من حسن الصدف أو جميل المناسبات أن يكون يوم 21 آذار (مارس) من كل عام، وهو إعلان بداية فصل الربيع في بلادنا، عيدا للأم، وعيدا للشجرة، ويوما عالميا للغابات.
فما يجمع كل هذه المعاني هو مفهوم الحياة وتجددها، وفي تجددها استمرار لكل ما هو جميل على سطح كوكبنا.
منذ سنوات قليلة ماضية نعيش التهديدات الواقعية لتغير المناخ، الذي يترافق مع ظاهرة الإنحباس الحراري واحترار الكرة الأرضية، بنتيجة ارتفاع تراكيز ثاني أوكسيد الكربون وغيره من غازات الدفيئة في الغلاف الجوي لكوكبنا منذ بداية الثورة الصناعية، واتخذ هذا الإرتفاع وتيرة حادة في العقود الأخيرة، ما جعلنا شهودا على أحداث مناخية متطرفة بدأت ترمي بثقل آثارها على اتزان المنظومات البيئية وسلامتها، وعلى التنوع الحيوي في البحار واليابسة، وعلى اقتصادات العالم وصحة البشرية جمعاء وأمنها الغذائي، ووضع استمرار الشروط الملائمة للحياة أمام تحديات لا يمكن تجاهلها.
شهد العالم في العقدين الماضيين، وبقوة أكبر في السنوات القليلة الماضية، بالتلازم مع تفاقم أحداث التغير المناخي المتطرفة، عملا دوليا دؤوبا لوضع اتفاقات دولية تهدف إلى تخفيف تفاقم التغير المناخي، عبر سياسات وطنية وإقليمية ودولية لتخفيف انبعاثات الغازات المسببة له، والإنتقال الجدي باتجاه بناء “الإقتصاد الأخضر” و”الطاقة النظيفة المتجددة”، ووضعت أهدافٌ كبيرة لتتحقق في السنوات القادمة وفق خطط 2050 ونهاية القرن، وإعلان التخلص الكامل من استخدام الوقود الأحفوري كمصدر رئيس للطاقة.
ومن جهة أخرى تضمنت هذه الإتفاقات الدولية أدوات تقنية ومالية تهدف إلى وضع سياسات للتكيف مع الآثار المعاشة والمتوقعة للتغير المناخي في كل الشؤون والمجالات والقطاعات، ووضعت الصناديق والآليات المالية لمساعدة البلدان النامية على وضع وتطبيق سياسات واستراتيجيات وخطط وبرامج وطنية تحقق هذه الأهداف.
تشهد المناطق المحمية في كل بلدان العالم، وهي منظومات بيئية للتنوع الحيوي، تحديات كبيرة تفرضها التغيرات المناخية، ولا سيما ارتفاع درجات الحرارة وتناقص المتساقطات واضطراب انتظامها الكمي والزمني، وتزايد احتمالات التعرض للأمراض، وتراجعا في مقومات المقاومة وازديادا في مؤشرات الهشاشة، مما يغير في طبيعة الغطاء النباتي، ويضع الأنواع النباتية والحيوانية وكل الأنواع الأخرى أمام تهديدات حقيقية، تؤثر بمجملها على قدرة المنظومات البيئة الحيوية على مقاومة تلك المتغيرات، وقدرتها على الإستمرار بتنوعها الحيوي ودينامية الحياة فيها.
نجد المناطق المحمية في بلداننا العربية، في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا، بمواجهة تحديات جسام تتطلب درسها، وفهم آلياتها، وتوقع اتجاهاتها، لكي يتم التخطيط السليم للمحافظة على المنظومات البيئية للتنوع الحيوي، الذي تمثله هذه المناطق المحمية.
في إطار نشاطات مشروع “التغير المناخي والمناطق المحمية” للمنطقة العربية، الذي تنفذه مؤسسة “هانس زايدل” Hanns Seidel Foundation الألمانية و “الجمعية الملكية لحماية الطبيعة” الأردنية، في 5 بلدان عربية، هي: الأردن، لبنان، فلسطين، تونس والمغرب، تم تنظيم ورشة العمل التدريبية الثانية لمشاركين من وزارات البيئة والزراعة والمجتمع المدني في تلك البلدان، في “محمية ضانا للمحيط الطبيعي” جنوب الأردن، في الفترة ما بين 15 و20 آذار (مارس) 2017.
هدفت الورشة التدريبية إلى “دمج التغير المناخي في خطط إدارة المحميات الطبيعية”، وعرضت مناهج درس التهديدات الواقعية والمتوقعة على المحميات الطبيعية، وطرق تقييم هذه المخاطر، وكيفيات دمجها في استراتيجيات وخطط وبرامج إدارة المحميات الطبيعية في البلدان العربية. وتعرفت على دراسات حالات في مختلف المناطق المحمية، التي تمثل منظومات بيئية حيوية متنوعة. ومن جهة أخرى ناقشت ضرورة إدماج خطط إدارة المحميات في سياسات الدولة للتغير المناخي، وفي سياسات واستراتيجيات التخفيف والتكيف التي تعتمدها حكومات بلداننا.
تتمتع المحميات الطبيعية بأهمية كبيرة في سياسات وخطط وبرامج تخفيف التغير المناخي، وكذلك في تلك المتعلقة بالتكيف مع آثاره. فللمحميات الطبيعية دور كبير في تخفيف تراكيز ثاني اوكسيد الكربون في الجو، حيث تعتبر الغابات والغطاء النباتي عموما خزانا للكربون، وكذلك لها دور كبير في تكيف المحيط الحيوي مع متغيرات المناخ.
تتطلب خطط تكيف المحميات الطبيعية تقييما لهشاشة الأنظمة البيئية فيها، أي لحساسيتها حيال المتغيرات المناخية، وقدرتها على المقاومة، وهذا يتم على ضوء دراسات لحالات تجرى على هذه المحميات ومنظوماتها الحيوية. يتم درس التغير المناخي للحد من تأثيره على التنوع الحيوي في الأنظمة البيئية، مثل فقدان الموائل الطبيعية وتأثير الأنواع الغازية. وتقييم التغير في المؤشرات المناخية، التي تؤدي إلى تغيير في الغطاء النباتي، الذي بدوره يسبب تغيرا في التنوع الحيوي في منظومة المنطقة المحمية. وتشمل الدراسة مراجعة النماذج العالمية للمناخ، وجمع المعلومات المناخية في المنطقة المدروسة، ونمذجة الغطاء النباتي وخطر الحريق والجريان السطحي، واختيار الأنواع الدالَّة، التي تستخدم كمؤشرات حيوية، وكذلك استخدام نهج التكيف في إدارة الأراضي. وتتطلب التدخلات التكيفية درسا لمقاومة المنظومة الحيوية ومرونتها، وكذلك تغير موقعها وأخيرا انتقالها إلى مكان آخر.
إن الطرق والوسائل التقليدية، التي يستعملها المجتمع المحلي في التكيف مع التغير المناخي، التي تبلورت عبر السنين ومن خلال تراكم الخبرات الشعبية، تكون فعالة ومفيدة في كثير من الحالات.
هناك حاجة كبيرة لإعادة تقييم خطط إدارة المحميات على ضوء المتغيرات في المؤشرات المناخية، ومتابعة تقييم آثارها على سلامة المنظومة البيئية الحيوية وتنوعها. وإدخال التعديلات اللازمة على مستوى السياسات العامة للحكومة، والإستراتيجيات المتبعة في الوزارات المعنية المرتبطة بالمحميات الطبيعية والمنظومات البيئية الحيوية، وكذلك على مستوى الخطط والبرامج والأنشطة المتعلقة بإدارة كل محمية طبيعية وفق خصوصياتها وميزاتها، وذلك على مستوى إدارة الأنواع والموائل والتنوع الحيوي النباتي والحيواني وبرامج السياحة البيئية والخدمات.