فيما كانت بيروت الأحد 19 آذار (مارس) مسرحا لتحرك شعبي واسع رفضا لسياسة الحكومة ونهجها الإقتصادي حيال العديد من الملفات والقضايا، وإمعانها في تكريس نظام ضريبي يستهدف الفقراء ومتوسطي الدخل، كانت بلدة عين دارة (عاليه) تتحرك رفضا لمعمل الاسمنت في منطقة ضهر البيدر المستباحة منذ ثمانينيات القرن الماضي، نهشاً وتجريفاً وقضماً لجبال، وتشويهاً وتلويثاً لفضاء هذه المنطقة المطلة على أربعة أقضية: عاليه، البقاع، بعبدا والشوف، وصولا إلى ما يُخطط لها الآن لجهة إنشاء مصنع إسمنت عبارة عن مجمع ضخم لصناعات ملوِّثة، يرؤثر أهالي عين تسميته بـــ “مصنع الموت”.
الحدثان لا ينفصلان عن قضية الفساد بسائر عناوينها، فالتجمّع الاحتجاجي الأكبر الذي احتنضته بيروت منذ تحرّكات صيف عام 2015، أي مع اشتعال أزمة النفايات عقب إقفال “مطمر الناعمة – عين درافيل”، أوصل رسالة واضحة، مفادها: أوقفوا الهدر، ولا ضرائب تستهدف الفئات الشعبية لتمويل السلسلة، وحدّد هدفا يتلخص بمواجهة سلطة الفساد ورفض “الضرائب التي تعاقب من لا يملك وتكافىء من يملك”، أما الوقفة الاحتجاجية في عين دارة فاستهدفت الفساد أيضا، وتبعاته على البيئة والصحة والجمال، من خلال رفض استباحة جبال عين دارة، وتحديدا في منطقة ضهر البيدر، ورفض “غرس” معمل إسمنت على الجبال والتلال المشرفة (أو ما بقي منها بعض قضم المقالع والكسارات أجزاء كبيرة منها) على محافظتي البقاع وجبل لبنان.
وردة ومناشدة
وبحسب ما أشارت مصادر المنظمين للحدث “العين داري”: “يتحرك اللبنانيون اليوم (أمس) في كافة أنحاء لبنان من خلال تظاهرات شعبية رفضاً للموت والجوع وزيادة الضرائب، كذلك يتحرك المجتمع المدني في عين دارة وقب الياس والبقاع بنشاط سلمي في ضهر البيدر ضد معمل الموت الذي يزمع آل فتوش إقامته على أعلى نقطة في وسط لبنان”.
وجاء التحرك بدعوة من “تجمع سيدات عين دارة”، وتوجه حشد كبير غلب عليه الوجود النسائي، وشارك فيه أيضا “تجمع نساء قب الياس”، وفيما رفع المشاركون اللافتات رفضا لمصنع الاسمنت، وزعت النساء الورود على المواطنين العابرين بسياراتهم، على الطريق الدولية قرب حاجز قوى الأمن الداخلي ومدخل الكسارات في ضهر البيدر، وناشدنَ “السلطات كافةً الحفاظ على صحة اولادنا وعائلاتنا من براثن التلوث وانتهاكات بيار فتوش”، وكان لافتاً للانتباه الحضور البقاعي الكثيف، ومشاركة “كشافة الجراح” ورئيس وأعضاء المجلس البلدي في عين دارة، وفاعليات ومواطنين.
وأثنى المشاركون على “مواقف بلدية عين دارة الداعمة لكافة النشاطات الرافضة لمعمل الموت”، ووجهوا الشكر إلى “المجتمع المدني على جهوده ومواقفه”.
إسمنت يعني تلوث!
وقال المهندس عبدالله حداد من “هيئة المبادرة المدنية – عين دارة” لـ greenarea.info: “نحن هنا في اعتصام بدعوة من تجمع سيدات عين دارة، ونوزع الزهور على المواطنين رفضا لمعمل الموت، المعمل الذي يريد الإخوان فتوش بناءه وسط محمية أرز الشوف، وفي وسط جبل عين دارة المنتهك”.
واعتبر حداد أن “الترخيص لمعمل الموت هو مكافأة للجرائم البيئية التي ارتكبت في جبل عين دارة، مكافأة من وزارتي البيئة والصناعة لمن نهش قمم الجبال وأحالها إلى صحراء”.
وأضاف: “يقولون أنهم يريدون جعل هذه المنطقة جنة، أما نساء عين دارة وشبابها وجميع أبنائها يقولون اليوم نحن نرفض التهجير، ونرفض أن تتحول أرضنا لأرض يغطيها غبار الاسمنت المسرطن”.
وأشار حداد إلى أن “هذا المعمل يطاول بأضراره كل الشعب اللبناني، ويطاول صحة أولادنا جميعا”، لافتا إلى أن “هذا المشروع سيقوم على أهم خزان للمياه الجوفية في جبل لبنان الجنوبي، يمتد من ضهر البيدر حيث نحن اليوم إلى مرجعيون”، واعتبر أن “هذا المشروع يعبر عن كل مظاهر الفساد في الدولة اللبنانية”.
وأشارت حنان بدر (إحدى المشاركات من تجمع سيدات عين دارة) إلى “اننا هنا لنقول للجميع أننا ضد معمل الموت، ونحب أن نقول للسيد (بيار) فتوش أنه (ييكفي ضحك عالناس… إسمنت مع أرز ما بتركب بلا أي شكل من الأشكال)”، وأضافت: “إسمنت يعني تلوث، والأرز يعني حياة، وأتحدى أي شخص أن يظهر لنا أي موقع لمصنع إسمنت ويوجد حوله بقعة خضراء”.
بدر: وقفة أمهات
وألقت كلمة “تحمع سيدات عين دارة” نادين بدر، قالت فيها: “من الجبل والسهل، من عين دارة وقب الياس، من كافة البقاع والجرد، تحية كرامة لأصحاب الكرامة، معارضتنا لمعمل الموت لم تكن يوما معارضة كيدية أو سياسية، معارضتنا تستند على العلم والحق، والعلم والحق يقولون أن هذا المعمل من المستحيل أن يتم إنشاؤه في أرض عين دارة على رأس الجبل، على ارتفاع 1500 متر، وفوق كل المياه التي نشربها”.
وأضافت: “وقفتنا اليوم، وقفة رمزية ومعنوية، وقفة أمهات أحببن بعيدهن أن يعبرن عن رفضهن لمعمل الموت بتقديم وردة، عبارة عن الحياة بوجه معمل لن يترك للحياة مكان، والوردة عربون شكر ومحبة لتضامنكم معنا، فقد أتيتم اليوم، لتقولوا نحن نريد أن نعيش، ونريد أن نترك أولادنا وأحفادنا يعيشون ببيئة نظيفة، وأن يتنفسوا هواء نظيفا، ويشربوا ماء نقيا، فالوردة تموت إن شربت مياهاً ملوثة وذات الأمر اولادنا، والوردة تموت إن تنشقت هواء ملوثا، وكذلك الأمر مع أولادنا وتموت الوردة إن استسلمت للرياح والعواصف ولأيادي الغدر، وكذلك الأمر بالنسبة لنا ولأولادنا”.
وختمت بدر إن “معمل الأسمنت مكانه ليس هنا وليس بضهر البيدر، عين دارة، المريجات، فالوغا، قب الياس ولا بقلب محمية الأرز، فالأرز رمز لبناني وتاريخي مقدس وسيبقى على أعالي جبالنا، أخضرا، وسيبقى على علم بلادنا أخضرا، وليس على كيس ترابة أسود”.
ووزعت الأمهات أكثر من 2000 منشورا مع الورود، للتنديد بهذا المعمل والتوعية على أثره على البيئة والمنطقة.
سكاف: من أجل مستقبل أولادنا
وشاركت المعتصمين رئيسة الكتلة الشعبية ميريام سكاف، وقالت بالمناسبة أن “هذا المعمل يضر كثيرا بالبيئة وما عاد مقبولا الضحك على الناس والترويج أن هذا المعمل صحي، فيما يؤكد الخبراء على مخاطره البيئية والصحية”، وحيت “نساء عين دارة وقب الياس على وقفتهن وجميع المشاركين”، وأشارت إلى أن “كل ما هو ضد البيئة نحن ضده ونرفضه من أجل مستقبل أولادنا”.