وضعت المنظمات العالمية المعنية بالبيئة صناعة “الأسمنت” على رأس لائحة الصناعات الملوثة لكوكبنا، ذلك أن هذه المصانع تنتج كميات كبيرة من الغازات السامة والغبار المسرطن، فجميع الدراسات تؤكد أن انتاج طن واحد من الاسمنت يؤدي الى انبعاث ما يقارب 900 كلغ من ثاني أوكسيد الكربون، و2,2 كلغ من أول أكسيد الكربون، (لها دور رئيسي في تسخين جو الأرض)، فيما تبلغ نسبة الانبعاثات الناتجة من صناعة الاسمنت حوالي 5 بالمئة من مجموع الإنبعاثات الناجمة عن النشاطات البشرية كلها.
وتنتج مادة الاسمنت، عن إحتراق عدد من المواد الطبيعية مثل الحجارة الكلسية، الغضار، الجير الكلسي، بدرجات حرارة عالية، وعبر مراحل العمليات الإنتاجية (التفجير، التعدين، النقل، التكسير، الطحن، الحرق، التبريد والتعبئة)، ونتيجة عملية الاحتراق تلك تنبعث من مداخن المعامل العملاقة عدة ملوثات، تتبع تراكيب المواد الخام المستعملة أو نوعية الوقود المستخدم. ومن تلك الملوثات الخطرة جدا على الصحة والبيئة عموماً نذكر غاز ثاني أوكسيد الكبريت (SO2) الذي يبقى في الجو لفترة 4 الى 25 يوما متحولاً بعدها الى غيوم من حامض الكبريت الذي يؤدي الى تشكل الأمطار الحمضية، كذلك تنبعث من المعامل مواد سامة مثل الزئبق والكادميوم، اضافة الى انواع عديدة من الغبار المحمول PM10 بأقطار صغيرة (من 20 وحتى 100 ميكرون)، وبعضها اصغر من 10 ميكرون، وتصل جميعها الى مسافات بعيدة (15 كلم) عن المصنع، وهي ذات تأثير خطير على صحة الانسان والحيوان والنبات، فعلى سبيل المثال ينتج عن استنشاق غبار الأمينت بكافة أحجامه، تليف خطي يصيب الشعيبات التنفسية والرئة، ويتطور هذا التليف لينتهي الى سرطان الرئة المعروف.
وكذلك ينتج عن عملية الاحتراق تلك غازات سامة أخرى، كأكاسيد النتروجين NO وثاني أوكسيد النتروجين NO2 (أحد أهم مسببات الامطار الحامضية)، وتتحول اكاسيد النتروجين بمجرد دخولها الغشاء المخاطي للجسم البشري، الى حمض الآزوت الذي يفتك بالجهاز التنفسي، كما وتلعب اكاسيد الكبريت دوراً أساسياً في تدمير طبقة الاوزون، فثاني أوكسيد الكبريت تحديداً يقوم بتدمير طبقة الاوزون محولاً إياها الى أوكسجين.
أما استنشاق غبار الاسبستوس المنبعث من مداخن مصانع الاسمنت، فيؤدي الى الإصابة بأمراض خطيرة، فيما يسبب استنشاق غبار أوكسيد السليسيوم أو السليس الحر (sio)، وهو عبارة عن جزيئة قطرها أقل من (5 ميكرو)، مرض تصون الرئة (silicose).
ويرتفع الحد الأعلى المسموح به عالمياً للغبار المنبعث من صناعة الاسمنت في سوريا، كما هو الحال في إيطاليا وأستراليا، وهذا يعود إلى أن مصانع الاسمنت فيها قديمة ولم يكن هناك تشدد من جانب الحكومة تتعلق بالبيئة.
وتوجد في حماه كتلة من معامل الاسمنت (تضم أضخم ثلاثة معامل اسمنت في سوريا)، تستخدم جميعها مادة الفيول، ذات المحتوى العالي من الكبريت، كوقود اساسي لتشغيل الافران التي تتم فيها عميلة حرق الاتربة والكلنكلر، تلك العملية التي ينجم عنها انبعاثات غازية وغبار كثيف، ما جعل نسبة التلوث في المحيط المجاور لمعامل اسمنت حماه (بلدة كفربهم مثالاً) تتجاوز الحد المسموح به من منظمة الصحة العالمية.
وفي هذا الإطار، يقول الدكتور فادي شموط لــgreenarea.info أن “حوالي 20 بالمئة ممن يعيشون بجوار معامل الاسمنت، وفي دائرة قطرها 20 كلم، يعانون من الربو القصبي، التهاب القصبات المزمن، السعال التحسسي، وأن حالات السرطان اكثرها ابيضاض الدم وسرطان الثدي وأورام خبيثة في الجهاز التنفسي والجهاز الهضمي وأن عدد الحالات السرطانية في تزايد، ففي بلدة كفربهم وحدها التي تقع في دائرة سكنية قطرها 15 كلم، عن مجموعة معامل اسمنت حماه الثلاث، ظهرت حوالي 100 حالة مرضية.
النبات أيضاً ضحية
حول الآثار السلبية للأغبرة الناتجة عن معامل الاسمنت يقول المهندس الزراعي طلال ابراهيم لــ greenarea.info إن “الغبار المنبعث من المعمل يؤدي إلى انخفاض في انتاجية بعض المحاصيل الزراعية (القمح، الشعير، الخضروات بانواعها…الخ)، ونتيجة لترسب الغبار عليها، تتكون طبقة ناعمة تؤدي إلى سد مسامات الأوراق (النباتات الصغيرة او الاشجار المثمرة) فيؤثر على عددها ووزنها ومساحتها، كما يؤدي إلى موت أجزاء من الشجرة أو موت كلي للنباتات ذات الاوراق العريضة، إضافة إلى أن غبار الاسمنت بكل اشكاله واحجامه، يسبب اختلالا في الدورة الزراعية”، ويضيف ابراهيم قائلاً: “لقد لاحظنا أن التربة الزراعية في بعض المناطق القريبة من كتلة معامل الاسمنت قد اصبحت غير صالحة لزراعة أي شيء”.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو من سينقذ البشرية من الغازات والاغبرة السامة التي تطلقها معامل الاسمنت على امتداد الكرة الارضية؟ وهل ستنتج التكنولوجيا الحديثة بدائل لمادة الاسمنت التي تعد من أساسيات بناء المدن والبلدان؟