لم يستجب الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمقولات العلم ولا لمناشدات العلماء، ولم يعر اهتماما للمجتمع الدولي في سعيه منذ “قمة الأرض” Earth Summit في ريو دو جانيرو 1992 لمواجهة تغير المناخ، ولم تحركه ظواهر المناخ المتطرفة وهي تطاول ملايين البشر، وكأن موت الملايين نتيجة موجات الجفاف والأعاصير والفيضانات والهجرة لا يساوي شيئا إزاء استعادة الولايات المتحدة لأوهام السيطرة الاقتصادية على العالم، على قاعدة “ومن بعدي الطوفان”!
وجاء توقيع ترامب مرسوما تنفيذيا يتراجع فيه عن القوانين التي أقرها سلفه، باراك أوباما، من أجل الحد من تبعات التغير المناخي، ليؤكد مضي الإدارة الأميركية الجديدة في تقويض الجهود الدولية الرامية إلى اتخاذ اجراءات بشأن تغيير المناخ بحصر احترار الأرض بأقل من درجتين مئويتين فوق المستوى الذي كان عليه قبل الثورة الصناعية.
خيارات مجنونة
وأعلن ترامب جهارا خلال حفل التوقيع أن هذا المرسوم يوقف “الحرب على الفحم” (المسؤول إلى جانب النفط والغاز عن انبعاث غازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري)، ويلغي القوانين التي “تقضي على الوظائف”.
وما يؤكد أن ترامب ماضٍ في تبني خيارات مجنونة، ما حققته الولايات المتحدة من تقدم في مجال الطاقة المتجددة، وهي تمثل قطاعا اقتصاديا واعدا، من حيث التوفير في فاتورة الطاقة، ومن حيث خلق فرص عمل، ما يسقط ذريعة ترامب في موضوع الوظائف، فضلا عن أن الطاقة المتجددة باتت تمثل قطاعا اقتصاديا واعدا يوفر مناخا استثماريا بمئات الملايين من الدولارات.
ويعلق المرسوم المعروف باسم “استقلالية الطاقة” العمل بجملة من الإجراءات كان أقرها الرئيس باراك أوباما، كما يشجع صناعة النفط، على حساب مشاريع الاستثمار في الطاقات النظيفة
الشركات ترحب
ولم يكن موضع استغراب أن ترحب الشركات بقرار الإدارة الأميركية الجديدة، ولكن المنظمات المدافعة عن البيئة نددت به، ومن المتوقع أن تكون ثمة ردود فعل أوسع في الأيام القليلة المقبلة، خصوصا وأن خطوة ترامب استهدفت “مؤتمر باريس” والجهود الدولية الهادفة للحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض.
ووقع ترامب المرسوم وخلفه مجموعة من عمال المناجم، وقال: “إدارتي توقف الحرب على الفحم، فهذه أول خطوة تاريخية لرفع القيود عن الطاقة الأميركية، للتراجع عن تدخل الحكومة، وإلغاء القوانين التي تقضي على الوظائف”.
وقد تعهد الرئيس الأميركي في حملته الانتخابية بإخراج الولايات المتحدة من اتفاقية باريس الموقعة عام 2015.
ويختلف ترامب كثيرا في نظرته لقضية البيئة عن أوباما، الذي يرى أن التغير المناخي حقيقة لا يمكن التغاضي عنها، فيما يرى ترامب أن تغير المناخ بدعة وكذبة صينية، وهذا الأمر قوبل بالسخرية منذ إطلاق حملته الانتخابية، فضلا عن أنه يجافي العلم والمنطق، فأي منطق وأي جنون أن ترسم الولايات المتحدة مستقبلا عنوانه وهم السيطرة ولو على حساب الكوكب.
وهم السيطرة
وتفرض القوانين التي ألغاها ترامب، وتعرف باسم خطة الطاقة الخضراء، على الحكومة بالتقليل من الانبعاث الحراري، للوصول إلى تعهدات الولايات المتحدة المنصوص عليها في اتفاقية باريس، واعترضت الولايات التي يسيطر عليها الجمهوريون على هذه القوانين، ورفعت شركات النفط والفحم دعاوى قضائية لإبطالها.
وقد علقت المحكمة العليا العام الماضي العمل بهذه القوانين بينما كانت القضايا أمام المحاكم.
وتقول إدارة ترامب إن إلغاء قوانين أوباما توفر الوظائف للأميركيين، وتقلل من اعتماد الولايات المتحدة على استيراد الوقود. وتضيف أن الرئيس “سيمضي قدما بشأن إنتاج الطاقة في البلاد”.
ومما سبق، بدا واضحا أن الولايات المتحدة ما تزال محكومة بوهم السيطرة على العالم، وهي غير قادرة على قراءة المتغيرات الدولية، وأبعد من ذلك، فإن الولايات المتحدة لن تكون في منأى عن تبعات تغير المناخ، وقد عانت فصولا مأساوية في بعض الولايات، ولا سيما كاليفورنيا، فضلا عن أعاصير مدمرة، وغيرها من ظواهر مناخية متطرفة.