يبدو من الوقائع على الأرض، وحجم النفايات، وعدد الشاحنات الوافدة أن بلدات قضاء صور في جنوب لبنان، ستواجه، أو بدأت نواجه فعلا “كوستابرافا” ثانٍ، مع فارق بسيط، وهو أن “الكوستابرافا” في جنوب بيروت يطمر البحر ويجلب النوارس، فيما “كوستابرافا” صور يطمر بساتين الليمون ويجتث الأشجار، ويجلب الأوبئة والأمراض، وبدأ المواطنون يفقدون ضوع عطر “البو صفير” والليمون بسائر أنواعه، فالفضاء بات مشبعاً برائحة النفايات، تحصار القرى تبعا لاتجاه الرياح، وما هو آتٍ أشد وأعظم.
والسكوت عما هو قائم عائد إلى خصوصية المنطقة، فالمكب يعني استثمارا وأموالا وفرص عمل، ووجود حلقة من المستفيدين، وأي تحرك تترتب عليه تبعات بين الملوِّثين والمتضررين، بين الساعين لتحقيق مكاسب على حساب البيئة والصحية، وبين البيئيين والناشطين من مختلف القرى والبلدات القريبة، خصوصا وأن السلطة المعنية لم تحرك إلى الآن ساكناً، ومغيبة طوعا أم قسرا، إما لضغوط أو لتواطوء!
إفشال خطة معامل الفرز
مع بداية رمي النفايات واستحداث هذا المكب في خراج بلدة البرج الشمالي – قضاء صور، بادرت مجموعة من الشابات والشباب من بلدة طيردبا المتاخمة وآخرين من البرج الشمالي بالاعتصام مرات عدة، استنكارا لوجود مكب نفايات في هذه المنطقة الموصوفة بجمال مناظرها، وطبيعتها الخضراء وطيب هوائها وبساتين الحمضيات الغناء، زهراً وثمراً وخضرة، إلا أن صوتهم لم يلقَ صدىً، ومطالبهم لم تحظَ بحدٍ أدنى من الاهتمام والتجاوب.
كما أن هذه المنطقة المستباحة، غنية بالينابيع والآبار، ما يعني أن ثمة ضررا سيطل قريبا ليطاول صحة الناس، فالمكب – خلافا لما يدعي كثيرون – مشرع لكل أنواع النفايات وليس مخصصا للعودام، بدليل الروائح وما وثقناه لعمليات طمر النفايات من كل نوع، وبدلا من أن تتحرك الوزارات والجهات المعنية لرفع الضرر، تطورت الامور إلى حد التهديد والوعيد في حال تكررت الاعتصامات الرافضة للمكب، والذي هو عبارة عن “مزبلة” بكل ما للكلمة من معنى.
وقد تطور وضع هذا المكب العشوائي والذي يعمل بدون اي ترخيص من وزارة البيئة بطريقة مخجلة، تنم عن عدم الاكتراث بالقوانين وعدم احترام الطبيعة، تربةً ومياها وهواء، وبالتالي، ليس ثمة من يعنى بمناشدات المواطنين، ولا من يهمه صحتهم وسلامتهم، ليس هذا فحسب، بل قام المستثمر (ق. ع) بتوسيع عمليات الجرف والحفر في الموقع نفسه لاستقدام عدد اكبر من نفايات معمل عين بعال بعد أن اثقل كاهله بنفايات بلدات اتحاد بلديات صور، ويحدث كل هذا بالتزامن مع ما نشهده من محاولات الهدف منها إفشال خطة معامل الفرز، بهدف تمرير المحارق لاحقا ضمن مسلسل الفساد الذي يشهده لبنان في أكثر من منطقة.
برسم وزارة البيئة
يؤثر المواطنون والناشطون أن يظلوا خارج الصورة، وبعيدين عن التداعيات الخطيرة لما ابتلت به هذه المنطقة، لاعتبارات غالبا ما نجدها في القرى، والتي تعيش خصوصيات معينة غير بعيدة عن الانتماءات الحزبية والعائلية الضيقة، فالسلطة غير القادرة على تصويب ما هو قائم وإقفال المكب، فكم بالحري بالنسبة لمواطنين وناشطين.
كما أن استحداث مكب بهدف تجاري يعتبر ظاهرة خطيرة وغير مسبوقة لمستثمرين اغرتهم العائدات المادية التي تعود عليهم من هذه التجارة، وقد شجعهم على ذلك ما أبرمته الدولة من صفقات في هذا المجال، مع فارق وحيد، وهو ان ما أبرمته الدولة من صفقات ومناقصات قد تكون خضعت لدفاتر شروط بينما ما نشهده في مكب البرج الشمالي هو تجارة موت برعاية وحماية نافذين بغطاء سياسي.
كنا قد آثرنا متابعة هذه القضية بطريقة علمية وعملية تبين حجم الاضرار التي تتكبدها المنطقة من جراء انشاء هذا المكب، فقصدنا كـ greenarea.info اتحاد بلديات صور الذي أكد عجزه عن ايجاد حل بديل، لكن منذ ايام، نشطت حركة الشاحنات الداخلة والخارجة الى المكب بشكل كبير، أثار انتباه ناشطين في المنطقة رصدوا هذه الحركة ووثوقها بفيديو زودوا به موقعنا، وقد بدت عملية طمر النفايات بشكلها الفاضح وغير الصحي، والذي لا يراعي اي مواصفات بيئية وصحية، هذا الفيديو الذي صُوِّر سرا لانه ممنوع الاقتراب والتصوير من مكان المطمر، نضعه اليوم برسم المعنيين جميعا، وبرسم وزارة البيئة، ونطالبها التدخل حالا وعدم السماح باستمرار هذه الجريمة البيئية.