يزخر تاريخنا الإنساني بكثير من قصص الحب الملحمية، منها الحقيقية أو التي زينتها الميثولوجيا في العصور القديمة، أو تلك التي جاد بها خيال الشعراء والأدباء، ما انعكس ثقافة وقيما رائعة وسعة خيال ومفردات يتغنى بها العشاق إلى الآن.
منذ فجر التاريخ بدأت هذه القصص كمرويات تنتقل من جيلٍ لآخر، وزاد عليها الرواة والناس الكثير من مخيلاتهم، في تسلسل مشوق، خضع أحيانا لإضافات تبعا للبيئة الاجتماعية، فأضيفت إليها تفاصيل عدة، ونذكر من هذه القصص: أنطونيو وكليوباترا، روميو وجولييت، وهيلين طروادة وغيرها، دون أن ننسى مجنون ليلى وجميل وبثينة في أدبنا العربي.
عش دافئ
وقد انتهت معظم هذه القصص والحكايات نهايات درامية، إلا أن قصة اللقلق Stork “كليبيتان” Klepetan وأنثاه “مالينا” Malena، فتعتبر قصة رائعة كتبت فصولها أمام أعين محبي الطيور حول العالم، لتثبتت للجميع أن الحب موجود، وبشكل جميل، ويستمر بسعادة نقية، عسى ألا تشوبها شائبة.
فالثنائي من طيور اللقالق “كليبيتان” و”مالينا” هما أيقونة الحب في كرواتيا Croatia، وفي نهاية شهر آب (أغسطس) من كل عام يقوم “كليبيتان” بهجرته السنوية ورحلته الخطرة متجها إلى جنوب أفريقيا، تاركا وراءه شريكته “مالينا”، ومنزلهما المتواضع، وهو عبارة عن عش دافئ، اختاره لهما القدر، ويقع على السطح الأحمر لمنزل بواب مدرسة متقاعد، واسمه ستيبان فوكيتش Stjepan Vokić في قرية “برودسكي فاروز” Brodski Varoš في جمهورية كرواتيا في أوروبا الشرقية.
الهجرة السنوية
ومنذ حوالي 22 سنة أصيبت “مالينا” إصابة خطيرة في جناحها على يد صياد إيطالي، منعتها من الطيران والهجرة لمسافة طويلة، تقدر بحوالي 13،500 كيلومترا (8 آلاف ميل)، وقُدِّر لها أن تبقى لتتحمل شتاء كرواتيا البارد والجليدي، وعندما يغيب “كليبيتان” يتابع فوكيتش العناية بـ “مالينا” خلال الفترة الممتدة من آب (أغسطس) حتى آذار (مارس).
ولا يستطيع اللقلق “كليبيتان” أن يقاوم غريزة الهجرة السنوية، وقد يبدو هذا الأمر غريبا من المنظور الإنساني، لكنه يعود كل ربيع حوالي 24 آذار (مارس) من كل عام، إلا أنه هذا العام فاجأ فوكيتش الذي كان يعتني بالطائرين منذ أن التقيا للمرة الأولى على سطح منزله وعاد للمرة الثانية والعشرين، إنما جاءت عودته هذه السنة مبكرة، بنحو أسبوع ليجتمع بتوأم روحه “مالينا”.
وعندما سئل فوكيتش إن كان هذا الطائر هو “كليبيتان” حقا، أكد أنه هو، فقد اتجه الطائر فور وصوله إلى دلو من الأسماك كان يحضره له فوكيتش بعد عودته من الجنوب كل عام، والذي صودف أنه كان فارغا لعدم توقع فوكيتش عودته مبكرا.
عودة كليبيتان
في حين أن اللقالق لا تتزاوج بالضرورة مدى الحياة، إلا أنها تميل إلى العودة إلى نفس الاعشاش والتزاوج بشريك واحد، وهو ما يفسر ولاء “كليبيتان” الذي لا يتزعزع.
وقد أنجب الشريكان خلال سنواتهما معا 40 لقلقا، واستقطبا انتباه الإعلام الكرواتي والعالمي، وكل عام تعود وسائل الإعلام إلى القرية، لتواكب عودة كليبيتان، واستقبال مالينا له، خصوصا بعد رحلته المحفوفة بالأخطار من جنوب أفريقيا، فوق القرن الأفريقي، الصومال، شبه جزيرة سيناء، الصحراء في العراق متجها نحو كرواتيا، ولكنه يعود دائما مع الربيع الذي لا يتبرعم فيه الزهر فحسب، بل الحب أيضا، وقد تم إنتاج شريط فيديو يوثق هذه العلاقة التي لا تنفصم عراها.
لمشاهدة الفيديو:
وحتى لا تنتهي قصة حب نهاية دموية أخرى، لندع هذه الطيور الأنيقة تعود إلى أماكن تعشيشها التي تنتظرها في أوروبا الشرقية، ونكتفي بتصويرها وهي تمر مسطرة نهاية قصة سعيدة، بدلا من قتلها على غرار ما نشهده كل عام.