حركت الهزة الأرضية الخفيفة في محيط منطقة بسري في الجنوب اللبناني الراكد من مواقف بشأن “سد بسري”، وكأنها جاءت لتذكر بما ينتظر هذه المنطقة من كوارث وأخطار طبيعية محتملة، فضلا عن تبعات لا تقل خطورة متصلة بجمال المنطقة ومعالمها التراثية والثقافية، وغطائها النباتي وأحراجها وتنوعها الحيوي.

وكان “المركز الوطني للجيوفيزياء” في بحنس قد أشار إلى أن هزة أرضية بقوة 3.4 على مقياس ريختر سجلت عند التاسعة و43 دقيقة من هذه الليلة (أمس) ومركزها على بعد 5 كلم شمال شرقي جزين.

وتزامنت الهزة أيضا مع تحضيرات لمواجهة مشاريع السدود في أكثر من منطقة، وعلم greenare.me أن جملة من المواقف والدراسات العلمية سيعلن عنها تباعا، من قبل خبراء ومختصين، ومن المتوقع أن تتضمن مشاريع حلول بديلة.

 

نجيم: مليار ومئتي مليون دولار

 

وفي هذا المجال، أشار الناشط المدني رجا نجيم لـ greenarea.info إلى أن “من يريد أن يحصل على المياه ليشرب من سد بسري، فلن يحصل ولو على نقطة منها، فمياه الشفة لا تنتج عن السدود، بالاضافة لأن ليس هناك من يستطيع ان يربح على الطبيعة فهي تأخذ حقها بنفسها”، وقال: “تذكروا جميعاً إن بحيرة السد لن تستطيع ان تجمع ماء لأنه من الآن إلى حين انتهاء الأعمال وبحسب ما هو مرتقب لن تستطيع جمع مياه بسبب الاحتباس الحراري والتغيير المناخي، كلنا يعلم بالاستناد الى الدراسات الحديثة بأن حرارة الارض ارتفعت درجتين مؤخرا وهذا يزيد التبخر، كما ان نسبة المتساقطات انخفضت بشكل دراماتيكي منذ 2014، علما ان معدل المتساقطات للخمسين عام التي سبقت 2014 كان شبه ثابت، والقسم الاكبر مما سيتبقى من المياه التي ستصل إلى البحيرة ستتسرب في جوف الأرض مهما فعلوا”، وأكد نجيم أن “ليس ثمة مياه نقية تأتي من التخزين المكشوف، لأن المياه في هذه الحالة تكون عكرة وملوّثة وموبوءة وما من شيء يكررها لتصبح صالحة للشرب، خصوصا مع التقنية التي سيتم تجهيز معمل الوردانية بها ويستحيل تجهيز كامل المنطقة بشبكات صرف صحي”، متسائلاً: “ألا نرى ما الذي يحصل مع المياه التي تأتي إلى بيروت من محطة تكرير الضبية، بالرغم من ان مصدرها ليس سدّا بل نبع جعيتا أو سواه؟”.

وأضاف نجيم: “من ثم أسأل كل من يقول – بالتأكيد عن حسن نية – أنه مع هذا السد، من أين سيأتى بالمال؟ وكيف سيتم تسيد ديون كلفة انشاء السد؟ علما ان المدخول من الخمسمئة الف عيار مياه الخاصة ببيروت الكبرى مستنزفة اصلا، واحتساب الجدوى الذي يتم اليوم هو وهم وتزوير للحقائق ثم ليعلموا  ان الكلفة الإجمالية ستصل الى مليار ومئتي مليون دولار تقريباً لتغذية بيروت”، وقال: “لا يجب أن ينسى أحد اننا بلد يواجه مديونية كبيرة مع إدارة فاشلة وفاسدة، وأن شعبنا اصبح فقيرا”، ورأى نجيم أن “المنطق السليم في هذه الحال هو تقليص التكلفة الى أقصى حد، وتجنب وضع الشعب والدولة تحت رحمة (مرابي الشعوب) واللجوء الى الحلول الأقل كلفة على أساس لامركزي من استثمار المياه الجوفية وسواها، واعتماد خطط إستناداً لمقاربة (الميكرو) لا بل (النانو) وحتماً ليس (الماكرو).

وتساءل: “أيعقل ان نصرف مئات الملايين لتجميع المياه السطحية السنوية التي تساوي ربع الثروة المائيّة المتجددة، بدلاً من صرف الملايين فقط لإستثمار المياه الجوفية المتجددة دون احتساب الاحتياط المياه المتبقية في جوف الارض من السنوات الماضية؟ أو انهم لا يكترثون سوى لقبض الاموال وبيع الارض؟ وألا يعرف هؤلاء الإخوة انه عندما يقوم الخالق بتكوين منطقة لتغذية المخازن الجوفية، لا يستطيع، بل لا يحق لأي كان ان يحولها إلى خزان معزول تجمع فيه المياه السطحية، لأنه ليس أقوى من الطبيعة وحتماً ليس أقوى من الله؟ أليس على حدود الخطيئة وحتى الكفر ان يقوم الإنسان بمحاولة التعدي على ما خلقه ربه؟”.

سدود مالية!

 

وأوضح نجيم: “لمن لا يعلم انه أيضاً من خلق الخالق ان يذهب قسم من مياه الأنهر الى البحر وهذا ليس بهدر أبداً، إذ هو ينمي البيئة البحرية كما كل ما هو موجود على طول السواحل رملية كانت أو صخرية، مع امكانية الاستفادة من هذه المياه بواسطة خزانات صغيرة على طول الانهر او قواطع في احواضها”، وقال: “بالنسبة لبسري يرفضون حتى اليوم ان يقوموا بالدراسات الجيولوجية الضرورية للمنطقة الممتدّة من مكان منشأة السد حتى النقطة التي يدخل فيها فالق روم في جوف الأرض، أي الى ما هو قريب من (جوبة بسري)، لماذا برأيكم؟ ألا تعلمون ان (لا علم صحيح دون صدق)؟ و (من لم يكشف كل أوراقه حتما لديه ما يخبئه)؟ فلما كل هذا التكتم والتقارير الملتبسة والدراسات المنقوصة؟”.

وأضاف: “نحن نعرفهم جيداً وقد عايشناهم سنين طويلة، هم لا يريدون سوى تنفيذ “سدود مالية”! هذا هو بكل بساطة وضع منطقة مرج بسري، وما يزيد الطين بلّة فيها هو انها نقطة ارتكاز الهزات الأرضية حتى 1956 في المنطقة، فجوبة بسري هي على بعد بضع مئات الأمتار من مكان تواجد منشأة السد، وليس هناك من يعلم ما الذي يمكن ان يحصل إذا ما بدأنا نعبث بالطبيعة وجيولوجية الأرض في السهل”.

وختم نجيم: “إن الإحتراز والوقاية هما المطلوبان، لأن حياة الانسان على المحك، والبديل متوفر، ونتمنى ان يعي الجميع خطورة ما يمكن ان يحصل وان يتحركوا ويواجهوا قبل فوات الاوان”.

 

الحجار: شقوق وفراغات

 

وأشار حسان الحجار (أستاذ متقاعد) إلى “اننا نعلم بشأن الهزات المتكررة في المنطقة والتي حصل آخرها ليلة أمس”، وقال: “لدي تقرير أعده الباحث المهندس علي حسين الحجار، وهو عضو استشاري في معهد المخترعين في واشنطن”.

وأضاف الحجار: “هذا التقرير يعود للعام 1956، الزلزال حدث يوم 16 آذار (مارس) والتقرير قدمه في آواخر نيسان (أبريل) 1956 بعد عمل ومعاينات على الارض مباشرة، وقد لحظ التقرير اسباب حدوث الزلازل والمواد البركانية التي لفظتها الارض، وكانت نتيجته الغاء فكرة انشاء سد في منطقة بسري كان سيتغذى من بحيرة القرعون عبر النفق الذي يغذي بركة أنان، ولحظ التقرير أيضا أن الجوبة القديمة انخسفت من جبل روم وهي نقطة ارتكاز للهزات الارضية، كما وان أغلب المناطق المنكوبة في المنطقة سميت بخربة وخرايب وخرب وخريبة هي نتيجة للزلازل القديمة، كما ان المنطقة معرضة لهزة او اثنتين خلال كل عام، ومنذ قرابة الـ 9 سنوات وقعت هزتان بقوة أربع درجات ونصف الدرجة على مقياس ريختر”.

وتابع: “يلحظ التقرير ان الشقوق القديمة في جبل شحيم، والانزلاق المستمر في محلة روبين، والانخسافات في مرج بسري هي المناطق نفسها التي نكبتها الزلازل القديمة قبل 1956، والصادرة عن ذات النقطة الارتكازية التي حددها مرصد كسارة بجانب الانخساف،  وأشار التقرير صراحة وبعد المعاينة الميدانية الى وجود (انخسافات) ارضيه في مرج بسري ناتجة عن شقوق وفراغات في السهل، وعمق الارضية التي سيبنى السد الركامي فوقها يتراوح ما بين 60 الى 115 مترا، مكونة من ردميات جيولوجية ورمول وطمي، ولا يوجد فيها أي طبقة صخرية”.

ولفت الحجار إلى أنه “عندما قام الدكتور زعاطيطي بالفحوصات في السهل والحفر، لم تصطدم الحفارات بأي طبقة صخرية بل كانت تمر احيانا في فراغات، وهذا يؤكد ان أرضية السد لن تستطيع تحمّل ضغط 125 مليون متر مكعب سعة امتلاء السد، ولن تحفظ المياه، وقياس نسب التبخر الطبيعي يؤشر لـ 30 بالمئة على الاقل”.

 

لعدم تكرار التجارب الفاشلة

 

وبحسب الحجار “يوجد حاليا في حوض بسري اكثر من 25 بئر ارتوازية عاملة تستعمل للري، ومؤخرا وعدوا بحفر 6 آبار لمنطقة إقليم الخروب و 6 آبار لمنطقة جزين عن طريق وزارة الموارد، وهذا يؤكد ان حوض بسري الجوراسيكي يختزن كميات هائلة من المياه ويمكن ضخها مباشرة من الآبار”.

وأشار إلى أن “كلفة البئر الواحدة زهيدة مقارنة بأكلاف السد الهائلة وفوقها تضاف الفوائد، فضلا عن خسارة ناتج السهل من الزراعات المزدهرة فيه والتي قُدّرت بـ 150 مليون دولار سنويا”.

وقال: “نحن نعي مخاطر إنشاء هذا السد، لذلك نشأت حالة من الوعي لدى الأهالي حيال مخاطره، وهذا الموضوع بالنسبة لنا بيئي ولا طابع سياسي له”، وختم الحجار: “نحن مع انشاء السدود في مناطق ارضها تصلح لانشاء سدود، ومع إنجاز دراسات علمية قبل انشاء اي سد، لأننا ضد تكرار التجارب الفاشلة التي ستلحق الاذى بكل القرى المجاورة لبسري”.

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This