فيما كنا بصدد متابعة تلوث الليطاني وبحيرة القرعون، بعد الإخبار المقدم إلى النيابة العامة التمييزية من قبل المحامي قدم المحامي فؤاد مطر بوكالته عن الخبير الهيدروجيولوجي المهندس فتحي شاتيلا ورابطة أبناء بيروت واثنين وعشرين مختارا في بيروت، خصوصا وأن الإخبار تناول “تلوث مياه نهر الليطاني بمواد سرطانية وتسببها بالوفاة وبأمراض خطيرة”، نفاجأ بأن هذه القضية على خطورها وتسببها “بالوفاة وبأمراض خطيرة”، أفضت إلى ما هو أبعد من تلوث المياه!
ويبدو أننا أمام فضيحة جديدة لا تستهدف مياه النهر الأعرق في لبنان فحسب، وإنما تستهدف أيضا المال العام، وسط حال الفساد المستشري، مع تهريب مشاريع وتمويه أخرى أو إخفائها بالأدراج والاستعاضة عنها بمشاريع أخرى وبكلفة خيالية، ما يعني أن هذه القضية ستتخطى في القضاء ما هو متعلق بتلوث المياه، لتطاول حلقة كبيرة من المتورطين في هدر العام، وإخفاء معلومات.
د. شاتيلا: تجفيف بحيرة القرعون
وفي هذا السياق، وللوقوف على المشكلة القائمة، وإلى ماذا استند المدعون لجهة حصول وفيات وإصابات، أجرى greenarea.info اتصالا بالدكتور شاتيلا، فقال: “هناك تقرير أعده الدكتور اسماعيل سكرية، يقول فيه أن نسبة الوفيات بين أبناء القرى القريبة من الليطاني، ومن يستخدمون مياه النهر زادت 4,5 أضعاف المعدل العام للوفيات في لبنان، لأن المياه التي يستعملونها تحتوي موادا تسبب أمراض السرطان، ومن ثم هناك (مجلس البحوث العلمية) وقد واكب الدكتور كمال سليم من المجلس هذا الأمر بعد حادثة نفوق الأسماك العام الماضي، وركز مجلس البحوث على دراسات في هذا المجال، وتبين له وجود بكتيريا سامة جدا اسمها (سيانوبكتيريا) Cyanobacteria، وهذه البكتيريا صعب جدا معالجتها لأنها تتكيف مع تغير المناخ”.
أضاف: “رأى الدكتور كمال سليم، أنه لكي يتمكنوا من معالجة مياه الليطاني، يجب تجفيف بحيرة القرعون ورفع الطمي المتجمع في قعرها المحتوي على بقايا الـ Cyanobacteria، وهذه العملية تستغرق ما بين أربع وست سنوات، وكلفتها حوالي مليار دولار أميركي”.
وأشار شاتيلا إلى أن “ما دفعنا إلى تقديم الإخبار إلى النيابة العامة صدور تقرير عن (البنك الدولي) World Bank الذي قام بدراسات عن نهر الليطاني، وأعد تقريره بتاريخ 31 أيار (مايو) 2011، يقول فيه أن مياه الليطاني ملوثة بمعدلات مقبولة، ويمكن معالجتها بالطرق التقليدية لتكون صالحة للشرب”، وقال: “استنادا إلى تقريره هذا، قدم البنك الدولي 200 مليون دولار للحكومة اللبنانية لتبدأ بتنفيذ مشروع جر مياه الليطاني من نهر الأولي حتى خلدة بواسطة نفق بطول 24 كيلومترا، وهذا النفق تم تلزيمه في أوائل العام 2015 ويتطلب حوالي السنة لإنجازه، لتأمين مياه الليطاني إلى بيروت بعد معالجتها في محطة الوردانية، حيث تم إنشاء هذه محطة في هذه البلدة لمعالجة المياه حسب الطرق التقليدية”.
مشروع الأولي!
وأردف شاتيلا: “البنك الدولي ومجلس الإنماء والإعمار والوزارة يتفادون منذ حوالي العشرين سنة تسمية هذه المياه التي ستصل إلى بيروت بمياه الليطاني، ويطلقون عليها (مشروع الأولي)، لماذا؟ لأنهم يعلمون أن أهالي وسكان بيروت يرفضون لا يمكن أن يوافقوا على جر مياه نهر الليطاني التي رفضها أهل البقاع، ولذلك مدير البنك الدولي حضر منذ شهرين غلى محطة الوردانية صرح وكنت موجودا أنا والأخصائي في البيئة من الجامعة اللبنانية الدكتور عارف ضيا، ووزع علينا كتيب من مجلس الإنماء والإعمار أشاروا فيه إلى أن المياه التي ستجر إلى بيروت هي مياه نهر الأولي، وهذا كله كذب، لأن مياه تجف في الصيف، فيما المياه التي ستجر هي مياه نهر الليطاني المخزنة في بحيرة القرعون والمحولة إلى نهر الأولي”.
وقال: “لدينا عشرات المستندات تبين مدى تلوث مياه الليطاني، ولدينا مستندات من مجلس الإنماء والإعمار تقول أن المياه التي يريدون تحزينها من نهر الدامور نقية، ولذلك نتساءل: لماذا يريدون جر مياه الليطاني وإقامة سد بسري وهو مشروع يكلف 808 ملايين دولار، بينما الدراسات التي أعددتها سنة 1996 والتي أعدها مجلس الإنماء والإعمار سنة 1999 وسنة 2000؟ ودراسة الجدوى التي أعدها المجلس سنة 2007 وكلفته 800 ألف دولار، جميعها تؤكد أنه يمكن تأمين المياه لبيروت من نهر الدامور، بمعدل 100 مليون متر مكعب خلال فترة الشحائح، أي حوالي 500 ألف متر مكعب يوميا، بكلفة إجمالية، بما فيها بناء السد، استملاك الأراضي، محطة لمعالجة المياه وجرها تصل إلى 153 مليون دولار”.
مستندات كاذبة وملفقة
وتابع شاتيلا: “بمعنى أن الوزارة والمجلس قاما بتلزيم مشروع جر مياه الليطاني، ومشروع تخزين مياه نهر الأولي في سد بسري بكلفة 808 ملايين دولار، في الوقت تشير الدراسات التي أعدها مجلس الإنماء والإعمار وتستر عليها ولم يعلن عنها، تقول أنه يمكن حل أزمة مياه بيروت خلال الثلاثين والأربعين سنة المقبلة بكلفة إجمالية تصل إلى 153 مليون دولار”.
ورأى أن “ما يجري هو جريمة بكل صراحة لأن ليس هناك من يحاسب، وهناك هدر أموال بمئات ملايين الدولارات، وكله بسيط أمام المياه الملوثة إلى درجة منع الحيوانات من الشرب منها لكثرة ما فيها من مواد سامة”، وتساءل: “هل هناك خطة لتسميم أهالي وسكان بيروت؟”، وقال: “غير معقول لإنسان لديه ذرة ضمير وذرة عقل ويوافق على جر هذه المياه لتأمين مياه الشفة لبيروت”.
وختم شاتيلا: “لذلك قدمنا هذا الإخبار وسنتابعه، والنيابة العامة التمييزية تعالج فقط الشق البيئي، بينما الموضوع فيه هدر مالي، وهناك شق جزائب، فوزارة الطاقة والمياه تصل إلى 153 مليون دولار قدما مستندات كاذبة وملفقة، لطمس الحقيقة ولكي يقولوا أن كمية مياه الدامور ضئيلة جدا، وهذا كله كذب، هما أعدا دراسة ويخفيانها، تقول أنه يمكننا تخزين أكثر من مليون متر مكعب على نهر الدامور وجرها الى بيروت بكلفة زهيدة”.
إخبار إلى النيابة العامة
وفي ما يلي نص الإخبار الذي تقدم به المحامي فؤاد مطر بوكالته عن المهندس الهيدروجيولوجي فتحي شاتيلا ورابطة أبناء بيروت واثنين وعشرين مختارا في بيروت إخبارا، إلى النيابة العامة التمييزية، يتعلق بقضية تلوث مياه نهر الليطاني بمواد سرطانية، وتسببها بالوفاة وبأمراض خطيرة. وأحالت النيابة العامة التمييزية الاخبار الى النيابة العامة البيئية في البقاع للتحقيق فيه.
وطلب مطر في الاخبار “التحقيق مع الوزارات المعنية وكل من يظهره التحقيق فاعلا أو متدخلا أو محرضا أو شريكا، بجرم التسبب بالوفاة وبأمراض خطيرة من مياه الليطاني الملوثة بمواد سرطانية، وخسائر مالية بملايين من الدولارات”.
وطلب مطر “إحالة هذا الإخبار على المراجع المختصة لإجراء التحقيقات اللازمة، وتكليف مصلحة الليطاني بإبراز الملف الاداري لديها والذي على أساسه تقرر تحويل المياه إلى بيروت، مع الدراسات التي استند إليها ليبنى على الشيء مقتضاه، وإبراز مجلس الإنماء والإعمار القرارات والدراسات التي وضعها، واتخاذ القرار بوقف عمل جر مياه نهر الليطاني، ومن سد بسري على نهر الأولي، تفاديا لكارثة صحية ستصيب أهالي وسكان بيروت الكبرى من جراء تزويدهم من هذه المياه والتي أصابت أهالي البقاع. وأيضا، الإيعاز لمن يلزم في الدولة اللبنانية باتخاذ الاحتياطات والتدابير اللازمة”.