتشافها بين الحيوانات والنباتات، ومن شأنها أن تستغرق عقودا من الأبحاث لفهمها”، وشبه سميث الأمر “بإنهيار الصخور في الجبال، وانهيار أحدها أدى إلى انهيار العديد منها، حيث أن هذا التغيير تسبب بسلسلة حيوية Biological Cascade من التغييرات”.
وقال: “على الرغم من أن حيوانات أخرى مثل الدببة الرمادية والسوداء والنمر الجبلي (الجاغوار) تفترس أيائل يلوستون Yellowstone elk، فإن القضاء على الذئب الرمادي في ثلاثينيات القرن الماضي أدى إلى ازدياد أعداد الأيائل بدرجة كبيرة، ما انعكس على النباتات التي يعتمد عليها القندس، بالإضافة إلى حيوانات أخرى، وبذلك ازدادت أعداد الأيائل على حساب أعداد حيوانات ونباتات كثيرة، أما بعد إعادة الذئب الرمادي عاد القندس، وبنى سدودا خاصة به أثرت على هيدرولوجية hydrology التيار، فعادت الأسماك بأعداد متزايدة، بينما إعادة انتعاش الغطاء النباتي أدى إلى عودة الطيور بأنواعها خصوصا الجارحة لتتغذى على بقايا الأيائل والحيوانات، وبالتالي ازدادت خصوبة التربة، وازدادت تنوع النباتات والكائنات، فضلا عن أعداد الحيوانات الأخرى التي أتت لتتغذى على الغطاء النباتي المتعافي، فازدادت أعداد الحيوانات المفترسة لها.
وقال سميث: “أمكننا توثيق عودة نظام بيولوجي للتكامل مرة ثانية، وعادة ما نوثق تدهور هذه النظم، بسبب إزالة أحد هذه الكائنات، وهذا المجال مفتوح لأبحاث عدة”.
وقال البروفسور في علم البيئة سكوت كريل Scott Creel من جامعة مونتانا الحكومية Montana State Universityأنه “من خلال بحثي في وادي غالاتين Gallatin Canyon تمكنت من متابعة سلوك الأيائل، فمع عودة الذئاب، تكيفت الأيائل وابتعدت عن المناطق المنخفضة قرب النهر، وتفرقت إلى مجموعات صغيرة، واتجهت إلى المناطق الكثيفة بالأشجار، ما قلل من نسب الرعي في المناطق قرب النهر، وساهم بنمو الأشجار والنباتات فيها، وجذب هذا الأمر الحيوانات والطيور الصغيرة والحشرات”.
وقال باحثون من جامعة بيركلي في كاليفورنيا، أن ازدياد عدد الذئاب أدى إلى زيادة عدد الجوارح، التي كانت تعتمد على بقايا الأيائل بسبب نفوقها نتيجة التجمد في الشتاء، أو بسبب الجفاف فقط، أما الآن فقد ساهمت الذئاب بافتراسها الأيائل في زيادة أعداد النسور والغربان وغيرها من الطيور والحيوانات آكلة الجيف.
وفي الفيديو التالي بعنوان “كيف تغير الذئاب الأنهر”، يظهر تأثير الذئاب على الحيوانات والنباتات والطبيعة وخصوصا الأنهر.
https://www.youtube.com/watch?v=ysa5OBhXz-Q
يونس: نظام إجتماعي غاية في التنظيم والإثارة
من جهتنا في greenarea.info تواصلنا مع رئيس جمعية “الجنوبيون الخضر”، الدكتور هشام يونس، فقال “إن الذئاب من الحيوانات اللاحمة الحيوية للغاية، وتأتي في العديد من النظم على رأس السلسلة الغذائية. كما تتمتع بنظام إجتماعي غاية في التنظيم والإثارة، وهي حيوانات جوالة، قد تقضي أكثر من ثلث يومها بحثاً عن طريدة للقطيع أو لصغارها. وقد يقطع الذئب خلال نهار مسافة قد تصل إلى 160 كلم في النهار ليصطاد فريسته ويأكل حاجته منها، وبعدها يتراجع نشاطه بعيد تناوله لوجبة طعامه وهي تعادل ما بين 15 و 19 بالمئة من إجمالي وزنه”.
وأشار يونس أن القطيع يحدد نظاق تجواله ضمن المنطقة التي قد ينتقل منها إلى أخرى، ويعتمد إتساع هذه المنطقة على عاملين اثنين: حجم قطيع الذئاب (عدد أفراده) وتوافر الطرائد، وقد تتراوح “منطقته” بين عشرات الكيلومترات في (حالات نادرة) وقد تصل إلى مئات الكيلومترات من ضمنها منطقة وجر الذئب أو وكره وتشكل نواة منطقة القطيع، وتبلغ في المتوسط حوالي 35 كيلومترا مربعا (وهذه المنطقة تكون نسبية وفقا للمناطق التي يتزايد بها النشاط البشري)”.
أما عن غذائها فقال يونس: “تفضل الذئاب الطريدة المتوسطة الحجم إلى الكبيرة، إلا أن نظامها الغذائي قد يشمل العديد من الحيوانات الأخرى، بما فيها الغرير والسناجب والأرانب البرية والثعابين والسحالي وكذلك الأسماك وغيرها، وقد يقتات الذئب على الجيف في حالات نادرة بعكس الضبع المخطط، وبحسب بعض الدراسات فهو يفضل الجيفة على الفريسة الطازجة، وهو ما يدحض مقولة مهاجمة الضباع المخططة للمزارع والمواشي (أما المرقط وهو غير موجود في بلادنا فيصطاد طرائده)، أما في حالة الذئاب المنفردة فقد تتجول في مناطق بعيدة وغير محددة بحثاً عن طرائدها إلى حين إلتحاقها بقطيع، وعندها تصطاد ضمن منطقة القطيع.
نادي الذئب الرمادي
في إطار مساعيها للحفاظ على الحياة البرية وتسليط الضوء على أهمية الحيوانات اللاحمة في الحفاظ على توازن النظم البيئية، أطلقت جمعية “الجنوبيون الخضر” في نيسان (أبريل) من العام 2016 “نادي الذئب الرمادي” للتسلق والمسير والتخييم.
ويعنى النادي بتنظيم الأنشطة في المناطق البرية التي تعد موائل لمئات أنواع الحيوانات وعلى رأسها الحيوانات اللاحمة، ويأتي في مقدمتها الذئب الرمادي، إحدى الفصائل التي تتربع على قائمة التنوع البيولوجي في المناطق البرية اللبنانية، وتضم الضباع المخططة والثعالب وبنات آوى والقطط البرية وغيرها. وترى الجمعية أن “هناك مناطق عدة لا زال يُلحَظ فيها نشاط للذئاب وحيوانات أخرى، تتمتع بكل العناصر لتسمح بعودة الذئاب إليها، إذا ما قيد التدخل البشري فيها خصوصا في مناطق نشاط عابر للحدود من قبل الذئاب”.
ووفقا لـ “الجنوبيون الخضر” فإن “لا أرقام رسمية لعدد الذئاب في لبنان وكل المتداول هو تقديري”، وتشير الجمعية إلى أن “منطقة منحدرات حرمون والسلسلة الشرقية هي منطقة نموذجية وتاريخية لتواجد ونشاط الذئاب الرمادية”.
وقد نظم النادي منذ تأسيسه ثلاثة أنشطة سلط فيها الضوء على التنوع البيولوجي على شواطئ العباسية والبرغلية شمالي صور، بالتزامن مع تقدمه باقتراح ودراسة حول الشاطئ وإعلانه محمية طبيعية، وهو الإقتراح الذي تبنته بلدية العباسية، ورفع إلى وزارة البيئة حيث يجري إستكمال إجراءات قانون المحمية.
أما نشاط الجمعية في أحراج الريحان بالتعاون مع بلدية الريحان، فقد جرى خلاله تسليط الضوء على خصوصيتها والمغاور الموجودة فيها، كما أولت الجمعية الإهتمام منذ العام 2015 وادي زبقين بالتعاون مع بلدية زبقين بهدف اعلانه محمية فضلا عن شاطئ عدلون.