عندما نعلم النسبة المرتفعة لحالات الاعتداء الجنسي على الاطفال، وهي بمعدل اكثر من ثلاث حالات في الاسبوع، نصاب بالذهول، وذلك بحسب ما أكد لنا بعض الأطباء من ذوي الاختصاص، بعد أن عاينوا الكثير من الحالات استهدفت الاطفال، وتركت فيها آثارا ليس جسدية فحسب، بل نفسية أيضا قد تؤدي إلى الوفاة، كما ان هذه الحالة الاجتماعية من الصعب علاجها، نظرا لدقتها على صعيد المجتمع، ومدى تقبل الاهل أو الولد المعتدى عليه جنسيا ان يعلن عن حالته، خصوصا في بعض المناطق النائية حيث ما زال الخوف يسيطر على المعتدى عليه خوفا من ان يقتل، خصوصا اذا كان الاعتداء من افراد العائلة كسفاح القربى.

ويبقى السؤال: من هم الاطفال الاكثر تعرضا للاعتداء الجنسي؟ وكيف حمايتهم؟

 

الاعتداءات بالأرقام

كشفت الارقام النسب الكبيرة للاعتداء على الاطفال جنسيا، وهذا ما افادتنا به جمعية حماية (Himaya) التي تعنى في رعاية الاطفال المعتدى عليهم، وأفادت مديرة الجمعية لما يزيك لـgreenarea.info : “اذا قارنا أرقام أحداث الاعتداءات الجنسية على الاطفال من سنة 2014 الى 2015 نجدها الى تزايد، نظرا لعدة اسباب، ألا وهي: أولا بتنا نكشف الحالات اكثر نظرا لان الناس باتوا يتحدثون عنها علنا بعدما كان هناك تكتم حولها، ثانيا ان النزوح  يزيد من عامل الاعتداء على الاطفال كون اللاجئين يعيشون في شروط صحية غير سليمة، ويكون هناك احتمال أكبر لتعرض هؤلاء الى اعتداء جنسي وضرب وتعنيف، فضلا عن اننا لاحظنا انه أصبح هناك جرأة لدى الاطفال للتحدث عن حالات الاعتداء عليهم”.

وأضافت: “اكتشفنا هذا الأمر من خلال فريق خاص للتوعية في المدارس وفي  المخيمات، بكل أسف نقول كم من الاطفال علمنا بهم وعن تعرضهم لاعتداء جنسي، فالطفل لا يكذب ويخبر ما جرى له من تحرش أو ما شابه، على سبيل المثال سنة 2016 تبين لنا ان 40 بالمئة من حالات الاعتداء على الاطفال  التي عملنا معها كانت مكتشفة من قبل برنامج (توعية حماية)، حيث نعتمد في عملنا ليس فقط التوعية بل ايضا التدخل في حال تم تبليغنا عن حالة اعتداء جنسي، وشكلنا فريق عمل متخصص مؤلف من طبيب معالج نفسي ومساعدة اجتماعية يكشفان على حالة الطفل المعتدى عليه مع عائلته، لكي يتم تقييم الحالة الاجتماعية والنفسية لدى الطفل من اجل متابعته التي تستمر من ثلاثة الى سبعة اشهر، حسب حالة الطفل النفسية ومدى حاجته الى ذلك”.

وتابعت يزبك: “اما اذا كان الولد قد اعتُدي عليه من خارج عائلته، عندها نعمل سويا مع العائلة لكي يتخطى الطفل تداعيات العنف السلبية، الا اننا مع ذلك نواجه صعوبات كجمعية عند التدخل لان هناك بعض المناطق لا نستطيع ان ندخل اليها في حال حصل اعتداء جنسي على الطفل، نظرا للبيئة الاجتماعية التي يعيش بها، واحيانا يتم اخفاء الطفل. وما يجب معرفته ان كان الطفل تحت عمر 18 سنة فهو مسؤولية الجميع، بمعنى ان اي شخص سواء في الجوار أو بالقرب من الطفل الذي تعرض لاعتداء جنسي يجب عليه ابلاغنا للمساعدة، وغير ضروري ان يذكر اسمه لان السكوت عن ذلك جريمة بحد ذاتها”.

وقالت يزبك: “ان عدد حالات الاعتداء الجنسي على الاطفال بلغ 109 حالات عنف جنسي تحت عمر 18 سنة 2016، تتوزع على هذه المناطق اللبنانية :عكار (حالتان)، وبيروت 25 حالة، وبعلبك (حالتان)، اما زغرتا الشمال 14 حالة، بينما جبل لبنان 32 حالة وزحلة 27، بينما في صيدا هناك حالة واحدة”.

وأضافت: “تبين أنه بين عمر 0 الى 5 سنوات هناك 15 حالة اعتداء جنسي، وبين 11سنة الى 6 سنوات هناك 52 حالة، أما من عمر 12 سنة الى 17 سنة هناك 42 حالة وتبين لنا من خلال دراسة (جمعية حماية) انه من ناحية الجنسيات هناك 65 حالة اعتداء جنسي على الاطفال من الجنسية اللبنانية و 38 حالة اعتداء جنسي على الاطفال من الجنسية السورية واربع حالة اعتداء جنسي من الجنسية الفلسطينية، اما بالنسبة للجندر فهناك 49 حالة اعتداء على الاطفال من الذكور و60 حالة اعتداء جنسي على الإناث”.

 

تعزيز التوعية

وقال تحدث الأخصائي في طب الاطفال الدكتور برنار جرباقة لـ greenarea.info: “نحن في مجتمع متطور يحاول ان يحسن قوانينه، خصوصا في مسألة شرعة حقوق الطفل لجهة ما يتعرض الاطفال خلال النزاعات المسلحة في المنطقة بعدما ازدادت كثيرا حالات العنف والاهمال لدى الاطفال، منها الاستغلال الجنسي وتجارة اعضاء بالاطفال، والاسوأ انواع العمالة سواء كان فاعلا في النزاع أو يتلقى الضربات، حيث ان الاطفال يتعرضون للنزاعات المسلحة وتزداد  لديهم الامراض المعدية كخطر الشلل، من هنا نشدد ان تكون اللقاحات فاعلة  دون ان ننسى ان استغلال الاطفال وأخطره الاستغلال والتعدي الجنسي من الممكن ان يحصل إما داخل المنزل وإما في الاماكن التي يتواجد فيها الطفل، سواء في المراكز التعليمية أو على الطرقات أو في مراكز اللهو أو في مراكز عمالة الاطفال، فهذه المشكلة موجودة في لبنان والعالم العربي وهناك ضرورة لأن تلحظ القوانين هذه الهفوات في النزاعات المسلحة وعوامل خطورتها، مع اهمية التركيز على ايجاد برامج  بناءة للاطفال من قبل الدولة، والتزاماتها بتطبيق شرعة حقوق الطفل سواء من ناحية الاستغلال الجنسي ام غير ذلك، لذلك قررنا منذ 7 سنوات في مستشفى أوتيل ديو انشاء وحدة حماية الطفل وهي الأولى في لبنان، بعدها استكملنا هذا المشروع في مستشفى الجامعة الاميركية ومن ثم في مستشفى المعونات، على ان نتوسع في كل المناطق لان فكرة انشاء وحدة حماية الطفل مهمة للغاية للعناية بدقة بالصحة النفسية للطفل، من خلال فريق كامل متكامل نظرا لقسوة الاعتداء، وذلك بالتعاون مع المجتمع المدني، والشيء الأهم تأمين الظروف الصالحة للطفل المعتدى عليه بانتظار صدور القرار القضائي، ومن هنا شددنا في وحدة حماية الطفل على اهمية دور فريق العمل من كافة الاختصاصات الطبية، وبالتشارك مع بعض في تبادل الخبرات في ما بينهم بهدف مساعدة الطفل”.

وأضاف جرباقة: “في عملنا نحن نضيء شمعة، فالعمل التشاركي فعال جدا لمساعدة الاطفال المعتدى عليهم في كيفية التعامل معهم بدقة متناهية، كون تداعيات الاعتداء الجنسي على الطفل قد تصل الى الوفاة من جراء الاداء الجنسي، أو من المحتمل ان يقتل ايضا في حال تم التعرف على المعتدي، عدا الاثار النفسية التي يحملها الطفل في المستقبل حيث يكون معرضا اكثر للامراض  النفسية الى حد الانتحار عدا امراض القلب، فالاعتداء على الاطفال أو تعنيفهم تنتج عنه تكلفة فردية اسرية اجتماعية من الناحية الصحة  النفسية والجسدية والاقتصادية معا، لذلك  كبلد مثل لبنان في مجتمعه تزداد فيه ظاهرة التعنيف في مختلف الاشكال، علينا ان نعمل على الحلول العاجلة كشركاء للحد من تفشي هذه الظاهرة، فالطبيب يستطيع ان يتحدث مع الاهل كون دوره ليس العلاج فحسب، بل ايضا التوعية، انما الاعلام له دو اساسي ايضا في تنوير الناس حول هذه الازمة والقاء الضوء عليها”.

وقال الأخصائي في طب الاطفال الدكتور روبير صاصي لـ greenarea.info: “بكل اسف  نشهد خمس حالات تحرش جنسي للاطفال غير معلنة خلال اسبوع، كما ان تلك الحالات تكثر في العائلات التي تعاني من التفكك والطلاق، فمع أي اعتداء يتعرض له الطفل ينتابه شعور الخوف من العلاقات الجنسية، عدا الاذى الجسدي الذي يصاب به في الاعضاء التناسلية”.

 

 دور الأهل

وعلى صعيد التداعيات النفسية، قالت الأخصائية في الطب النفسي الدكتورة دالين باسط لـgreenarea.info : “اذا ولد جيل مريض نفسي فسيورث ذلك للجيل الذي يليه، اي اذا تعرض الولد لاعتداء جنسي من شخص راشد فهذا يعني ان هذا الاخير عنده اضطرابات نفسية جعلته يتصرف على هذا النحو كونه منذ صغره قد تعرض الى اعتداء، فيترجمه بالاعتداء على غيره عند الكبر”.

وأضافت: “الطفل المعتدى عليه من المحتمل ان يصبح مثلي جنسيا، لذا على الاهل ان  يلعبوا دورا كبيرا في تمرين الطفل على حدود جسمه وممنوع ان يمس بها، خصوصا في ظل انتشار سفاح القربى، وهو أصعب من التعرض لتحرش من قبل شخص بعيد، وهنا على الطفل المعتدى عليه ان يخبر ويصرخ ويدافع عن حاله، لان الذي يتعرض للاعتداء يتهدد وتظهر لديه مشكلة اخرى انه يميل الى الشخص الذي اقام معه العلاقة حصوصا إذا ما وجد لذته معه”.

 

الطفل لايكذب

وقال الأخصائي في الطب الشرعي الدكتور حسين شحرور لـgreenarea.info : “منذ حوالي شهر عاينت حالة واحدة من الاعتداء الجنسي على طفل، حيث علينا ان نعرف خلفية المعتدي والمعتدى عليه اذا نشأ في عائلة تحتضنه ام لا، وفق اسس تربية صحيحة واذا كانت الاسباب نفسية اكثر مما هي رغبة جنسية جموحة، لاننا نجد المعتدي تعرض في طفولته للاضطهاد أو تحرش أو اعتداء جنسي من احد افراد عائلته أو من جيرانه، فيعكسها الى المعتدى عليه، فعند الاعتداء تكون الاثار الجسدية حسب نوع العملية الجنسية، فاذا كان المعتدي بالغا فقد يؤدي ادخاله بالقوة لعضوه الذكري على المعتدى عليه خصوصا اذا كانت فتاة إلى تمزيق حوضها وقد يؤدي ذلك إلى وفاتها، اما اذا كان المعتدى عليه ذكرا فقد يصاب بنزيف قوي في الشرج، غالبا المعتدى عليهم هم اطفال لا يثقون بالتحدث مع احد حول ما يتعرضون له من اعتداء جنسي، حتى لو ظهرت على اجسادهم كدمات بسيطة، فالاهم هنا لكي يستطيعوا البوح عن ما يعانون منه، هناك ضرورة لوجود مراكز للاحداث يتوفر فيها طبيب نفسي معالج، لان الطفل المعتدى عليه يحتاج الى من يسمعه ويؤمن له الراحة النفسية كي يعترف بما في داخله، خصوصا وانه نادرا ما يكذب، الا اذا كان ناشئا في منزل سيء فيه من الدعارة والمخدرات حيث يتعلم حينها الألاعيب والاحتيال، وهنا يمكن أن يكذب في حال حرض على ذلك، وكمثل قد نشهد أما تقول لابنتها في المحكمة ان والدها اعتدى عليها كي تكسب الحضانة، فالموضوع شائك”.

 

خط ساخن

وقال وزير شؤون الاجتماعية بيار ابو عاصي لـgreenarea.info : “ان ظاهرة الاعتداء الجنسي على الاطفال موجودة في كل الدول، وفي لبنان ايضا، كما وانه بكل اسف نجد أن هذه المشكلة الاجتماعية قد تكون ضمن العائلة نفسها، أو عند المتسول وحتى عند مكتومي القيد أو المتروكين من دون رعاية”.

واضاف بوعاصي: “انها اسوأ جريمة بحق الطفل لما تترك من اثار صادمة عليه، كما ان الاطفال الاناث معرضات اكثر من الذكور من حيث المرض أو الحمل، فنحن كوزارة شؤون اجتماعية نشدد على التوعية سواء عند الكبار والصغار معا، خصوصا لناحية زيادة الوعي عند الطفل لجهة التشديد باعلامه انه ممنوع لأي شخص ملامسة اعضائه الحميمة، كما ان الوزارة عندها السلطة ضمن رئاسة المجلس الاعلى للطفولة بإحالة اي موضوع يتعلق بهذا الامر الى القضاء، مع اهمية وجود مساعدة اجتماعية بموافقة وزارة العدل اثناء المحاكمات التي يكون فيها الاطفال معتدى عليهم، عدا ضرورة وضع الطفل المعتدى عليه في مراكز الرعاية للاطفال الموثوق بها في ادائها، ضمن بروتوكول متفق عليه مع تأمين له العلاج الجسدي والنفسي والتأكد من قدرته على العودة بصحة سليمة الى المجتمع، كما واننا نحن بصدد اعداد خط ساخن لتلقي شكاوى الاعتداء الجنسي على الاطفال، كل ذلك بهدف تأمين الحماية له”.

 

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This