تتجه مدينة صور لتبني خيارات بيئية عنوانها الاستدامة في موضوع النفايات المنزلية الصلبة، وتواجه هذه المشكلة بعيدا من الارتجال من خلال تعميم ثقافة الفرز من المصدر، وهي ماضية في تأمين الظروف الأمثل لمشكلة تتهددها مع سائر قرى وبلدات القضاء، خصوصا مع استحداث مكبات عشوائية، كما أن أبناء صور وفاعلياتها ومجلسها البلدي وجمعياتها الأهلية يعلمون أن ثمة حاجة لبلورة مفاهيم عصرية تعتمد الفرز واسترجاع ما هو قابل لإعادة التدوير، والتخفيف، والتسبيخ في مراحل لاحقة.
لقد رفضت بلدية صور محرقة النفايات التي وصلتها قبل أشهر عدة، وهي من نوع المحرقة الموجودة في ضهور الشوير، إلا أن هناك تحديات كبيرة ما تزال قائمة، خصوصا لجهة تحديث معمل الفرز في عين بعال وزيادة قدرته الاستيعابية، فضلا عن أن الاستحقاق المقبل يبقى متمثلا حتى الآن باعتماد الحرق لفترة مؤقتة، من خلال استقدام محرقة روسية، ومن هنا أهمية المبادرات الأهلية لتعميم ثقافة الفرز والتخفيف، والتخلي عن خيار الحرق نهائيا.
الفرز من المصدر
في هذا المجال، وفي سياق مشروعها حول الخدمات الطارئة للبلديات الممول من قبل “البنك الدولي” من خلال “مجلس الانماء والاعمار”، نظمت “جمعية التضامن الثقافية الاجتماعية” بالتعاون مع اتحاد بلديات قضاء صور ندوة تثقيفية توعوية تحت عنوان “الفرز من المصدر” حاضر في الندوة، مؤسس “جمعية الارض – لبنان” بول ابي راشد حول الطرق المناسبة لفرز النفايات الصلبة من المصدر، ودورها في تسهيل المعالجة الصحيحة والمستدامة من خلال تقنيات التدوير، التسبيخ والتخلص، وذلك في حضور عدد من ممثلي بلديات المنطقة والجمعيات والاهالي.
وقد بدا واضحا ان الحضور لم يقتصر على مدينة صور فحسب، فقد شارك وفد من بلدة الدوير في قضاء النبطية برفقة الدكتور علي ابراهيم وبعض المهتمين والمعنيين في موضوع البيئة من بنت جبيل وصيدا والصرفند.
Green Area الدولية حاضرة
جاءت هذه الندوة بعد أيام عد على اجتماع تنسيقي عُقد في مقر اتحاد بلديات صور مع الجمعيات الدولية والمحلية العاملة في المجالين البيئي والإغاثي في منطقة صور، وممثلين عن مكتب الشؤون المدنية في قوات الطوارىء الدولية الــ “يونيفيل”.
وتم خلاله البحث في مشروع اطلاق حملة النظافة العامة في قرى القضاء، وتتضمن حملة توعية على فرز النفايات من المصدر، وذلك في حضور نائب رئيس اتحاد بلديات قضاء صور حسن حمود وممثلين عن 15 جمعية محلية ودولية، من بينها “جمعية Green Area الدولية” التي عرضت مساعدتها في هذا المجال، من خلال المشاركة في التدريب والتوعية على الفرز، وذلك لمواجهة المكبات المنتشرة في ضواحي المدينة، ومن بينها مكب البرج الشمالي، ولقطع الطريق أمام تبني المحارق وهو خيار ما يزال قائما من قبل الاتحاد.
فارق التوقيت بين الاجتماعين في الاتحاد والندوة، إن دل على شيء فعلى وعي الجمعيات الاهلية، وأولها جمعية التضامن الثقافية التي باشرت بنشر التوعية من خلال دعوتها لأولى الندوات بعد الاجتماع.
أبي راشد: عملية الفرز تحتاج للتكاتف
وعرض أبي راشد في الندوة لعراقة مدينة صور، قائلا: “لنبدأ من هنا من أرض الحضارات بنشر ثقافة مختلفة، ولنعممها على كامل لبنان”، وعنى بذلك الفرز من المصدر “الذي يحتاج حتما إلى ثقافة ووعي”.
قسم ابي راشد النفايات إلى انواع وعرف بها: عضوية، غير عضوية ومرفوضات، اضاف اليها النفايات الموسمية أو الخطرة التي يجب التنسيق مع البلديات بخصوصها، بالاضافة إلى “تجنب رميها في المستوعبات لاحتوائها على مواد سامة ولحجمها الكبير وأحيانا لإمكانية اعادة استعمالها”، وحدد أبي راشد دور المواطن لجهة “فرز النفايات في المنزل بطريقة سهلة وبسيطة”، مشيرا إلى “خطة مفيدة من خلال الفرز في ثلاثة مستوعبات لمعالجة سليمة للنفايات بألوان مختلفة، كل لون مخصص لنوع من النفايات، بحيث تتحول انواع منها إلى سماد مفيد للارض والمزروعات من دون اي رائحة وأي تأثير سلبي”.
وعرض لدور البلدية والاتحاد لجهة إنشاء مراكز الفرز والتسبيخ والتخلص والترحيل، ومن ثم تنظيم عملية جمع النفايات المفرزة من الاحياء أو من كل بيت، بالاضافة إلى تحديد ونشر رزنامة الجمع، ولفت أبي راشد إلى ان “عملية الفرز تحتاج للتكاتف ما بين المواطن والبلدية وعلينا ان نعمل ولا ننتظر حلول الدولة والوزارات وسط حالة الفساد القائمة”.
عرض ابي راشد للآثار السلبية لسوء معالجة النفايات المنزلية، وشرح تقنيات التسبيخ، لافتا إلى “امكانية تطبيقها في القرى المجاورة للمدينة بسهولة”، وعرض على الحاضرين نموذجا نفذته “جمعية الارض – لبنان” في بلدة بريح الشوفية، وتحدث عن امكانية استرداد الطاقة من نفايات ذات قيمة حرارية، بحيث تفرز المرفوضات وتنقل المواد ذات القيمة الحرارية إلى معامل انتاج الوقود البديل، أما المواد الباقية فيتم التخلص منها بتأهيل المقالع والكسارات أو الطمر الصحي، وفي نفس السياق تحدث عن مشروع “مستهلك الورق المتنبه” الذي تنفذه الجمعية والذي يهدف إلى التربية على فرز النفايات الورقية، لحل جزء من مشكلة النفايات الصلبة، بحيث تقوم الجمعية منذ العام 2008 بنقل النفايات الورقية المفرزة من المؤسسات العامة والخاصة إلى معامل التدوير مجانا، حيث تمكنت من جمع ثمانية آلاف طن سنويا، وبالتالي انقاذ ما يقارب المئة الف شجرة من القطع.
مداخلات
ثم كانت بعض المداخلات حول الموضوع، وجرى نقاش بين البلديات والجمعيات الاهلية والحاضرين، وطرح نائب رئيس اتحاد بلديات قضاء صور حسن حمود المشكلة التي يواجهها معمل عين بعال، وشرح مفصلا سبب عجز المعمل وتوقفه من فتره إلى اخرى، كما كشف للحضور عن توجه الاتحاد لتعميم الفرز في كافة المناطق بالتزامن مع تطوير معمل عين بعال، كما شرح نائب رئيس جمعية التضامن الثقافية الاجتماعية يوسف خضرة عن مشروع الفرز الذي قامت به الجمعية في الفترة السابقة والمشاكل التي واجهته، والذي تخلله توزيع مستوعبات على المدارس والقيام بنشاطات لتوعية طلاب المدارس حول هذا الموضوع.
وتنوعت المداخلات مع عرض نماذج مطبقة في المدارس وبعض القرى والبلدات، كما شددت بعضها على اهمية التوعية في المدارس، خصوصا على اهمية مساهمة الجمعيات في نشر ثقافة بيئية سليمة والعمل والتدريب لتطبيق كافة المقترحات البيئية.