يبدو أن التكنولوجيا الحديثة ستورثنا أمراضاً جديدة بدأت تغزو مجتمعاتنا، ولا عهد لنا بها من قبل، ولا نتحدث هنا عن أمراض العصر الأكثر شيوعا، كالبدانة وما تسببه من أمراض كثيرة، أخطرها: السكري، القلب وضغط الدم المرتفع والسرطان …الخ، ولا عن الأمراض الناجمة عن تلوث الهواء، وإنما عن أمراض مرتبطة بتغير أنماط حياتنا وعاداتنا، بعد أن بتنا أسرى ما تجود به علينا التكونولوجيا الحديثة.
ومن هذه الأمراض، ما سيغدو أكثر شيوعا في المستقبل، ومها على سبيل المثال لا الحصر، مرض “رقبة الموبايل”.
فما هو هذا المرض؟
لقد أصبح الهاتف المحمول، بعد أن تطور ليغدو قريبا من جهاز كمبيوتر صغير، ومزودا بكاميرات وبما لا يخطر ببال من برامج وتطبيقات الصديق الأقرب للناس في هذا الزمن، فيستخدمونه في كل الأوقات، سواء في العمل أو على مستوى الحياة الشخصية.
وليس ذلك بمستغرب، ففي لبنان يجتمع أفراد العائلة وكل منه يحدق في هاتفه المحمول، ونادرا ما يتبادلون أطراف الحديث، وهذا مثال قريب، أما إذا ما نظرنا في شوارع المدن الكبرى، فسنجد الناس يسيرون ولا يحيدون البصر على شاشة هواتفهم إلا لماما لتجنب الاصطدام بآخرين يحدقون أيضا بهواتفهم المحمولة.
وبحسب الموقع الألماني “دويتشه فيله” Deutsche Welle، فقد بات الهاتف المحمول يتسبب بالآم في العمود الفقري والرقبة، وهو ما اصطلح على تسميته بـ “رقبة الموبايل”.
الأسباب والأعراض
سباستيان بيل أحد هؤلاء الذين ينظرون إلى الشاشة في كل مكان، ولكن خللا ما يستوقفه، إذ يقول “بدأ الأمر بصداع قوي ومستمر لأيام طويلة، وكذلك شد متواصل في رقبتي لم يكن له نهاية. إلى أن وصل الأمر بي إلى حالات دوار، لم أكن أستطيع خلالها التركيز والوقوف على قدمي”.
توجه سباستيان إلى الطبيب، فأخبره بأن هاتفه ربما هو السبب الرئيسي في آلامه وأحاله إلى معالج فيزيائي، ورأى – بعد تشخيص حالته – أنه يحتاج إلى ذلك النوع من العلاج بعد استخدامه المستمر للهاتف.
ويقول المعالج الفيزيائي ساشا هوفمان: “نعرف تشخيص (رقبة الهاتف المحمول) بسرعة من خلال ما يقوله المريض. كأن يعاني من شدّ كبير في عضلات الرقبة وتقييد في حركتها عندما يضطر لإدارة رأسه مثلاً. وإذا لم يكن يعاني بخلاف ذلك من صدمة، فمن الواضح أن الآلام سببها الهاتف المحمول”.
تشير دراسات إلى أننا نحدّق نحو أربع ساعات يومياً باتجاه الأسفل، أي باتجاه شاشة الهاتف. وهذا يضر بالعمود الفقري.
فوزن الرأس يصل لخمسة كيلوغرامات. وعندما يميل إلى الأمام بقوة، يزداد وزنه أكثر، ليصل حتى سبعة وعشرين كيلوغراما، أي بوزن ثلاثة صناديق مشروب تقريباً، فيكون هناك عبء إضافي على الفقرات.
… والعلاج
وبحسب Deutsche Welle أيضا، فإنه خلال العلاج يحاول الفيزيائي إعادة العضلات إلى طولها الطبيعي. وذلك من خلال حركات يمكن للمريض تنفيذها بمفرده في البيت أيضاً.
ويقول خبراء الصحة أنه يجب استخدام الهاتف المحمول في وضعيات لا تضر بالعمود الفقري.
ويحثون الناس على اعتماد طريقة الاستخدام المناسبة، ويشير خبراء في مجال الطب الفيزيائي إلى أنه “من خلال تدريب العضلات العميقة في الرقبة وتمديدها، يمكن أن يتلغب الانسان على الألم”، ويؤكدون أنه بذلك “تحصل العضلات في الرقبة على نوع من الاستقرار والاسترخاء”.