حددت معاهدة التجارة العالمية لأصناف الحيوان والنبات البري المهدد بالإنقراض أو سايتس Convention on International Trade in Endangered Species of Wild Fauna and Flora (CITES) منذ سبعينيات القرن الماضي شروط التجارة بأنوع من الكائنات الفطرية، بهدف الحفاظ على الطبيعة والاستخدام المستدام للموارد.
تعتبر هذه الاتفاقية وتعرف أيضا بـ “اتفاقية واشنطن”، إذ تم توقيعها في العاصمة الأميركية في الثالث من آذار (مارس) 1973، وبدأ العمل بها بعد عامين (1975)، من أهم المعاهدات الدولية الخاصة بالحفاظ على الأنواع البرية المهددة بالانقراض، لربطها بين الحياة الفطرية والتجارة، وذلك من خلال أحكام ملزمة لتحقيق الأهداف المتعلقة بالحفاظ على الأنواع والاستخدام المستدام لها كموارد طبيعية، من خلال تبني إجراءات تحد من الاتجار الدولي المفرط بهذه الأنواع.
تمويل الإرهاب
إلا أن هذه الاتفاقية، وإن حدّت نسبياً من استباحة الحياة البرية، فهي لم تتمكن من وقف الإبادة بحق العديد من الكائنات المنصنفة على “القائمة الحمراء” Red List الخاصة بـ “الاتحاد الدولي للحفاظ على الحياة الطبيعية” International Union for Conservation of Nature (IUCN)، خصوصا وأن مئات الأنواع باتت على شفا الانقراض والاندثار، ما يهدد النظم الإيكولوجية ودورة الحياة على كوكب الأرض، فالإنقراض يعني فقدان حلقة من منظومة بيئية متكاملة، لا يمكن أن نعرف من الآن حجم الأضرار التي قد تطاول مظاهر الحياة بكافة أشكالها، الحيوانية والنباتية، ذلك أن ثمة ترابطا وثيقا بينهما، فالأسد على سبيل المثال يعيش على الكائنات العاشبة، وأي خلل في منظومة البيئة الطبيعية التي يعيش فيها سيؤدي إلى نتائج خطيرة ومدمرة، ولن يكون الإنسان في منأى عنها، فهو شريك مع هذه الكائنات التي تعيش بين ظهرانيه.
لم تنجح “سايتس” CITES في لجم التعديات على الحياة البرية على مدى أربعين عاما، لسبب غير بعيد عن مصالح الدول، فإن أي اتفاقية دولية تفترض ملاقاتها من الحكومات بإجراءات تحد من العبث والمتاجرة بالكائنات، فعلى سبيل المثال لم يتبنَّ الاتحاد الأوروبي حتى الآن قانونا يجرم الاتجار بالعاج، فضلا عن الحروب التي تتسبب بتدمير البيئة الطبيعية لغياب القوانين الناظمة، فعلى سبيل المثال، تقوم “بوكو حرام” في الصومال وغيرها من المنظمات بتمويل نشاطها الإرهابي من خلال الاتجار بالعاج والأنواع المهددة بالانقراض كالفهود والنمور والأسود والزراف ووحيد القرن (الخرتيت) وغيرها.
سوريا ولبنان
وثمة مثال أقرب، ففي سوريا، ونتيجة الحرب القائمة، ووجود مناطق واسعة خارج سلطة الدولة، نشطت عمليات التهريب والاتجار بالحيوانات النادرة، وهذا ما نلحظه مع تهريب أنواع من الغزال السوري وبيعها لتجار لبنانيين، ووصل الأمر إلى حد المتاجرة بالضباع الصغيرة وجراء الذئاب والدببة، وقد أكد مصدر متابع لـ greenarea.info أنه شاهد سيارة تحمل أقفاص فيها الآلاف من فراخ الحسون Goldfinch، وثمة من يستهويهم اقتناء الحيوانات النادرة في حدائق قصورهم، ويبدو أن هذه الظاهرة انتقلت إلى لبنان، فضلا عن ذلك باتت بعض المناطق السورية سوقا للاتجار بأنواع من الحيوانات الغريبة عن بيئتنا المتوسطية، كالكنغارو وأنواع نادرة من الطيور.
وتنشط هذه التجارة غير المشروعة بين لبنان وسوريا، منذ نحو خمس سنوات، لكنها تطورت خلال السنتين الماضيتين لتشمل حيوانات نادرة، ولم تتحرك الدولة اللبنانية لرصد وملاحقة من يقفون وراء هذه التجارة غير المشروعة، لأسباب واعتبارات غير منفصلة عن الواقع اللبناني العام، مع استمرار حال الفوضى والفلتان، إذ لم تفضِ قضية واحدة متعلقة بالاعتداء على الكائنات البرية والبحرية إلى ضبط وسجن وتغريم معتدٍ واحد، فكم بالحري إذا كان الأمر يتعلق بحلقة كبيرة من التجار، بينهم من يملك نفوذا في الدولة.
إن ثمة من يحمي ويسهل ويروج لهذه التجارة، وما على الدولة، إذا ما أرادت مواجهة هؤلاء، إلا التوجه إلى بعض القصور، فستجد الكنغارو والنمور والأسود وما لا يخطر في بال أيضا!