بعد اكثر من عشرة ايام على وصول ثلاثة من صغار نمور (” الهِرمَاس” أو “الفرز”) الى طريق مطار بيروت الدولي، وبعد عجز السلطات اللبنانية عن اتخاذ الاجراءات التي تكفلها اتفاقية التجارة الدولية بالانواع المهددة بالانقراض من الحيوانات والنباتات سايتس (CITES)، نجحت جمعية Animals Lebanon في الحصول على قرار من قاضي العجلة في بعبدا حسن حمدان، يقضي بتسليم الجمعية النمور الثلاث وذلك نتيجة وضعها الصحي وظروف الحجز القاسية داخل صندوق خشبي، في عنبر الشحن داخل مطار بيروت، ما قد يؤدي الى نفوقها.
وبحسب المعلومات المتوفرة لموقع greenarea.info وصلت هذه الهراميس وهي من نوع، النمر السيبيري ويعد أضخم سنَّورٍ حيّ، وأضخم القطط الكبيرة في التاريخ، عبر شركة UM Airlines ومقرها كييف، في الرحلة التي تصل كل يوم ثلاثاء الى بيروت. والملفت ان بولصية شحن النمور الثلاث لم تذكر نوعها، بل اكتفت بالاشارة الى انها “حيوانات حية”، ومستوردة لصالح سامر الشناوي من التابعية السورية، عن طريق التاجر اللبناني إيلي خطار، الذي بدوره تعهد ينقلها بالترانزيت الى مطار اللاذقية في سوريا لصالح حديق حيوانات يملكها الشناوي في ريف دمشق !
وفور وصول هذه الهراميس الى المطار تحركت جمعية Animals Lebanon في محاولة لمنع دخول هذه النمور ومصادرتها، وذلك لمجموعة من الاساب القانونية والمخالفات الاجرائية إن لجهة طريقة الشحن او لجهة الصلاحيات التي يفترض ان تمارسها وزارة الزراعة لانفاذ اتفاقية CITES. ورغم ميل موظفي وزارة الزراعة الى السماح بدخول هذه الحيوانات بحجة انها ترانزيت الى الى سوريا، اتخذت السلطات الجمركية في المطار قراراً بعدم تسليم هذه الحيوانات الى حين التثبت من جميع الاجراءات القانونية المتعلقة بها. ولقد ابرز خطار شهادة تصدير صادرة عن السلطات الاوكرانية تفيد ان هذه النمور مستوردة لصالح الشناوي في سوريا وفق مقتضيات اتفاقية CITES، كما ابرز شهادة استيراد صادرة عن وزارة الزراعة السورية تفيد بقبول عملية ادخالها الى سوريا، لكن الثغرة التي لم يلتفت اليها المستورد، انه لا يستطيع نقلها عبر الترانزيت الجوي الى اللاذقية لان شركة طيران Sham Airline لا تستخدم طائرة مجهزة لشحن الحيوانات الحية عبر طائراتها التي تقلع من بيروت الى اللاذقية الامر الذي عرقل عملية النقل، وسمح لجمعية Animals Lebanon بتقديم ادلة اضافية حول ان العملية برمتها والاوراق التي قدمها المستورد السوري والتاجر اللبناني لا تعفي لبنان من ضرورة مصادرة هذا النوع المهدد بالانقراض، كما اثارت الجمعية شكوكاً مشروعة حول صحة المعلومات المقدمة لجهة وضعها في حديقة حيوانات في منطقة ريف دمشق، والتي تعيش حالة حرب ودمار، ودعت الجمعية السلطات اللبنانية الى ضرورة التاكد من ان التاجر لا ينوي بيعها في لبنان، خصوصاً ان سعر النمر الواحد يصل الى اكثر من عشرة آلاف دولار.
وفي حزيران العام ٢٠١٦، دفعت حالة نفوق أنثى شبل كانت تربى كحيوان منزلي في لبنان الى اطلاق حملة لحماية السنوريات (القطط الكبيرة) من سوء المعاملة وعمليات الاتجار غير القانوني بها، بدعم من وزارة الزراعة اللبنانية. واصدرت وزارة الزراعة قراراً في ايلول العام ٢٠١٦ يحظر اقتناء جميع فصائل الهريات المدرجة في الملحقين الاول والثاني من اتفاقية التجارة الدولية بالانواع المهددة بالانقراض من الحيوانات والنباتات سايتس (CITES)، إلا داخل مراكز الانقاذ التابعة للجمعيات العاملة في محال حماية الحيوانات وداخل حدائق الحيوانات المسجلة اصولاً في سجل الوزارة. ورغم مرور عدة اشهر على نفاذ هذا القرار لا تزال تنشر الصور عبر فيسبوك لنمور واسود داخل البيوت في لبنان دون حسيب او رقيب.
واسهم انضمام لبنان مؤخراًَ الى معاهدة سايتس (CITES)، في تعزيز الجهود الرامية لمكافحة التجارة غير الشرعية بالحيوانات، والقدرة على اصدار اذن مصادر من السلطات المختصة، لكن وزارة الزارعة لم تستخدم حتى الآن الصلاحيات التي انطيت بها بموجب هذه الاتفاقية لجهة اصدار قرار بمصادرة اي حيوان بري يتم اقتناه في المنازل وحدائق الحيوانات حتى لو اثبت مالكه انه قد اشتراه بطريقة قانونية. وتلعب المنظمات غير الحكومية دوراً هاماً في ترحيل العديد من الحيوانات البرية بالتعاون مع من يقتنيها بعد ان يكشتف هؤلاء استحالة تربية هذه الحيوانات في منازلهم بعد ان يتجاوز عمرها العام الواحد.
وتقول رئيسة جمعية Animals Lebanon لانا الخليل ان التعاون بين وزارة الزراعة والجمارك والجمعية ودعم القضاء اسهم في انقاذ هذه النمور، وان بشكل غير نهائي، ونحن نأمل ان يصدر قرار عن القضاء، يمنع تسليم النمور الى اي جهة يثبت سوء معاملتها للحيوانات ، ونيتها اعادة بيعها الى اشخاص لاقتنائها في البيوت. ولفتت الخليل الى ان النمور كانت تعاني من ضعف ونحول ومتسخة جداً حين تسلمتها الجمعية، ولقد اتخذت الاجراءات اللازمة للاجراء الكشوف البيطرية اللازمة لها ونقلها الى مكان آمن الى حين البت بوضعها القانوني من قبل القضاء اللبناني.
ويتبين وفق افادات عدد من المعنيين ان عملية ادخال الحيوانات البرية لا سيما صغار الاسود والنمور تجري عن طريق مطار بيروت الدولي وان محاولة ادخال النمور الثلاثة لم تكن العملية الاولى من نوعها، وتحديداً عبر الخطوط الجوية الاوكرانية التي تصل الى بيروت كل يوم ثلاثاء.
ومعلوم ان تجارة الكلاب والقطط ناشطة بشكل واسع بين اوكرانيا ولبنان ، وهناك العديد من التجار الذين يستوردون الحيوانات الأليفة ومستلزماتها من اوكرانيا. وبحسب المعلومات المتوفرة فان الجمارك اللبنانية لم تكنن تدقق بشكل كافي بالحيوانات عند وصولها الى معبر السلطات الجمركية، وغالباً ما لا يكون حاضراً البيطري المنتدب من قبل وزارة الزراعة ، فتم تهريب اشبال عن طريق تخديرها ووضعها في اقفاص الى جانب كلاب تشاو تشاو التي تشبه الاسود الى حد كبير. كما تفيد المعلومات ان عمليات التهريب كانت تجري عن طريق صالة دخول الزوار في المطار، حيث لا يتواجد اساساً طبيب بيطري منتدب من وزارة الزراعة، وعلمت “الاعمار والاقتصاد” ان هذا الاجراء قد تم حظره مؤخراً من قبل الجمارك اللبنانية بعد تصاعد الشكاوى عن دخول عشرات الحيوانات المهربة عن طريق صالة الزوار وليس عنابر الشحن.
وتنتشر صور القطط الكبيرة في منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي. وأظهرت صور سابقة اصطحاب البعض أسودا في سيارتهم، كما نُشر العديد من مقاطع الفيديو يظهر نموراً ودببة في العديد من المناطق اللبنانية لا سيما في منطقة البقاع، حيث تنشط بشكل ملفت عملية الاتجار غير الشرعي بها، عن طريق العديد من تجار الحيوانات الاليفة وخصوصاً الكلاب، لكن هؤلاء لا يتوانون عن عرض العديد من الحيوانات البرية للبيع، مستخدمين مواقع التواصل الاجتماعي، وتطبيقات الاتجار الإلكتورني. ولا تزال العديد من متاجر الحيوانات في لبنان تعرض للبيع الببغاء الأفريقي الرمادي رغم انه جرى تصنيفه في كانون الأول الماضي ضمن القائمة الحمراء للانواع المهددة بالانقراض. ويشتهر هذا الببغاء بقدرته على تقليد حديث البشر، ويعد هذا التصنيف تطور إلى الأسوأ بعد التصنيف السابق على أنه من الكائنات “المعرضة للخطر”.
الضاهرة الملفتة والخطرة لا تقتصر على لبنان بالطبع، لكن دولاً مجاورة مثل الإمارات العربية المتحدة جرّمت مؤخراً اقتناء الحيوانات البرية، كالأسود والنمور، على أنها حيونات أليفة. ويعتبر امتلاك الحيوانات البرية، كالفهود، رمزا للمكانة الاجتماعية بالنسبة للبعض في الدولة الخليجية الغنية بالنفط، غير أنّهم الآن يعرضون أنفسهم لخطر السجن أو دفع غرامة كبيرة. ويفرض القانون على أي شخص يصطحب قطا كبيرا، أو أي نوع من الحيوانات البرية في الأماكن العامة، عقوبة بالسجن قد تصل إلى ستة أشهر، وغرامة قد تصل إلى 500 ألف درهم، أي حوالي 136 ألف دولار.
في المقابل لا تزال التشريعات اللبنانية قاصرة عن الاحاطة بهذا الملف المعقد والشائك والذي صنفته الشرطة الجنائية الدولية (الإنتربول) انها ثالث اخطر جريمة دولية منظمة بعد السلاح والمخدرات.
واطلقت الإنتربول برنامجاً لمكافحة الجريمة البيئية بهدف دعم الجهود المبذولة للحفاظ على النمور البرية والسنوريات، يتضمن تدريب السلطات المحلية على تقنيات التحقيق الحديثة، ولا سيما إدارة بيانات الاستخبار والمعلومات، وتحليل الأدلة الجنائية والبصمة الوراثية المتصلة بالأحياء البرية، وعمليات التسليم المراقَب، والأدلة الجنائية السيبرية، والتحقيق في الجرائم الماسة بالأحياء البرية ومقاضاة مرتكبيها بطريقة فعالة عن طريق الاستعانة بأدوات الإنتربول وخدماته العالمية.
ويصب تهريب منتجات الحيوانات والنباتات البرية في شبكات التوزيع الإجرامية متعددة الأغراض التي تولد جرائم جانبية. وتشمل هذه الجرائم إفساد المسؤولين وتزوير الوثائق والتخويف والقتل.
وقدّرت الإنتربول وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة في تقرير مشترك نُشر في حزيران الماضي، ارتفاع العائدات السنوية التي تدرها الأنشطة المضرة بالبيئة من 70 و213 بليون دولار أميركي إلى 91 و258 بليون دولار أميركي. وتشمل الأنشطة المضرة بالبيئة، الاستثمار غير الشرعي للأنواع الحية وتجارة النفايات والغش في ضريبة الكربون وفي توزيع المياه، وتبييض الأموال وتجارة السلاح.
في لبنان، لا يزال قانون الرفق بالحيوان خارج الاهتمام التشريعي، منذ ان ارسله مجلس الوزراء الى المجلس النيابي في العام ٢٠١٣.
وخضع هذا القانون لجلسات تشاور واسعة شاركت فيها المنظمات غير الحكومية المعنية ، وتمت مراجعته من قبل ٢٠ مؤسسة دولية، بما فيها المنظمة العالمية للصحة الحيوانية، وعقدت ورش عمل استشارية عدة بالتعاون بين الاتحاد الأوروبي وسكريتاريا اتفاقية الأمم المتحدة للتجارة الدولية بالأنواع المهدّدة بالانقراض من الحيوانات والنباتات. كما أجريت أبحاثاً معمقة لفهم الخلفية التاريخية لعملية الرفق بالحيوان في لبنان، وجرت مراجعة القوانين الحالية والأنظمة والممارسات العملية. كما تم الاطلاع على الأطر العامة لتشريعات الرفق بالحيوان دولياً وعلى أفضل الممارسات حول العالم والأنظمة والاتفاقيات الدولية. لكن كل هذا الجهد لا يزال حبراً على ورق.
ولا تزال حدائق الحيوانات ومتاجر بيع الحيوانات الأليفة منتشرة في لبنان بدون أدنى رقابة، كما يستمرّ تهريب أنواع الحيوانات المهدّدة بالانقراض، فيما يتجاهل الناس، في غالبيّة الأحيان مسألة حجر الحيوانات الصحّي. وستجعل مسودة المشروع هذه لبنان أكثر تقيّداً بالتزامات المنظمة العالمية لصحّة الحيوان وبالقوانين الدوليّة للاتجار بالحيوانات المهدّدة بالانقراض.
يتألّف مشروع القانون من ٤٢ مادة تعرّف المصطلحات والاتفاقيات المتعلقة بالحيوانات، وتحدّد التصاريح والتراخيص المسبقة التي يجب أن تقدّم بغية إنشاء مؤسسات ذات نشاط إنتاجي أو تجاري أو علمي أو أي نشاط آخر يتعلق بالحيوان، والشروط الواجب توافرها في المؤسسات الخاضعة لهذا القانون، من الموارد البشرية، إلى تجهيز الأماكن الخاصة بتربية الحيوانات، والإشراف الصحي الدوري وحفظ السجلات الطبية، وتجهيز أماكن للحجر على الحيوانات المريضة والجريحة، ووضع خطة طوارئ للحيوانات أثناء الكوارث. كما يحدّد القانون شروط نقل الحيوانات والتقيّد بأنظمة منظمة سلامة الطيران أثناء عمليات النقل الدولي، وتأمين إجراءات العلاج البيطري وشهادات اللقاح للحيوانات ضد الأمراض.
محظورات عديدة نصّ عليها القانون في التعامل مع الحيوانات، مثل حظر قتلها أو القيام بأي عمل من شأنه التسبب لها بأي معاناة من دون مبرّر. وينص القانون أيضاً على عدم جواز إنشاء «دولفيناريوم» وهو عبارة عن منشأة دائمة أو مؤقتة لإيواء الحيوانات المائية الضخمة مثل الدلافين والحيتان وأسماك القرش. كما يحظر تنظيم أي عراك بين الحيوانات أو بينها وبين الإنسان، واستعمال الحيوانات في المعارض والحملات الإعلانية والأعمال الفنية إذا كان استعمالها يسبب الألم أو الأذى أو المعاناة، أو استخدامها في السيرك، أو تقديمها كجوائز أو هدايا في المناسبات العامة، أو تشغيلها بما لا يتلاءم مع وضعها الصحي أو سنّها. وأي مخالفة لهذه المادة يعاقب عليها بغرامة من مليون إلى عشرة ملايين ليرة لبنانية ومصادرة الحيوانات المعنيّة، وفي حال ارتكاب المخالفة بحق حيوان مهدّد بالانقراض وفق الجداول التي تحدّدها الاتفاقيات الدولية، يعاقب الفاعل بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات، وبغرامة من عشرة إلى عشرين مليون ليرة، وتصادر الحيوانات ويحرم المخالف من حراسة الحيوانات لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات.
وينظم مشروع القانون ببيع الحيوانات الأليفة وتربيتها، فيحدد شروط الترخيص اللازم لبيع الحيوانات المرافقة ومستلزماتها، ويشمل الترخيص عمليات تزاوج الحيوانات مع تحديد أنواع الحيوانات التي يسمح بتزويجها. ويطلق على من ينوي اقتناء الحيوانات الأليفة صفة «حارس»، إذ يفترض بصاحب المحل تسليمه سجلاً بانتقال الملكية يحدّد فيه اسم المالك الجديد، كما يفترض الاستحصال على الرقاقات الإلكترونية التعريفية بكل حيوان وفق مواصفات منظمة المقاييس الدولية والعمل على زرعها بواسطة طبيب بيطري في الكلاب والهررة المعروضة للبيع، كما ينص القانون على منع بيع الحيوانات الأليفة لشخص قاصر.