أكدت دراسة مفصلة صادرة عن الجامعة الاميركية في بيروت حول الوصفة الطبية الموحدة، بعد سنتين على إقرارها، أن أكثرية الصيادلة لا يؤيّدونها، ما أدى إلى الفوضى في عملية وصف الادوية بين الصيادلة والاطباء، ودفع ثمنها المريض الذي لم يحصل على ما وعد به من ادوية رخصية الثمن، في ظل رقابة غير فاعلة، ولذلك تتركز الانظار اليوم على اهمية تفعيل الوصفة الطبية الالكترونية بهدف ضبط التجاوزات الطبية والدوائية التي لم تعد تحصى، ويبقى ثمة سؤال: متى وكيف ستنفذ الوصفة الطبية الموحدة، أقله من أجل الحفاظ على صحة المريض؟
الدراسة
وذكرت الجامعة الأميركية في هذه الدراسة أن “الوصفة الطبية الموحدّة التي بدأ العمل بها عام 2015، تُعتبر خطوة ايجابية لأنها تشكّل جزءا من سياسة تهدف الى تخفيف أعباء الفاتورة الصحيّة عن المواطنين. ولكّنها تمرّ اليوم بمطبّات، إن لم يتمّ التعامل معها بحزم، ويمكن أن تؤدّي إلى تبعات سلبية بسبب سوء التنفيذ”.
وقام فريق من الباحثين في الجامعة الأميركية في بيروت، بإشراف الدكاترة: فادي الجردلي، إيلي عقل، والباحثة رشا فضل الله، بدراسة، هي الأولى في لبنان، لمعرفة مواقف الصيادلة حيال الوصفة الطبية الموحّدة. وقد شملت الدراسة 153 صيدلية موزّعة على المحافظات اللبنانية الستّ، وقد تبيّن أنّ 64 بالمئة من الصيادلة المشاركين في الدراسة، يؤيّدون سياسة استبدال الأدوية، ولكنّهم لا يؤيّدون الوصفة الطبية الموحّدة بالشكل الذي تطبّق به. أما السبب في ذلك فيعود إلى غياب الدعم الكافي لتحضير المعنيين كافّة لتنفيذ الوصفة الطبية الموحدة، كما وأن غياب التخطيط والتمهيد في السياسة المتبعة في الوصفة الطبية أدّى الى حرمان بعض المرضى من استخدام أدوية “الجنيريك”.
من جهة اخرى شددت الدراسة على أن “الوصفة الطبية الموحّدة هي بصمة متميّزة للنّظام الصحي في لبنان، وخطوة بالإتّجاه الصحيح قامت بها وزارة الصحة العامّة في لبنان ولكن هناك بعض العراقيل في التنفيذ ممكن أن تحدّ من فعاليّتها”، مقترحة حلولا مفصّلة من الواقع اللبناني مبنية على البراهين العلمية لتفعيل مصير الوصفة، ومن بين هذه المقترحات: “وضع سياسات تختصّ بنظام التسعير، ضبط العلاقات غير المهنيّة بين العاملين الصحيّين وشركات الأدوية، تثقيف المرضى والعاملين بهدف تغيير المفاهيم السائدة حول “الجنيريك”، الحرص على تحديث القائمة الوطنية وجعلها سهلة المنال ودمج العلوم الخاصة بالجنيريك في المناهج التعليمية الطبية. ومع إطلاق شبّاك الخدمات الإلكترونية في وزارة الصحة، اقترحت الدراسة جعل الوصفة الموحّدة إلكترونية، وذلك لتسهيل عملية المراقبة الآنية وتخفيف وطأة العقبات الإدارية.
جردلي: خطوة وزير الصحة مهمة
انطلاقا من ذلك، قال البروفسور في السياسات والنظم الصحية في كلية العلوم الصحية في الجامعة الاميركية الدكتور فادي جردلي (المشرف على الدراسة) لـgreenarea.info : “هذه الدراسة اجريت بعد مرور ستة اشهر على اطلاق الوصفة الطبية الموحدة، اي بعدما اخذت وزراة الصحة قرارا بها بهدف تخفيض سعر الدواء، الا ان المشكلة تكمن في ان الوزارة لم تجر تقييما لعمل الوصفة الطبية لمعرفة مفاعل تطبيقها بين الناس والجسم الطبي”.
وأضاف: “المشكلة في لبنان اننا نصدر قرارات كثيرة، ولكن لا نعرف كيف طبقت في ما بعد، انطلاقا من ذلك كانت الفكرة لدينا بإجراء دراسة علمية مفصلة لكي نرى ما هي العوائق في تنفيذ الوصفة الطبية الموحدة، بالرغم من انها شكلت في الحقيقة بصمة مميزة وقرارا جيدا من قبل وزارة الصحة، وما لمسناه ان الصيادلة لا يؤيدون الوصفة الطبية الموحدة لانه لم يكن هناك تحضير كاف لهم، والامر ذاته بالنسبة للاطباء، عدا ذلك عندما أقرت الوصفة الطبية الموحدة لاحظنا ان شركات الادوية الكبرى خفضت من أسعار الادوية الاساسية حتى باتت قريبة لسعر الجنيريك، ولم يعد هناك فرق شاسع في اسعار الادوية، غير ان بعض الصيادلة رأوا ان بعض ادوية الجينريك غير موجودة بشكل مستمر بسبب الشوائب والعوائق في تنفيذ الوصفة الطبية الموحدة، وشددنا في الدراسة على الحلول التالية بهدف تقوية الجينريك وتخفيض الاسعار ضمن سلة مقترحات:
-وضع سياسة تختص في نظام تسعير الادوية.
-ضبط العلاقة غير المهنية بين العاملين الصحين وشركات الادوية، اي بين الاطباء وشركات الادوية، او بين الصيادلة وشركات الادوية لتأثيرها على الجودة ونوعية الادوية.
-تثقيف المرضى، اي من الضروري تحسين مفهوم المواطن للادوية الجينريك.
-تحديث القائمة الوطنية للادوية الجينريك لدى الصيادلة”.
وقال: “الملفت للنظر ان خطوة وزير الصحة مهمة عندما اطلق شبكة الخدمة الالكترونية، وهنا اتمنى ان تكون الوصفة الطبية الموحدة الكترونيا، لكي تسهل عملية المراقبة وضبط الشوائب في الوصفة الطبية الموحدة حيث بامكاننا ان نعرف اذا كان الطبيب يسيء استخدامها ام لا، كما وان وزراة الصحة تستطيع ان تراقب الاعمال الطبية في الوصفة بدقة متناهية”.
وشدد جردلي على أن “المطلوب وعي اكثر ليس فقط عند المريض بل عند الجسم الطبي، من خلال الترشيد، اي علينا التأكد اذا كانت الوصفة الطبية تنفذ عند الطبيب وعند الصيدلي بشكل صحيح”.
أبو شرف: عدد من الصيادلة لم يلتزموا
وقال نقيب الاطباء الاسبق الدكتور شرف ابو شرف لـ greenarea.info: “عندما أنجزنا الوصفة الطبية كان ذلك بالتنسيق مع كل من نقابة الصيادلة ووزارة الصحة، حيث أجبر وزير الصحة السابق وائل ابو فاعور حينها النقابات الصحية على تطبيقها، الا انه بكل اسف تطبيقها كان خاطئا، فصحيح ان من حسناتها انها خفضت سعر الدواء، وان الترقيم في الوصفة خفف ايضا من تزوير الوصفات الطبية، عدا عن انها ادخلت اموالا في صندوق التقاعد للاطباء الذين التزموا بها، الا انه بالمقابل واجهتنا صعوبات أفشلت الوصفة الطبية، حيث ان عددا من الصيادلة لم يلتزموا بها فكانوا يعطون الدواء دون الرجوع الى الطبيب، وهذا لا يجوز ابدا، بينما المطلوب اليوم من وزارة الصحة اجراء عمل تقييمي ودراسة مفصلة حول مدى نجاح تطبيق والتزام الاطباء بالوصفة الطبية الموحدة، والطلب من الصيادلة بامر من وزارة الصحة انه ممنوع عليهم اعطاء دواء من دون وصفة طبية، لان سوء استعماله يؤثر على صحة المريض”.
نقيب الاطباء: مهمة لتمويل صندوق التقاعد
اما نقيب الاطباء دكتور ريمون صايغ، فقال لـgreenarea.info : “ان هناك التزاما فعليا في الوصفة الطبية الموحدة لدى الكثيرين من الاطباء، فصحيح اننا غير مرتاحين لها من ناحية الشكل لانها لا تتوفر فيها أسس المساواة من جهة الاختصاصات الطبية كافة، الا انها مهمة لتمويل صندوق التقاعد لنقابة الاطباء، كما وان السيء فيها ان الوصفة الطبية مرتبطة حسب عمل الاطباء، وهذا غير مناسب لجميع الاختصاصات في الجسم الطبي، حيث ان هناك اطباء لا يحتاجون الى الوصفة الطبية كأطباء الأشعة والمختبر والتجميل، كما أن هناك تعميما والتزاما بالاتجاه الصحيح للوصفة الطبية، حيث ادخل الطابع البريدي الذي يوضع على الوصفة الطبية مبلغا من المال الى صندوق التقاعد بحدود 3 مليار و 600 مليون ليرة لبنانية سنويا، فاهم ما نطلبه اليوم طبع الوصفة الطبية في الكومبيوتر في المستشفيات لتسهيل المهام علينا”.
نقيب الصيادلة: محض تجارية
من جهة اخرى قال نقيب الصيادلة جورج سيلي لـ greenarea.info: “للاسف الذين أعدوا الوصفة الطبية لا يعرفون اسس النظام الصحي وغير مؤهلين في هذا المضمار، ولذلك كان هناك خطأ في التطبيق، كما وانهم لم ينجزوا دراسة مفصلة عنها تحدد السلبيات والايجابيات على القطاع الصحي قبل فرضها علينا كصيادلة، اذ انه عندما يطلب من الصيدلي ان يغير الجينريك فهل هناك دراسة حول جودة الجينريك في لبنان؟ وهل هناك ايضا دراسة اذا كان الصيدلي لديه معلومات علمية في كيفية التعامل مع الوصفة الطبية، اي في عملية الاستبدال الصحيح للدواء على غرار الطبيب؟ وإلى اي مدى نحن بحاجة الى الوصفة الطبية فهل فقط وجدت من اجل التغذية المادية لصندوق التقاعد لنقابة الاطباء لتكون محض تجارية؟ وماذا افادت للمواطن او النظام الصحي؟”.
وأضاف سيلي: “للاسف ان الوصفة الطبية الموحدة لم تعد تفيد بشيء، وليس هناك من آلية عمل لتنفيذها، كل الذي نطلبه من الآن فصاعدا اجراء دراسة تقيمية علمية قبل اتخاذ اي قرار يتعلق بالصحة العامة، تجنبا لما حصل في الوصفة الطبية الموحدة، فكل المشاكل الصحية التي نعاني منها اليوم هي نتيجة غياب دراسة علمية مفصلة، فسهل التنظير، لكن علينا اثبات ذلك من خلال العمل الشفاف والواضح المعالم والمدروس بدقة متناهية تجنبا لاي تداعيات سلبية على الصحة، وعلى سبيل المثال يدخل الى لبنان 23,7 بالمئة من ادوية الجينريك، ولاحظنا ان وزارة الصحة تدرس هذا الملف الدوائي بطريقة بدائية نظرا لغياب المختبر المركزي للتأكد من صحة الدواء، فضلا عن عدم توفر مركز للتكافؤ البيولوجي وهو اساسي لدراسة الدواء، وعلى سبيل المثال ان (البنادول) اخطر دواء اذا اخذ بكمية كبيرة، لذلك من المفروض وصف اي دواء ضمن وصفة طبية، واي قرار يتخذ من المعنيين يتعلق بصحة المواطن يجب ان يخضع لدراسة مفصلة من كل الاتجاهات، تجنبا لاي تداعيات صحية خطيرة”.
عربيد: مطلوب اعادة النظر بها
أما مستشار وزير الصحة غسان حاصباني الدكتور بهيج عربيد، فقال لـ greenarea.info : “في البداية كانت خطوة الوصفة الطبية مهمة الا انها اصطدمت بعدة عوائق بكل اسف، لم يكن هناك لغة واحدة في وصف الدواء تضبط الوصفة الطبية الموحدة، حيث اعطي الحق للصيدلي ان يغير الجنيريك كيفما يشاء، مع العلم ان هذا الحق يعطى للطبيب، عدا عن ان هناك عددا مهما من الصيادلة لا يملكون اجهزة الكومبيوتر للرقابة اكثر حول ما يجري من كواليس الوصفة الطبية الموحدة”.
وأضاف عربيد: ” اهم أمر ايجابي في الوصفة الطبية الموحدة انها أمنت اموالا لصندوق تقاعد الاطباء، اما ضبط الوصفة الطبية لم يتحقق منها اي شيء، لان ليس لدينا نظام معلوماتية لكي نعرف اذا كانت هذه الاخيرة مزورة ام مشبوهة، كما وانه نخاف من التزام بعض الصيادلة او الاطباء بدواء معين خوفا من تواطئهم مع شركات الادوية، لذلك من المفروض اعادة النظر بها من جديد”.