تقع شركة السماد الآزوتي الوحيدة في سوريا إلى الغرب من مدينة حمص، على ضفاف بحيرة قطينة (سعة البحيرة 200 مليون م 3 ومساحتها بين 60 – 66 كلم2)، وتنتج معامل الشركة الثلاثة سماد اليوريا وسماد السوبر فوسفات (الاكثر تلويثاً)، و “الامونيا NH3” السائلة وحمض الكبريتH2SO4 وحمض الفوسفورH3PO4 ومنتجات اخرى.
ومنذ تدشين معمل السماد الآزوتي (الكالنترو) في سبعينيات القرن الماضي وإلى اليوم، لا يزال المعمل يلوث بحيرة قطينة ونهر العاصي،كما يلوث الهواء فوق مدينة حمص وريفها.
ملوثات قاتلة
تختلف نوعية الانبعاثات وكمياتها تبعاً للعمليات الفيزيائية والكيميائية المستخدمة في عملية التصنيع، وطبيعة المادة الخام وما تحويه من مركبات سامة، وتشمل الانبعاثات الصادرة عن تصنيع الاسمدة ما يلي:
غاز ثاني أوكسيد الكبريت SO2، وله رائحة مميزة مزعجة مهيجة لأعضاء الجهاز التنفسي ومثيرة للسعال الحاد، وخصوصا عندما يزداد تركيزه ويصيب العيون بأذى شديد قد يصل حتى فقدان البصر ويحرق الجلد. ويتحول هذا الغاز إلى حمض الكبريت الذي يساعد على تكوين أمطار حامضية، وهذه تؤدي إلى تلف المحاصيل الزراعية، فيما تكفي جرعة من حمض الكبريت تبلغ من 4-5 سنتيمترا مكعبا لقتل انسان بعد 12-48 ساعة من دخولها الجسم.
كذلك ينتج عن صناعة الاسمدة حمض الفوسفوريك، وقد اثبتت دراسة أميركية نشرتها “جامعة هارفارد”، أن ارتفاع نسبة الفوسفات في الجسم تؤدي حتماً إلى الشيخوخة المبكرة وضمور العضلات والعقم، وتسبب بعض أنواع السرطانات، وأمراض الكلى المزمنة وتصلب الشرايين.
وهناك غازات ذات سمية عالية تنفثها مداخن الشركة، ومنها غاز الفلور، الذي له تأثيرات خطيرة على صحة الانسان، حيث يؤدي استشناقه إلى تشوهات في الهيكل العظمي، كما يؤدي إلى خلل كبير في وظائف الكلى وتهيج الجهاز التنفسي وربما إلى السرطانات، ويؤدي كذلك إلى تخريب الجينات الوراثية لدى الانسان، كما يتراكم الفلور في النبات الذي ينمو في ترب ملوثة بالفلور بالقرب من مصانع الأسمدة الفوسفاتية.
أهالي قطينة… رب ضارةٍ نافعة
تلتصق بيوت الحي الغربي في بلدة قطينة بمعمل الاسمدة، ويعاني أهالي البلدة من أعراض مرضية، بدءاً من الحساسية البسيطة مروراً بالتهاب القصيبات الشعرية والتخريش القصبي، وانتهاءً بالقصور التنفسي المزمن وانتفاخ الرئة وصولاً لأورام القصبات، اضافة إلى تزايد حالات السرطان في البلدة، وذلك نتيجة السُحب الدائمة ذات الروائح الكريهة المنبعثة من معامل شركة الأسمدة القريبة من البلدة.
واشار بعض أهالي البلدة لـ greenarea.info إلى أنه “نتيجة للحرب الدائرة حالياً في سوريا، توقف المعمل مرات عدة متقطعة، ما أدى إلى منح البيئة في بلدة قطينة استراحة محارب، فعادت مياه البحيرة من بداية الحرب إلى لونها الطبيعي، وعادت الطيور المهاجرة لتحط على ضفاف البحيرة، كما عاد بعض الناس لاصطياد الاسماك من البحيرة”.
كما صرح أحد الفنيين في المخبر التابع للشركة لــ greenarea.info، (رفض ذكر اسمه) أن “الشركة تنتج موادا كيميائية، وبالتالي فمن الطبيعي أن تطرح موادا سامة، ومنذ سنوات تعمل الشركة جاهدة على الحد من التلوث، عبر تركيب الفلاتر وأجهزة لقياس الغازات، وقد تم التخلص من الفوسفوجيبسوم من خلال طريقة (كومة الفوسفوجيبسوم) بحيث تقوم على حل الفوسفوجيبسوم بمياه حامضية على شكل slurry، وإرسالها عبر مضخات إلى المرمى الذي يسمى مرمى الفوسفوجيبسوم في منطقة الوعر، وذلك ضمن دارة مغلقة، ومن ثم يتم التخلص من الفوسفوجيبسوم عن طريق تجميعه على شكل كومة بعيداً عن موقع الشركة”.
مؤكداً أن الشركة قامت في عام 2010 بتوقيع اتفاق مع الشركة اليابانية شيميزوSHIMADZU CORPORATION، الهدف منه التخفيف من الغازات المنبعثة، والتي تسبب ارتفاع درجات الحرارة في الغلاف الجوي للكرة الأرضية، وهو مشروع مجاني ممول من الأمم المتحدة، ويندرج ضمن “معاهدة كيوتو” Kyoto Protocol، إلا أن الحرب حالت دون اتمام المشروع.
وفي الوقت الذي تؤكد فيه الشركة العامة للأسمدة براءتها من التلوث البيئي للبحيرة والبلدة، يصر الاهالي على أن الواقع مختلف تماماً، مستندين إلى أن دراسات وأبحاثا عدة قد أجريت على الهواء والماء والتربة في قطينة، دلت على وجود العديد من الغازات والمعادن السامة، تزيد عن الحد المسموح به عالمياً بأضعاف أحياناً، كما هي الحال بالنسبة للحديد والرصاص والكادميوم والزئبق. ويقول الدكتور كارلوس مروش الاختصاصي بأمراض الدم لـــ greenarea.info أن “تراكم مثل هذه المواد السامة في جسم الانسان تؤدي مع الزمن إلى أمراض مزمنة وأخرى سرطانية”.
ومع تمسك كل طرف من الأطراف المعنية برأيه واستحالة الحل الجذري، يبقى التلوث الناجم عن صناعة الاسمدة، ينهش في الخاصرة الغربية لحمص العدية.